Saturday 3rd June,200612301العددالسبت 7 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

منظمة التجارة.. ومعهد الإدارة.. و(اللغة العربية) منظمة التجارة.. ومعهد الإدارة.. و(اللغة العربية)
عبد الرحمن بن محمد الأنصاري

مهما قِيل عن منظمة التجارة العالمية وانضمام من ينضم إليها من الدول، ومهما قِيل ونُظم من لقاء تلو آخر حول المنظمة وأهدافها، إلا أنه تظل هنالك أمور وألغاز تتعلَّق بالمنظمة، يبدو أنّ فهمها وإدراكها لا يمكنه أن يتأتّى من خلال القول المجرد، بل إنّ التطبيق العملي هو السبيل الأمثل والوحيد، لشرح أو فهم ما كان ألغازاً من أحوال تلك المنظمة، التي لا يزال الكثير من أهدافها ومراميها طيّ الكتمان، مع ضجيج الحديث عنها.. فهنالك أمورٌ لها صلة بتاريخ وثقافات الأمم والشعوب، وتلك الأمور هي من التجذُّر والتغلغل في أعماق النفوس، بحيث إنه لا يمكن بحال من الأحوال، تصوُّر إزالتها وطمسها من خلال رغبة أو إرادة أو قولٍ.. إذاً فإنّه لا سبيل لتطبيق أو فهم ما توجبه منظمة التجارة العالمية من مطالب واشتراطات، إلاّ سبيل التطبيق العملي، الذي هو أبلغ وأصدق من القول المجرد.
وبالأمس القريب قرأنا جميعاً ما نشرته وسائل الإعلام عن خروج الرئيس الفرنسي وعدد من وزرائه من أحد اللقاءات الدولية التي نُظِّمت في العاصمة الفرنسية باريس محتجين وغاضبين، لأنّ الوزير الفرنسي المعنيّ بتنظيم ذلك اللقاء، افتتحه باللغة الإنجليزية وليس الفرنسية، وبمبررات يمكن فهمها وهي: أنّ معظم الحضور إنما يتحدثون الإنجليزية وليس الفرنسية.. لكن ذلك منطق غير مقبول جملةً وتفصيلاً، لدى من يرى أنّ التحدُّث بلغة غير لغته وفي بلده طعن لكرامة أمته، وحطّ من سيادتها على أرضها..!
وما كان سبباً حقيقياً لكتابة هذا الموضوع، إنما هو تفاعلٌ مع ما حدث في عاصمة بلادنا الحبيبة الرياض، الثلاثاء الماضي: (3 -5-1427هـ).. وفي صرح من صروحنا العلمية والمعرفية والحضارية التي نعتز بها جميعاً، وهو: (معهد الإدارة العامة).. فقد نظَّم المعهد في ذلك اليوم لقاءً عن أثر انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية، بهدف التّعرف على التجارب الدولية الناجحة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية للاستفادة منها وتحديد إستراتيجية القطاعين الحكومي والأهلي ذات العلاقة بانضمام المملكة إلى المنظمة وتعزيز الوعي حول طبيعة متطلبات منظمة التجارة العالمية وانعكاساتها على القطاعين الحكومي والأهلي..
ومما لا جدال فيه أنّ تنظيم لقاء على المستوى المعهود لمعهد الإدارة العامة ومخصص لتناول تلك الجوانب حول المنظمة الدولية وظروف وملابسات انضمام المملكة العربية السعودية لها، وما سبق ذلك الانضمام من جهود مضنية ومفاوضات عسيرة وشاقة، لا شك أنّ لقاءً بمثل ذلك المستوى لهو أمرٌ له أهميته ومغزاه وحوافزه التي تدعو لحضوره والمشاركة.
ولكن الغريب والعجيب (وكل المترادفات الأخرى التي تندرج في سياق التعجب وعلامات الاستفهام): في أنّ ذلك اللقاء الذي شهد حضوراً مميزاً من قِبل الطبقة المثقفة ووجوه المجتمع (ذكوراً وإناثاً) وحضوره.. والمشاركون والمتحدثون كلهم سعوديون، ما عدا اثنين من العاملين في منظمة التجارة العالمية، وليس لهما ثالث.. ومع ذلك كله: فإنّ اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للقاء بما في ذلك المشاركات والمداخلات التي هي من سعوديين وسعوديات...! وقد طلبتُ مداخلة سألتُ في مستهلها: إذا كان من المسموح إلقاء مداخلتي باللغة العربية..؟.... وغريب كل الغرابة تلك الضرورة التي تُلجئ مواطناً سعودياً في عاصمة بلاده وفي صرح من صروحها المعرفية، أن يكون في وضع يحتاج فيه إلى الاستئذان ليكون حديثه باللغة الرسمية لبلاده وفي جمع تسعة وتسعين وتسعة من عشرة بالمائة من حضوره هم كلهم مواطنون سعوديون أو عرب لغة الضاد هي لغتهم!..
وبعد أن أُذن لي بالحديث بالعربية، أبديتُ استنكاري من أن تكون اللغة العربية في مهدها وعاصمتها، لغة ثانوية، تتم ترجمة ما يدور في اللقاء إليها، وليس عنها.. وتساءلتُ قائلاً: لو كان مثل هذا اللقاء قد عُقد في فرنسا أو ألمانيا، أكانت لغته الرسمية، ستكون لغة غير الفرنسية في فرنسا، أو غير اللغة الألمانية في ألمانيا؟!
مدير اللقاء الدكتور محمد بن سليمان الجاسر.. ابتسم وأجاب عن استئذاني للحديث باللغة العربية وما عقبتُ به، بقوله: إن اللغة العربية هي لغتنا التي نعتز بها غاية الاعتزاز، وأما تنظيم هذا اللقاء وجعل لغة غير اللغة العربية هي لغته فأمرٌ يعود للمعهد والقائمين عليه، فقد طُلب منا أن يكون حديثنا باللغة الإنجليزية، والسؤال عن ذلك لغيرنا....
معالي مدير المعهد الدكتور عبد الرحمن الشقاوي، أجاب إجابة غير مقنعة حين برر جعل اللغة الإنجليزية هي لغة اللقاء (مع أن المشاركين من غير العرب ليسوا سوى: اثنين لا ثالث لهما، لا في المنصة ولا كذلك في القاعة).. برر معاليه ذلك بمبررات منها: ما تمثِّله اللغة الإنجليزية من الأهمية، وأنها هي لغة المؤتمرات واللقاءات الدولية، وأن اللقاء لو تمَّ بغيرها، ربما لن تكون الأمور بمثل وضوحها حين كانت الإنجليزية هي اللغة الرسمية للقاء..!وللحقيقة أقول وأنا الملمّ باللغة الإنجليزية الدارس لها في موطنها: قد تابعتُ الترجمة الفورية عبر السماعات، سواء ما كان منها من الإنجليزية إلى العربية، أو القليل منها الذي كان من العربية إلى الإنجليزية، فإذا المترجمون هم بنفس الكفاءة والأهلية المعروفة والمعهودة عن معهد الإدارة العامة والعاملين فيه.. وذلك ما ينفي أي مبرر آخر لجعل اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للقاء، سوى مبرر واحد هو: أن جعل اللغة الإنجليزية اللغة الرسمية في ذلك اللقاء الذي جُلّ حضوره من السعوديين وفي عاصمة بلادهم وفي صرح من صروحهم التعليمية، ما هو إلاّ ضرب من ضروب التكريم والضيافة لمندوبيْ منظمة التجارة العالمية المشاركيْن في اللقاء .. والله أعلم.. !!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved