Monday 3rd April,200612240العددالأثنين 5 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

نقاط تحول الانتحاريين من الحياة الطبيعية إلى الحياة المتطرفة نقاط تحول الانتحاريين من الحياة الطبيعية إلى الحياة المتطرفة
عمر بن سليمان الشلاش *

الانتحار ظاهرة عالمية كانت ولا تزال موجودة في كثير من المجتمعات الغربية والأوروبية التي كانت وما زالت تعاني من الديموقراطية المبالغ فيها وترزح تحت مبادئها، التي تسود فيها الحرية المطلقة وعدم وجود قوانين ضابطة تحكم تصرفات وسلوكيات أفراد تلك المجتمعات وإنما كُلٌّ يتصرف حسب هواه، إضافةً إلى الأسباب النفسية والاجتماعية والعقلية، وبدأت الآن تظهر وتغزو بعض البلاد العربية والإسلامية ليس لذات الأسباب فحسب، وإنما لأسباب أخرى أيضاً لم تكن موجودة وإنما بدأت تلعب دورها في الآونة الأخيرة في تغيير وأدلجة فكر الشباب وبالتالي دفعهم نحو السلوك الانتحاري.
والسلوك الانتحاري غالباً ما يكون نتيجة فكر متطرف ومنحرف يحمله ويتبناه الفرد تجاه نفسه أحياناً أو الآخرين سواءً كانوا أفراداً أو جماعاتٍ أو مجتمعاتٍ.
وربما يتساءل البعض عما إذا كانت هناك تأثيرات نفسية وتداعيات، أو هل يوجد أسباب نفسية بحتة لتحول الأشخاص إلى انتحاريين؟
* فكما هو الحال في كثير من السلوكيات المنحرفة قد يُولد الإنسان ولديه الاستعداد والقابلية لِتَشَرُّبِ وتَقَبُّلِ الأفكارِ العدوانيةِ والانتحاريةِ ومِنْ ثَمَّ القيام بسلوك مثل الانتحار، ولا يولد مزوداً به (أي الانتحار)، وإنما يظهر نتيجة لظروف وأسباب عديدة منها أسباب نفسية وتربوية واجتماعية وعقلية (فكرية) وقبل ذلك دينية، فقد يتعرض الإنسان في صغره لظروف وضغوط نفسية واجتماعية وأسرية من أساليب تنشئة خاطئة للأبناء من قبل بعض الأسر غير قائمة على مبادئ تربوية وإسلامية عادلة وإنما قائمة على التسلط والقسوة وكذلك تفريق في المعاملة بين الأبناء، أو أحياناً الغفلة والانشغال والإهمال أو حتى التدليل الزائد للأبناء وضعف الرقابة الداخلية القائمة على التحسس لا التجسس، فهذا أسلوب نبوي قرآني {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ}، وعدم النظر في أحوال هؤلاء الأبناء والنزول إلى مستواهم والحوار معهم والاستماع لهم ولآرائهم ورغباتهم ومطالبهم وحاجاتهم وتصحيحها إن كانت خاطئة مما يجعلهم يقعون تحت ضغط نفسي الأمر الذي يؤدي بهم إلى أن يكونوا نهباً لرفقاء وجلساء السوء (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) الذين - وبصورة غير مباشرة وبأسلوب غير موجه - يقومون باحتوائهم واحتضانهم وتزيين أعمالهم السيئة {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} وتخفيف ضغوطهم النفسية وبطريقة منحرفة وتغذية أفكارهم وعقولهم بالسلوكيات العدوانية والانتحارية التي يلجأون إليها جذباً للأنظار إليهم وهروباً من محيطهم الأسري ومجتمعهم الذي يحطمهم ولا يلقون أو يجدون فيه تشجيعاً وخصوصاً على سلوكياتهم المقبولة مما يدفعهم للقيام بتلك السلوكيات العدوانية والانتحارية حرباً وانتقاماً من ذلك المجتمع، ومن ثم فإن انخراط الابن في مثل تلك التجمعات لرفقاء وجلساء السوء يجعله يتأثر بها وبسلوكياتها ويكتسب السلوك الانتحاري إن كان موجوداً لدى أفرادها، لماذا يتأثر الشاب بهؤلاء الرفاق أكثر مما يتأثر بوالديه أو أسرته؟ لأن هؤلاء الجلساء حققوا - وبدون شعور منهم وبكل تلقائية - الشرط الأساسي لقبول الأفكار والتوجيهات وهو الاستماع والإقناع، وليس الأسلوب التسلطي الإجباري الجاف الذي تنتهجه الأسرة معهم بقبول الأوامر والتوجيهات دون نقاش.
* كذلك البيئة الفاسدة والعدوانية التي يولد الابن فيها ويتشرب عاداتها الفاسدة ويتأثر بأفكارها المنحلة والمنحطة والساقطة، فوجود الشخص ونشأته في بيئة صالحة لا يجعله مهيئاً أو مستعداً للقيام بأي سلوك فاسد أو ومنحرف سواءً كان الانتحار أو غيره، أما وجوده بين والدين أحدهما أو كلاهما فاسد أو عدواني أو لديه أفكار وسلوكيات انتحارية أو وجوده في مجتمع عدواني منحرف يجعل الابن مهيئاً لاكتساب ذلك السلوك الانتحاري، كما يضع أمامه القدوة والنموذج السيئ في اكتساب مثل ذلك السلوك.
* أيضاً الانفتاح العالمي والبث الفضائي المباشر الذي لم يحسن الشباب الاستفادة من قنواته الإصلاحية بل التأثر بقنواته التي غيرت فكر الشباب وجرفهم تيارها، وكذلك أفلام الرعب التي تعرض فيها ويتأثر بها ضعاف العقول من الشباب وتنمي الدوافع العدوانية لديهم ويعمدون إلى تقليد المواقف والسلوكيات الانتحارية التمثيلية التي تظهرها شاشة هذه القنوات الهدامة التي إن رآها الصغير أو ضعيف العقل اكتسبها ومن ثم قام بتجربتها وتطبيقها.
* أحياناً القدوة أو النموذج أو المثل السيئ الذي يُحتذَى كما سبق الإشارة إليه، فإنْ كان الأب عدوانياً أو لديه أفكار أو أفعال انتحارية فماذا عسى الابن أنْ يفعل أو أنْ يكون حاله؟ أغلب الظن أنه سيتأثر به ويقلده، وينطبق ذلك على بقية النماذج كالمعلم أحياناً أو الموظف أو الرئيس أو القائد أياً كان.
* كذلك ضعف شخصية البعض من هؤلاء الأبناء وعدم استقلاليتهم في التفكير، وانجرافهم مع أفكار ومعتقدات الآخرين تجاه الموضوعات أو المواقف أو الأشياء، وعدم تعويدهم من قبل أسرهم على عدم قبول الآراء والأفكار دون تمحيصها، ودون تبصر بعواقبها.
* يُضاف إلى ضعف الشخصية التخلف والقصور العقلي، إذ إن القصور العقلي ونقص الذكاء والتخلف عامل هام وخصوصاً فئات التخلف العقلي ذات الطابع العدواني (لأن هناك مِن المتخلفين عقلياً مَنْ هو مسالم وهناك مَنْ لديه سلوكيات وصفات عدوانية من رفع الصوت والاعتداء على الآخرين )، فمثل هؤلاء لديهم طاقات عدوانية تظهر وتصرف في عدة مسالك ربما يكون السلوك الانتحاري إحدى هذه المسالك.
* كذلك عدم إعانة هؤلاء الأبناء على أخذ حقهم الكامل من التعليم الذي عدم وجوده يشكل كارثة كبرى تعين صاحبها على الوقوع في شراك مثل هذه الأفكار المنحرفة والسلوكيات الانتحارية وعدم القدرة على التعامل معها، إذ إن نقص التعليم يعني نقص المعرفة ونقص المعرفة يعني نقص الوعي والقيام بالسلوكيات أياً كانت سلبية أو إيجابية دون وعي وتبصر بنتائجها وعواقبها أو حتى معرفة هل هي سليمة أم غير سليمة، فنحن نلاحظ أن أكثر مَنْ يرتكبون جرائم الإرهاب في عصرنا الراهن هم من ذوي التعليم المنخفض بل إن بعضهم لم يتلقَ تعليماً قط.
* وقبل وأهم من كل ما ذكرناه سابقاً ضعف الوازع الديني، فوقوع الشاب أو الابن في السلوك الانتحاري هو قبل هذا وذاك بسبب ضعف الوازع الديني الذي يضبط وينظم سلوكيات المسلم ويوجهها ويضع حدوداً للقيام بها، الضعف الذي يكون لدى الأسرة وينعكس على الأبناء وهذا بالطبع ليس مسؤولية الابن أو الشاب في البداية، فهو لم يأخذ حقه من النصح والإرشاد والتربية المستقاة من مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة سواءً في الأسرة التي لم تولِ هذا الجانب اهتماماً أو المدرسة التي لم يتح له فرصة التعلم فيها.
* كذلك نقطة أخيرة فيما يتعلق بأسباب السلوك الانتحاري مرتبطة بضعف الوازع الديني وهي أن عدم وجود الدين يؤدي إلى غياب الهدف في الحياة لدى الابن أو الشاب، ونظراً لعدم معرفة الشاب بالغاية من وجوده في هذه الحياة وغياب الهدف الذي يسعى ويرنو إليه فيها وأن {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} يؤدي به للشعور بالكآبة والحزن وبعدم القيمة لهذه الحياة وعدم وجود ما يشفع له بالبقاء فيها حسب زعمه وفكره الخطير مما يؤدي به بالتالي إلى السلوك الانتحاري وذلك للخلاص من هذا الشعور.
وفيما يتعلق بمسألة هل الانتحاريون مرضى نفسيون..؟ وكيف من الممكن وصف نفسية الشخص الذي سوف يقدم نفسه للموت..؟
فكما أشرت سابقاً العوامل والأسباب النفسية من الممكن أن تساهم في وضع بذور السلوك الانتحاري والتهيئة له (من أسباب أسرية أو تربوية أو اجتماعية ضاغطة على نفسية الشاب)، ولكن الانتحار في الحقيقة هو خلل واضطراب عقلي ينعكس على سلوك ونفسية الشخص وتعامله مع الآخرين، إذ هو في البداية فكر يعتمل في عقل مَنْ يمارسه ويقوم به، فكما قلت آنفاً الانتحار سلوك يكتسبه الشاب ويتأثر ويعتقد ويصدق به بتأثير جلساء السوء ويحتفظ به في عقله ومن ثم يتجلى وينعكس في سلوكه وممارساته، وذلك كما هو حاصل الآن في جرائم الإرهاب، إذ إنه هنا شخصية منقادة وواقعة تحت تأثير أفكار ومعتقدات خطيرة وخاطئة، وهنا يلجأ علماء النفس لعلاج مثل هذه الحالات إلى العلاج العقلاني الذي يتم من خلاله تصحيح المعتقدات والأفكار الخاطئة إزاء موضوعات معينة وإحلال أفكار صائبة وسليمة وسوية ومعقولة محلها، وتغيير فكرة الفرد عن نفسه ونظرته لها وللعالم من حوله.
قضية هامة بالنسبة للسلوك الانتحاري ألا وهي: الحشو الديني المتطرف، مثلاً كما ذكر أحد الشباب المتراجع عن هذا الفكر أنهم يأتون إليه ويذكرون له الحور العين، والجنة..، فهل إثارة الغرائز الجنسية بذكر الحور العين والجنة وغير ذلك يسهل عملية أدلجة الشاب واستعجاله على الفكر ومن ثم السلوك الانتحاري..؟
فالحشو الديني يكون مؤثراً وخطيراً ومؤدياً إلى التأثر وتعلم سلوك الانتحار عندما يكون متطرفاً، وعندما يكون ممن ليس لديه الأهلية والكفاءة والتعليم والفقه الكافي الذي يؤهله لدعوة غيره والتأثير عليه إيجابياً.
وبالرغم من أن فئة من الانتحاريين تنطلي عليهم فكرة الجنة والحور العين وإشباع الرغبة الجنسية لديهم إلا أن هناك فئة من الانتحاريين لا يلجأون للسلوك الانتحاري رغبة فيما قيل لهم عن الجنة والحور العين وإنما لأنهم فقط وجدوا مَنْ يعينهم ويؤيدهم وبأية حال في أفكارهم تلك على هذا السلوك الانتحاري الذي يفكرون فيه وتتأثر به عقولهم وربما يجدون فيه خلاصاً من مشاكلهم وحالاتهم وتوتراتهم النفسية، وهنا أقول إنه فكر، بمعنى أن الأسباب المهيأة للسلوك الانتحاري قد تكون أسباباً نفسيةً والسلوك نفسه المنعكس عن هذه الأسباب بسبب التأثر بأفكار منحرفة هو بدافع فكري ونتيجة اضطراب عقلي، وذلك لأن العقل والفكر هو الموجه والقائد للسلوك في هذه الحالة، فالتأثر خارجي وأما الأفكار الدافعة والمحرضة فهي عقلية داخلية.
وأريد أن أنوه هنا إلى عامل خطير هنا يتداخل ويتقاطع مع الدين (أو ضعف الوازع الديني) وهو الوسواس، فالشيطان يكون نشيطاً يوسوس له ويحثه ويدفعه في مثل هذه الحالة التي يكون فيها الإنسان أو الشاب بعيداً عن دينه وربه ثم بعد أن يوقعه في ذلك يتبرأ منه {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ} {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ}

* ماجستير في علم النفس الإرشادي (العيادي)
جامعة الملك سعود بالرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved