Monday 13th March,200612219العددالأثنين 13 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الثقافية"

قصة قصيرة قصة قصيرة
حين تأتي أيها الخريف
سلوى أبو مدين

ها قد استلقت أوردتي أيها الخريف فوق وجهك الشاحب وأوراقك اليابسة الصفر.. باحثة عن سر صمتك وشجنك. ترسم على جدار العابرين بقايا ألوانك الباردة وحدة الليل, وتعب النهار.. حين تأتي أيها الخريف تعزف على ألحان الأرصفة المبتلة بدموع الأطفال والعتمة والفراغ صخبك عناقيد حزينة.. وهمهماتك صقيع مشطور.. في وجهك ريح تنوح وأمطار قانية. وغيمة غفت في البياض القارس تشاكس الريح توقظها من عزلتها.
تختبئ منك حقول الخزامى الوجلة.. حول موقد الحيرة. يروي لي ليلك الطويل حكايات عن هيلانة, وطروادة.. سأمنحك قنديلي المتثائب عند نافذتي الثكلى. تهدهد النجوم بحكايات عروس البحر. ثم ترتدي ثوب صمتك. تسافر خلف حدود الغيم, تلامس أنفاس الحنان باحثاً عن وجهك الرمادي وصوتك المبحوح بين معاطف الفراء. لا شيء يبقى.. سوى ليل ناصع واحتضار شمعة تحت المطر. سأنتظرك حتى أشعل حولك جمري، وهالات سمري. سأعبث بجدائلك, وأطيل سهرك معي. سنتثر حولي عواصفك, وتسرق مني نجومي المتساقطة أجنحتها فوق وجوه البشر. ستداعبني كطفلة تهتم بفهرس العبث. ستكون كما أنت عنيدا, محتجاً. ستكتبني للريح, أنشودة الورق. لدي رغبة تدفعني للتفاوض معك. كلما ارتديت قناع الوداعة انتظرتك في الفراغ زمنا مثل ورقة شجرة عارية. لأجل الرغبة.. تعبث بأحلام العتمة التي ارتدت معطف الخوف. حين تغلق الباب وراءك ستتركني لعنفوان الشتاء. تعال حيث حزني المسربل بالبياض وسمائي المسكونة ببحة الضجر لتزرعني بين أوراقك الصفراء. سأصحو على طعم صدى أحلامي المحمومة بالشوق. وأرسمك في دفاتر ليلي, وأشعل قمري. لتراقص يتمي.
مساء الخير يا شهر النعاس والحلم, عنبك يتأرجح فوق البساط منتظراً عينين تقطفان ويدين تعصران وشفتين تدوخان بالسكّر. عصافيرك المتكئة على حافة النافذة تتأوه بشرود وتتهيأ للرحيل وتتنفس هواءك الأعمق من نظرة وداع.
سأنتظر يقظتك كل فجر, يا شهر اللوعة الجارحة. سأحمل إليك حزني الصباحي يا أيها الأشقر الخجول. سأعطيك يدي لتمسح عن جبينك آثار الصيف الباكية. سأعطيك شمسي لتمطر عسلاً على جسدك البهي. سأعطيك عيني لترى، وجوعي لتشتد نهماً وجوعاً، سأعطيك سهري لتمعن في القمر وتأوهاتي لتشعل غيرة الكواكب والنجوم، سأعطيك مجوني لينضج جمالك, وكسلي لتزداد كسلاً. مساء الخير أيها الخريف, مساء الخير يا شاعر الفصول. أعطني حبك زادا لحبي عندما تغلق الباب وراءك وتتركني لوريثك الشتاء. أعطني وحدتك لأصيرها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved