الأمن هو صمام الأمان، وشريان الحياة، وقلبها النابض، بيد أن ضده الخوف وهو داء الحياة، وشعاره (لا..لا للحياة) هو الدمار بعينه.. (أعني به عدم الاستقرار والاطمئنان داخل أروقة الحياة).
بالخوف لا يأمن الإنسان على ماله وأهله وعرضه.. وتكون الأبدان الصحيحة السليمة أبداناً منهكة متهالكة.. ويأكل القوى الضعيف، ويتسلط المفسد والعابث ومن في قلبه مرض على الأعراض والحرمات والممتلكات، وحينئذ ينفتح باب الشر على مصراعيه، ويكثر الهرج (القتل)، وتعم الفوضى في أوساط المجتمعات، وتسير الحياة بشكل مخيف، يكون الليل أشبه بالنهار لا هدوء ولا نوم، والنهار مصبوغاً بالوحشة لا أمن ولا استقرار، فكر مشغول بما ينتظره، وقلب مفجوع بما يراه، قد تكون هذه الساعة نهايته، أو الأخرى هي قادمة، العيون شاخصة من ألم الهول وشديد الخوف، هذا يقتل، وذاك ينهب، وآخر يسرق، ولا عجب! إن رأيت الطفل مفزوعاً ورأسه قد كساه الشيب، وقلوب كبار السن تخفق سريعاً مع مشية متعثرة، وأمزجة الناس قد عكَّرها وحيَّرها، والأسر تفككت كل يتوجس خيفة ويخشى الهلاك، وابتسامات الأطفال الأبرياء وئدت قبل صفوف الكبار، والضحكات هي الأخرى زالت، والرحمة نزعت من القلوب إلا من رحم ربي، الكل يسلط منهجاً (نفسياً) محاولاً النجاة به، وأعداد الأموات تزايدت، وقبلها مسلسل الدماء قد تناثرت، والحليم حار في أمره، والتاجر عاش في قلق وانزعاج، والأم أصبحت للهموم صديقة، وللأحزان رفيقة... فانعكست الأمور.... الأعياد زالت حلاوتها، وانقطع سرورها، الأكل ذهبت لذته وبقيت شبعة الضيق والهمّ، وطعم الشراب سافر إلى بلاد الأمان وأفياء الاطمئنان وخلَّف وراءه شراباً علقماً لا يسيغه أحد، وألوان الأنس والسرور أصبحت تُرى أثراً بعد عين، الأفراح أعاقها الخوف وأسكن مكانها الأتراح، النوم رحل عن أعين الطيور والدواب من الفزع فضلاً عن البشر... ولا غرو! فكيف ترجو حياة هنيئة مستقرة من حياة سادها الخوف والرعب والذعر والوجل من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم، فمقومات الحياة الهنيئة الطيبة المستقرة قد أسقطها الخوف في هوته.. كفى من الخوف وغياب الأمن شراً.. إنه استأصل من الأبدان جهاز مناعتها، وأحل مكانه جهاز استقبال لجميع ألوان الأمراض والأدواء.. والسؤال هنا هل نحن مقدّرون لحجم نعمة الأمن التي نعيشها، ومدركون حقاً أنه لا بديل عنه سوى الخوف وعدم الاستقرار؟ (فأي الفريقين أنت)!!!!!
|