الحلقة الأولى
الربع الخالي التاريخي ... الواقع ... الأمل
أسرار الربع الخالي تحت عدسة علماء المملكة وأوروبا
الآثار تتحدث عن حضارة عاشتها الصحراء ضاربة بجذورها في عمق التاريخ

متابعة - يوسف بن محمد العتيق:
لم تكن رحلة الفريق العلمي الاستكشافي إلى صحراء الربع الخالي رحلة عادية؛ فقد كانت استثنائية بكل المقاييس؛ فهي الأولى من نوعها، والأولى في حجم الفريق العلمي والطاقم المرافق له سواء كان الأسطول البري أو المساندة الجوية أو السائقين وموفري الخدمات.هذه الرحلة التي نظمتها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية (مكتب جدة) وبموافقة من المقام السامي حققت أهدافها المرجوة، فكانت هناك اكتشافات مهمة تتعلق بالمياه الموجودة في الربع الخالي وأنواعها وكيفية الاستفادة منها، وهناك دراسات مهمة عن نباتات الربع الخالي من جوانب عدة لا سيما استثمارها في وقف التصحر؛ كونها الأقدر على إيقاف زحف الرمال المتحركة, وهناك اكتشافات مهمة في الآثار القديمة لا سيما الربع الخالي قبل التاريخ، وهناك أكثر من دراسة عن طرق القوافل القديمة التي لها حضور في الربع الخالي.يسعدنا في صحيفة الجزيرة أن نقدم للقراء الكرام خلاصة ما قدمه الرحالة في هذه الرحلة وما قدمته الرحلة لهم.
موعد الرحلة
كانت مدة الرحلة الحقلية 13 يوماً بدأت يوم الأحد الموافق 26- 2 - 2006موانتهت في يوم الجمعة 10- 3 - 2006م، وتم في شرق مركز حرض حفل التوديع الذي حضره معالي رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية الدكتور محمد أسعد توفيق، والفريق العلمي.
الشارخ : حضارة قبل الميلاد
وقد تحدث الدكتور عبدالله بن محمد الشارخ أستاذ الآثار المشارك في جامعة الملك سعود عن هذه الرحلة من وجهة نظر علماء الآثار حيث أبان أنه ل(الجزيرة) تم اكتشاف أعداد من المواقع الأثرية في أجزاء متفرقة من منطقة الربع الخالي خلال هذه الرحلة الاستكشافية، وقد تمثلت أبرز بقاياها الأثرية بوجود أنواع مختلفة من الأدوات الحجرية التي صنعها الانسان خلال فترات ما قبل التاريخ، والتي تعود إلى عصور متباينة يتراوح مداها الزمني ما بين 30 - 70 ألف سنة مضت تقريباً. لقد أثبت وجود هذه البقايا الأثرية التي أُكتشفت في كل من منطقتي السحمة والخيران أن الربع الخالي لم يكن منطقة خالية من الموارد المعيشية النباتية والحيوانية التي تُساند وجود الجماعات البشرية، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث دل العثور على ترسبات طينية لقيعان البحيرات العذبة القديمة الملائمة للظروف المناخية لعيش الانسان والنبات والحيوان. وقد عثر على عشرات البحيرات الجافة في أنحاء متعددة من الربع الخالي التي تؤكد جودة الظروف المناخية التي سادت في فترات ماضية. ويشير وجود العديد من مواقع الأدوات الحجرية التي استخدمت فيها أحجار الصوان لصناعة الأسلحة والأدوات الحجرية إلى وجود كثافة سكانية ملموسة؛ ما يعني وجود المزيد من المواقع التي تنتظر من يكتشفها، ما لم تحجبها الكثبان الرملية.
أدوات حجرية جنوب يبرين
ويضيف الدكتور الشارخ أنه وجدت إلى الجنوب من مدينة يبرين مجموعات من الأدوات الحجرية المصنوعة من أحجار الصوان، متناثرة بجوار العشرات من المنشآت الحجرية، التي لها أشكال دائرية أو طولية أو عبارة عن أكوام من الحجارة. وقد تميزت هذه المنشآت بتنوع أحجامها وتعدد أشكالها، وغالباً ما يرتبط موقعها بالأماكن المرتفعة كالتلال أو على حواف الأودية الكبيرة. ويرجع عمر أقدم هذه المواقع الأثرية إلى فترة ما قبل التاريخ حتى فترة متأخرة، التي سبق لوكالة الآثار والمتاحف بوزارة التربية والتعليم أن قامت بتسجيلها وتوثيقها.
المظبي في الربع الخالي
قبل التاريخ!!
وفي مسحه الميداني لهذه المناطق وجد الدكتور الشارخ بعض المظاهر المرتبطة بطريقة المعيشة هناك في فترة ما قبل التاريخ.. ومما وقف عليه بعض الطرق التي كانت تستخدم لإعداد الأطعمة، ودلت عليها الآثار الموجودة في الربع الخالي، حيث قال: وجدت بعض التقاليد المرتبطة بنمط عيش أهالي منطقة الربع الخالي، في منطقة ذعبلوتن، التي ترجع أصولها إلى عصور ما قبل التاريخ، بحسب نتائج الأعمال الميدانية التي قمت بها في موقع الثمامة الأثري شمال مدينة الرياض. ومن هذه التقاليد إعداد موقد حجري يعرف باسم المظباة، وهو عبارة عن مجموعات من الأحجار الصغيرة التي ترص بجوار بعضها البعض وتشعل فوقها الأخشاب، ثم تغطى بصف ثانٍ من الأحجار التي يستفاد من سخونة سطحها في شي اللحوم؛ وتعرف هذه الطريقة في بعض مناطق المملكة الأخرى باسم (المظبي) كناية على طريقة إعداد اللحم.
كما لوحظ أن العوامل المُناخية الحالية التي بدا دورها واضحاً في التأثير على التوزيع السكاني لأهالي البادية وتحديد أماكن اقامتهم في بعض أجزاء الربع الخالي، كان لها أيضاً نفس التأثير على نمط انتشار الجماعات البشرية في عصور ما قبل التاريخ، وجعلهم مرتبطين دوماً بأماكن وجود المصادر المائية كالبحيرات والبرك الموسمية.
الملك فيصل والملك عبدالله أرفع مسؤولين سعوديين زارا الربع الخالي
وكان الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - قد قام في شباط (فبراير) 1951م عندما كان وزيرا للخارجية بزيارة لمنطقة الحديدة بالربع الخالي، حيث اطلع على عينات من النيزك الذي ضرب تلك المنطقة، وبدا الملك فيصل في الصورة التي توثق هذه الزيارة يتفحص القطعة وإلى جواره اثنان من مسؤولي أرامكو.
وقد أشار إلى هذه الزيارة مؤلف (السجل الوثائقي المصور لصناعة النفط في المملكة العربية السعودية)، الجزء الأول ص 231
كما زار الربع الخالي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - عندما كان وليا للعهد، وكان ذلك يوم الأربعاء 22 - 11 - 1419هـ الموافق 11 - 3 - 1999م، وكانت مناسبة الزيارة تدشين حقل الشيبة النفطي وحطت الطائرة المقلة له في مطار الشيبة بالربع الخالي.
توماس وابن خميس يتحدثان
كما زار الربع الخالي الكثير من الرحالة الأجانب والعرب ومحبي الصحراء وبأهداف مختلفة، لكن تبقى أشهر هذه الرحلات هي التي وثقها أصحابها بكتاب مستقل أو أن لها مزية خاصة.
ومن هؤلاء الرحالة الذين وثقوا للأجيال تاريخ صحراء الربع الخالي:
(1) برترام توماس (ت 1950م)، وهو مستشرق بريطاني، وتكمن أهمية رحلته في كونه أول من قطع صحراء الربع الخالي في العام 1930 - 1931 م الموافق 1349هـ.
(2) عبدالله فلبي (1885م - 1960م). ورحلته من أشهر الرحلات، وقام بها في العام التالي لرحلة توماس، وقد امتازت هذه الرحلة بالتوثيق والاهتمام بالجزئيات لا سيما رصد الأسماء ومظاهر الحياة الاجتماعية في الربع الخالي، وقامت على نشر هذه الرحلة مكتبة العبيكان السعودية في العام 2001م، وهي تقع في قرابة الـ(700 ص) ومزودة بخرائط وصور للربع الخالي تعد من أهم الوثائق المرتبطة بهذا الموضوع.
(3) ويلفرد ثيسجر الملقب بمبارك بن لندن. وقد لقبه بهذا اللقب أبناء منطقة الربع الخالي. زار الربع الخالي مرتين بين العامين (1945 م - 1950 م)
ورحلته هذه مطبوعة ومتداولة تحت عنوان (الرمال العربية) وامتازت رحلة ثيسجر بروح المغامرة.
جدير بالذكر أن ثيسجر من مواليد العام 1910م وتوفي مؤخرا في شهر أغسطس من العام 2003م.
(4) رفيق النتشة
وممن زار الربع الخالي وكتب كتاباً خاصاً يوثق الزيارة السياسي الفلسطيني رفيق شاكر النتشة.
(5) الشيخ عبدالله بن خميس
ومن آخر من وثق زيارته للربع الخالي الشيخ عبدالله بن خميس، حيث شرع في زيارة الربع الخالي في رحلة انطلقت من مدينة الرياض صباح يوم الأربعاء (21 - 7 - 1416هـ الموافق 13 - 12 - 1995م) وبرفقته (28 شخصا) ما بين مرافقين وباحثين وأدلاء، وقد نشرت هذه الرحلة في كتاب مستقل بعنوان (رمال الجزيرة العربية)، الجزء الأول الربع الخالي في (244 ص)، وشارك ابن خميس في تأليف هذا الكتاب ابنه طارق بن عبدالله بن خميس.