Tuesday 18th April,200612255العددالثلاثاء 20 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"تحقيقات"

كيف نجعلها طبيعية لا مدمرة؟ كيف نجعلها طبيعية لا مدمرة؟
الغيرة عندما تصبح مرضاً وتهدد بانقطاع أهم العلاقات

* تحقيق - إيمان البحطيطي :
الغوص والانشغال في شتى مجالات الحياة جعلنا نغمض أعيننا عمداً أو سهواً عن بعض السلوكيات التي نتج عنها انقطاع أواصر المحبة في بعض العلاقات المهنية أو الاجتماعية كالعلاقة بين الزوجين أو الأصدقاء أو الإخوة من تلك السلوكيات؛ الغيرة بكل أشكالها وألوانها وتداعياتها وللبحث عن حلول وأجوبة لعدد من الأمور المتعلقة بالغيرة كان هذا التحقيق..
تتفاوت نظرة المجتمع لمن يشعر بالغيرة هل هو شخص مريض أم طبيعي؟ ولبيان الفرق بين الغيرة الطبيعية والمرضية وضعنا استفساراتنا أمام الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الأطرم استشاري ورئيس قسم الطب النفسي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فقال: إنه لبيان الفرق بينهما لا بد أن نعرف الغيرة وماهيتها، فالغيرة بفتح الغين مصدر غار يغار غيرة، وبكسر الغين الميرة والنفع، وقال عياض: بفتح الغين مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص أو كراهة مشاركة الغير في حقه وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين، والمغيار: الشديد الغيرة وهي الحمية والأنفة والغيرة من الأخلاق الإنسانية التي فطر الله الناس عليها ومن حُرم الغيرة حرم طهر الحياة.
فالغيور يكره مشاركة غيره فيما به الاختصاص، والغيور يخاف أن يحتل غيره مكانه والغيرة أحد المشاعر الطبيعية عند الإنسان كالحب والألم والغضب وغيرها.
ولذا لا تعد مرضاً وليست انحرافاً نفسياً ما دامت لم تخرج عن وضعها الطبيعي.
أما سؤالنا عن الحد الطبيعي للغيرة أبان د. الأطرم أنه ليس من السهولة أن تحدد السلوك الطبيعي والتفكير البشري لدى الإنسان، ولكن يعد الإنسان طبيعياً سلوكاً وفكراً وشعوراً ما لم تكن لديه حالة مرضية يتعرف عليها الأطباء أو من لديه معرفة ودراية بسلوك وتفكير وشعور الإنسان وإذا أثر هذا السلوك أو التفكير أو الشعور سلباً على حياة الشخص سواء الاجتماعية أو المهنية أو الوظيفية، فإذا كان كذلك فنستطيع أن نقول إن هذا الشخص لديه تغير مرضي سواء غيرة أو ألم أو غضب أو حب وغيره من المشاعر أو السلوكيات.
وهذا مفهوم عام حتى يمكن تطبيقه على جميع المشاعر وبخاصة الغيرة التي نحن في صدد الحديث عنها ولا شك أن هناك اختلافاً في مجال الغيرة الطبيعية من شخص إلى آخر وبكل ذلك ما لم يؤثر سلباً على حياة الشخص.
وعن السبب الرئيس للغيرة والمشاعر المرتبطة بهذا الإحساس وهل يعد شعوراً سيئاً، أردف د. عبدالرحمن قائلاً: الغيرة تنتج عن رسالة دفاعية داخل الإنسان تقول له إن سلامتك تعتمد بشكل كبير على حب واهتمام شخص آخر كان صديقاً أو زميلاً أو زوجاً أو قريباً، ويبدو أن علاقتك بهذا الشخص مهددة ويرتبط بهذا الإحساس شعور بالقلق والتوتر والغضب نحو الخارج لو بقيت تلك الغيرة سراً، وكذلك الحسد ولكن الغيرة ليست سيئة وليست عاطفة شريرة من حيث الجوهر؛ فهي استجابة طبيعية لحماية الذات، فإذا كانت بشكل غير مؤذٍ وغير مؤثر سلباً على الحياة تجعل الحب والعلاقة والصداقة والزمالة أكثر قوة وإثارة.
وحول أنواع وأقسام الغيرة وما هي الغيرة المرضية التي تحتاج لتدخل طبي أجاب: الغيرة أقسام منها ما هو طبيعي ومنها ما هو مرضي ومنها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم.
وفي الحديث الذي حسنه الألباني في الارواء أن من الغيرة ما يحب الله، ومن الغيرة ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله؛ الغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض الله الغيرة في غير ريبة، ومثال على الغيرة المحمودة: الغيرة إذا انتهكت محارم الله، والغيرة على العرض.
وأما الغيرة المذمومة هي الإفراط والزيادة بها لدرجة التجسس والاتهام ونحو ذلك من غير تصرف يوجب الشك.
غيرة المرأة على زوجها
وهناك غيرة لا توصف بمدح أو ذم، وهي التي يكون سببها طبيعياً لا يؤدي لأمر يحبه الله ولا يبغضه الله كغيرة المرأة على زوجها الغيرة المعتدلة التي لم تنتج عنها آثار ضارة بالغير، ولم ترتكب فيها محرماً، وقد تكون الغيرة في غير موضعها كغيرة الشاب من زميله كونه أجمل وأوسم منه.
وعن استفسارنا حول الأمراض التي تسبب الغيرة المرضية أفادنا د. عبدالرحمن الأطرم أن الغيرة المرضية تحدث نتيجة بعض الأمراض؛ ومن هذه الأمراض مرض الوهم وعادة ما يكون متعلقاً بالغيرة الزوجية المرضية وفيه يعتقد أحد الزوجين أن الآخر يخونه ولا يمكن أن يزول أو يتزحزح هذا الاعتقاد بإقناع ولا ينصح، ما يؤدي إلى فشل الحياة الزوجية والأسرية ويصاب أفرادها بالقلق والتوتر والاكتئاب وعادة ما يحتاج هذا العلاج إلى دواء من مضادات الذهان حسب ما يراه الطبيب.
- وهناك مرض الفصام بما يسمى (schizaphrenia) ومن أعراضه وهم الغيرة وأوهام كثيرة وهو أكثر انتشاراً من مرض الوهم نفسه ولكن لوجود أعراض كثيرة تدل عليه كالهلوسة والتخيلات واضطراب السلوك والتصرفات وغيرها، فإن من الأسهل تشخيصه مقارنة بمرض الوهم.
- أما الشخصية الشكاكة وهو اضطراب في شخصية الفرد يصاب به بالشك في من حوله من الناس سواء أصدقاء أو زملاء أو أهلاً أو زوجة أو قريباً أو بعيداً، ويكون في الرجال أكثر انتشاراً وإصابة وهنا نجد من الصعوبة بمكان علاج هذا الاضطراب في الشخصية.
- وغيرة ناتجة عن بعض العقاقير والمخدرات والمنبهات وعادة ما تزول بالتوقف عن هذه المواد بشرط ألا يكون قد استغرق وقتاً طويلاً باستخدامها.
الغيرة للنساء أم للرجال؟
يتساءل الكثيرون عن الغيرة هل هي مقصورة على النساء أم الرجال؟ يجيب د. الأطرم: الغيرة ليست محصورة في النساء فقط، فالرجل يغار والشاب يغار والطفل يغار حتى الحيوان يغار؛ فالصديق يغار من صديقه وكذلك الفتاة تغار من صديقتها فإذا رأتها تسير مع غيرها أو تخرج مع غيرها أو صاحبت غيرها تضايقت وتذمرت وضاق صدرها وغضبت وثارت ثائرتها فهي لا تريد منها أن تسير إلا معها ولا تضحك إلا معها ولا تخرج إلا معها وهذا دليل على التعلق بهذا الشخص المغار عليه.
غيرة الأطفال
وأردف د. عبدالرحمن قائلاً: وكذلك غيرة الطفل من إخوانه وأخواته، وتبدأ الغيرة عند الطفل من السنة الثانية ولا سيما مع قدوم مولود جديد، فيبدأ يعبر الطفل الغائر عن غيرته بضرب المولود الجديد ودفعه عن حضن أمه وربما الاحتجاج على وجوده بينهم كقوله: أرجعيه لا نريده، ثم يتطور الأمر إلى إحداث ضجة بالبيت ولفت الأنظار إليه ولربما اظهر تسامحاً مع المولود وحبه ولكن في باطنه أشياء، وقد يعبر عن غيرته بالصمت وقد يعود للتبول اللاإرادي أو مص الإصبع أو التأتأة في الكلام كأنه يعيد نفسه للماضي ليقلد الصغير الذي حاز على الاهتمام، فإذا كان الطفل الغائر أكبر سناً من الثاني فيعبر عن الغيرة بالشجار والاستهزاء والسخرية والوشاية به وإذا لم تجد هذه الوسائل ربما لجأ إلى وسيلة الاستعطاف والتمارض ورفض الكلام أو بعض الأعراض الجسمية كالغثيان والصداع وفقدان الوزن وربما يصل لدرجة الاكتئاب وقد يتطور الأمر للشعور بالظلم فينعزل عن الآخرين.
الغيرة عند المرأة
وأجاب د. الأطرم عن غيره المرأة، ما هو سببها؟ قائلاً: إن لها عاطفة جياشة تطغى أحياناً على عقلها بحيث تتصرف بما تمليه عليها عواطفها لا عقلها وهذا من حكمة الله تعالى وإلا لما تحملت الحمل والرضاعة والزوج والأولاد.. والمرأة تغار سواء كانت زوجة أو أماً أو أختاً، فالأخت التي تغار من زوجة أخيها فهي تشعر أن زوجة الأخ أخذت أخاها بالكامل، وانصرف عن الأهل جميعاً، فتبدأ عمليات النصح والاتهامات والاستفزازات وإثارة المشكلات وما ينطبق على الأخت ينطبق في الغيرة على باقي الأسرة من الطرفين، فقد يتطلب ذلك من الشاب أن يطلِّق زوجته دون أسباب لذلك، والزوجة تغار على زوجها بل ربما من أهله؛ أمه وأخواته، فتستخدم كل الأساليب التي لديها من إثارات معينة للزوج وعتاب واتهامات واستفزاز واستعطاف وغيرها بل ربما شوهت سمعة أهله بسبب الغيرة.
وحول استفسارانا عن تحول الأصدقاء من لطفاء ومجاملين إلى أصدقاء تحكمهم الغيرة (غيرة خفية عكس ما يظهرون) أجابنا د. عبدالرحمن: عندما يعتقد هذا الصديق أو الصديقة أن اهتمام وحب الطرف الآخر سيفقد وأن العلاقة مهددة تحدث الغيرة، وأحياناً يكون هذا التقلب من سمات شخصية الصديق، فيجامل الصديق ويخفي شعور الغيرة وهذا ما يصنع المشكلات.
التقليد الأعمى
أما عن التقليد الأعمى والمستمر بين الأصدقاء هل يعد غيرة؟ أفادنا د. عبدالرحمن الأطرم أن الصحبة من أهم العوامل التي تساعد في نمو الفرد نفسياً كان أم اجتماعياً من خلال تأثيرها المباشر في عاداته وسلوكياته وكل إنسان بحاجة إلى من هم في عمره يقيم علاقة صداقة، إذ تتشابه الميول، والتقليد بين بعضهم قد لا يعد غيره لأنه من الأمر المعروف بالصحبة يتم التقليد وكل قرين بالمقارن يقتدي، ولا تعد غيرة إلا إذا كان هذا السلوك ينتج عن خوف خطر مهدد للعلاقة بينهما.
عادات مؤذية
أما عن العادات المؤذية المصاحبة للغيرة أفاد د. الأطرم أن هناك عادات مؤذية تصاحب الغيرة، وتجعل الطرف الآخر ينفر من صديقه ويولد الكره بينهما ومنها:
تدمير العلاقة باستمرار البحث والاختبار للتأكد من الحب، والقيام بأعمال لإثارة غيرة الشخص الآخر لمعرفة مدى اعتماده عليه أو خداع نفسه أنه يمكن العيش من دونه.
نصالح لغيرة طبيعية لا مدمرة
وحول سؤالنا عن كيفية جعل غيرتنا غيره طبيعية لا مدمرة بين الأصدقاء أو الأزواج والزوجات وغيرها أفادنا د. عبدالرحمن أن هناك عدة نصائح؛ منها: تخصيص وقت منتظم لتقييم العلاقة بينهما وعليه أن يستمتع بكونه داخل العلاقة دون تحليل الاعتراف بالعادات التي تبعث الخجل وعدم المواجهة كالتجسس وعمل الاختيارات، وضع خطة طوارئ لو حصل للعلاقة شيء أو تخلى شخص عن الآخر، احرص على الشفاء العاجل، استمتع بمهارات صنع العلاقات الجديدة وتكوين الصداقات لا تحط من شأنك، التعرف على الأسباب وعلاجها،
إشعار الفرد طفلاً كان أم مراهقاً بقيمته وذاته بين الأسرة والزملاء والأصدقاء والتعويد على المشاركة في حب الآخرين واحترامهم وتقديرهم، التعود على المنافسة الشريفة وزرع الثقة في نفوس الأبناء وتقليل الشعور بالنقص، إقامة العلاقة القائمة على أساس العدل والمساواة دون تمييز، تقبل النجاح والهزيمة لتحقيق النجاح، عدم إظهار القلق الزائد لمشاعر الغيرة بالنسبة إلى الأبناء وعدم إغفال من لا يشعر بالغيرة، توفير ميزة العاطفة والاهتمام بالطفل خصوصاً بعد مولود جديد، ولا تقارن بين الأبناء فتزرع في نفوسهم الغيرة.
وأكد على تنمية الهوايات بين الإخوة والأخوات فكل يتفوق في مجاله.
وأخيراً المساواة في المعاملة بين الأبناء.
وعن التماس الأعذار بين الأصدقاء يعد حلاً للحد من الغيرة.. أفادنا د. الأطرم: نعم حسن الظن وقتل الشكوك المثيرة للغيرة والفهم الصحيح والنظرة الإيجابية والمواجهة كفيلة بمحو أثر الغيرة.
آراء من المجتمع
وعن وجود الغيرة في حياتنا تحدثت الأستاذة فدوى عبدالرحمن موضحةً أن الغيرة نراها في كل شيء من حولنا؛ فهي موجودة بين الأطفال وبين الزميلات في العمل وبين الأخوات وبين الزوج وزوجته والغيرة على الوطن والمحارم.. فهي موجودة بشكل ملحوظ وهي دليل على المحبة، وهي أمر ضروري إذا كانت بالشكل المعقول.
والغيرة تدفع للتنافس وهو أمر محمود، أما الغيرة غير المحمودة فهي التي توصل وتؤدي إلى كثير من المشكلات في تلك العلاقات.
أما أم منى التي كانت موظفة في أحد المستشفيات قالت حول الغيرة: إن الغيرة تسببت لها في ترك وظيفتها بعد أن عانت من المكائد والدسائس التي كانت توجه إليها حتى تعبت وكرهت الوظيفة، وتعتبر أن الغيرة إذا زادت عن الحد تكون مدمرة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved