Friday 21st April,200612258العددالجمعة 23 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"أفاق اسلامية"

المسابقات القرآنية وأثرها في تحفيز الناشئة المسابقات القرآنية وأثرها في تحفيز الناشئة
أ. د. محمد سالم بن شديد العوفي (*)

يعيش ناشئتنا في زمن له خصائصه وسماتُه، فهذه وسائل الإعلام والاتصالات تُقرب البعيد، وتجعل العالم مفتوحاً أمامهم، فينغمسون في صوارف لم تكن في تقدير الآباء والمربيّن، وتجدهم - إن لم يُتدارك أمرهم - في بيئة تُسهم في إنشائهم على غير ما نريد.
إن هذه التيارات الوافدة التي يعجُ بها عصرنا تملك من طاقة التأثير ما يجعلها تستهوي الكثيرين لمتابعتها، والإصغاء إليها، وهذا يؤدي الى زعزعة الثقة بديننا، وإن أمتنا إذا جعلت أفرادها يتفلتون من التمسك بالثوابت المعهودة سوف تكون عرضة للانسياب والتميع.
ولا يخفى على أحد ما للمؤسسات التربوية من أثر كبير في احتضان هؤلاء الناشئة، وتوجيههم الى الخير الذي ينفعهم في دنياهم وآخرتهم.
وتأتي المسابقة القرآنية لتكون محضنا يشع بالفوائد العلمية والتربوية التي تزود الناشئ بما يصقل شخصيته وعقله، وتمنحه ضروبا من التكيف والتفاعل مع مجتمعه.
لقد حرص الولاة والأمراء والمربون عبر تاريخنا الاسلامي على مبدأ إشاعة روح التنافس بين الافراد الذين يلونهم بالتربية والتوجيه والتعليم، وكان القرآن الكريم مظهرا من هذه المظاهر المتألقة، وكان السلف لا يقدمون على القرآن الكريم شيئاً، ولا يرضون لطالب العلم أن يخطو في طلب العلوم إلا بعد ان يحفظ القرآن الكريم. قال الوليد بن مسلم: كنا إذا جالسنا الاوزاعي، فرأى فينا حدثا قال: يا غلام، قرأت القرآن؟ فإن قال: نعم، اقرأ (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ) (11) سورة النساء. وإن قال: لا، قال: (اذهب تعلم القرآن قبل ان تطلب العلم) (الجامع الأخلاق الراوي للخطيب: 1-160).
وأمة الإسلام قد شرفت بهذا الكتاب العزيز، فما أحسن أن تتعاقب الأجيال على تدبره وحفظه. وقد وقف الحافظ ابن كثير على ما يفيده قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (110) سورة آل عمران. فقال: وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتابٍ أنزله، وجعله مهيمناً عليه، وناسخاً له، وخاتماً له (فضائل القرآن: 87).
وقد تكفل الله عز وجل بحفظ كتابه العزيز، وذلك بخلاف الكتب السماوية الأخرى التي أصابها التحريف والتبديل (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ) (21 - 22) سورة البروج، وقال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) سورة الحجر. وهذا الحفظ الذي أراده سبحانه يستلزم حفظ حروفه وكلماته بنصوصها المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونُقل إلينا بطريق التواتر القطعي. وقد تحدث الإمام القرطبي عن قوله تعالى: ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) (17) سورة القمر. فقال: سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه، فيعان عليه (تفسير القرطبي 17- 134). وقد ثبت أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يفاضل بين أصحابه في حفظ القرآن، ويقول: وليؤمكم أكثركم قرآناً (البخاري برقم 4302) وإذا اجتمع شهداء الصحابة قدم في اللحد أكثرهم قرآنا (البخاري برقم 1347).
وما من ريب أن المسابقات القرآنية تمنح المشتركين فيها فوائد جمة، منها: أنها تثير الملكات الكامنة، فكم من ناشئ تبين لأبيه أو أستاذه ان لديه طاقة عالية في استيعاب الحفظ، ويمكن توجيهه لحفظ المتون العلمية المتعددة وبذلك يكون تفوقه في المسابقات القرآنية دليلا ساطعا على امكان تنمية مداركه وترقيتها.
ومن فوائدها كذلك: أنها تشجع الناشئ على لقاء الآخرين من زملائه واساتذته، فتحقق له تكيفا صحيحا، وتزيل حواجز التفاعل مع الآخرين، واتقان أدبياتها، واذا اضيف إلى برامج هذه المسابقات شيء من التفسير تضاعفت الفائدة المرجوة، وتحقق للمشترك علم ينفع، وذلك لأن الحافظ قد يسأل عن معاني الآيات التي يتلوها، فتكون له سانحة طيبة للخروج من هذه المسابقات بالحفظ والتفسير، هذا بالإضافة إلى أن هذا التنافس والرغبة في التفوق وتحصيل المزيد، كل أولئك مدعاة الى الجودة والاتقان، وما من ناشئ حفظ ثم نسي، وقصر في المراجعة فافتقد ما كان يحوزه، وفي الحديث: تعاهدوا هذا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها (مسلم برقم 791).
ومن فوائد هذه المسابقات المباركة أنها تمنح المشتركين فيها علما يلزم تعلمه، وهو علم التجويد الذي هو أداء التلاوة، ولا يقبل منظمو المسابقات عادة متسابقا أغفل قواعد هذا العلم، وفي ذلك دافع له ليرتبط بشيخ يساعده على كسبه، ولا يخفى على أحد أن الثمرة الذي يجنيها المجتمع من توافر العدد الكبير من الناشئة الذين يتخرجون في هذا المضمار، فهم غالبا ممن نشأ في طاعة الله، لأن القرآن الكريم قد أدبهم وهذبهم، وجعلهم يخافونه سبحانه، ويبتغون رضوانه، والمفترض في الحافظ أن يكون قد تلقى القرآن الكريم قلبا ولسانا، وظاهرا وباطنا، وصلحت نيته لله عز وجل وفي الحديث: عندما سئلت السيدة عائشة عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجابته: (كان خُلقه القرآن) (رواه أحمد برقم 24601) وحافظ القرآن أولى الناس بهذا الفضل.
وحبذا أن تقترن هذه المعاني بالإخلاص لله تعالى، وتربية الناشئة على الصلة به، واستيعاب ما أعده سبحانه للحافظ والتالي، ومن يكون لديه رغبة صادقة في معايشة هذا التوجه الكريم في شؤون الحياة.
وجزى الله خيراً سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي ما فتئ يحرص على ما فيه خير لناشئتنا، وقد وجه - حفظه الله - الى تنظيم فعاليات هذه المسابقة في دورتها الثامنة، تقديراً للأثر البالغ الذي تتركه في صفوف الفتيان الذين ينتظمون في دروبها.
اسأل الله عز وجل لبلادنا السؤدد والتوفيق، ولناشئتنا الحفظ والصون، وحفظ لنا ولاة أمورنا، والحمد لله رب العالمين.

(*) الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved