بقلم: راشد محمد العلي العبداللطيف(*)
بشائر صفو أشرقت أم مواكب.. وأنجم زهو أشرقت أم كواكب.. كناري وورف المليك وبَشائِرَ فجر من صلاح وعمران يؤسس لمشاريع عملاقة ويبشر بمستقبل زاهر يانع.. إنه عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - الذي يشهد انطلاقة اقتصادية وطفرة هائلة تدشن نهضة تنموية وفق معطيات اقتصادية حقيقية غير مسبوقة في التاريخ.
فمنذ تولى مقاليد الحكم في 26-6- 1426هـ وهو يستشعر الامانة الكبرى والمسؤولية الجسيمة اللتين أوكلتا إليه ولذلك فإنه - أيده الله - يخطط ويعمل لتحسين مستوى الشعب الوفي وجعل المملكة على سلم المجد والتقدم الحضاري، وهو ما تجسَّد في الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء يوم الاثنين 10-11-1426هـ في قصر اليمامة بمدينة الرياض، ورأسها خادم الحرمين الشريفين لنظر في الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 1426 - 1427هـ. حيث قال: إخواني المواطنين.. أخواتي المواطنات على بركة الله وبحمده وتوفيقه أعلن ميزانية العام المالي الجديد التي يبلغ حجمها 335 ألف مليون ريال، وهي أعلى ميزانية شهدتها المملكة. لقد راعينا فيها مواصلة الإسراع بإتمام البرامج والمشاريع التنموية خاصة التي توفر الخدمات الضرورية للمواطنين.. وامتداداً لما تم اعتماده في الأعوام المالية الأخيرة تضمنت الميزانية الجديدة مشاريع عديدة بلغت التكاليف التقديرية لتنفيذها حوالي (126) مليار ريال، تساهم في بناء وطننا الغالي والمحافظة على مكتسباته).
وكذلك إعلان الملك أثناء ندوة (بناء المستقبل) التي افتتحت في فندق الفيصلية بالرياض ونظمتها وزارة المالية ومؤسسة النقد العربي السعودي وهيئة السوق المالية والهيئة العامة للاستثمار بالتعاون مع مؤسسة يورومني العالمية، وبرعاية من مصرف الراجحي وعدد من المؤسسات المحلية والعالمية يوم الثلاثاء 9-5-2006م عن إنشاء (مركز الملك عبدالله المالي) والذي سيكون المركز الأكبر والأول من نوعه في الشرق الأوسط من ناحية الحجم والتنظيم والمواصفات التقنية، مضاهياً (كناري وورف) تلك الضاحية الاقتصادية الواقعة شرق مدينة لندن، والتي تعد أبرز وأكبر المراكز المالية وخدمات الأعمال في العالم، والتي تتجمع فيها البنوك العالمية مثل إتش إس بي سي وسيتي جروب وباركليز، والمؤسسات الإعلامية البريطانية العريقة مثل التلغراف والإندبندنت والديلي ميرور، وتمتد على مساحة 345 ألف متر مربع، ويعمل بها حوالي 78000 عامل في قطاع المال والأعمال.
وكما هو مخطط سيضم مركز الملك عبدالله المالي المقر الرئيس لهيئة السوق المالية، وشركة السوق المالية وما يرتبط بهما من شركات ومكاتب المحاسبة وخدمات المحاسبين، والمراجعة القانونية والمحامين، والمحللين والمستشارين الماليين، وشركات الوساطة وإدارة الأصول، ومؤسسات التقييم، والمؤسسات الاستشارية، وشركات تقنية المعلومات، وكذلك المكاتب والمرافق الخاصة بالمؤتمرات، والمرافق الترفيهية والتعليمية المتميزة وعلى رأسها الأكاديمية المالية التي ستعنى بتدريب وتطوير مهارات الجيل القادم من الشباب السعودي الراغب في التخصص في المجالات المالية المختلفة التي يحتاجها القطاع المالي. وسيقام في شمال مدينة الرياض على مساحة إجمالية تبلغ 1.6 مليون متر مربع على عدة مراحل سنوية يؤمل بانتهائها أن تعزز المملكة - عاصمة العالم النفطية - من موقعها كعاصمة مالية للشرق الأوسط والمقرر - كما تم الإعلان عن ذلك - أن يتم إنهاء وضع كامل المخططات للمركز بحلول نهاية العام الحالي، فيما ستبدأ عمليات البناء مع مطلع العام القادم 2007م.
ولاشك أن القطاع المالي في المملكة قطاع واعد، شهد في السنتين الماضيتين الكثير من التطورات ومن هذه التطورات إقرار مراقبة شركات التأمين وإعادة بناء القطاع الذي كان مرتكزاً على قطاع واحد وشركة واحدة.. وبعد التوسع الجديد سيحرز هذا القطاع نمواً كبيراً ويساهم في الناتج المحلي خلال السنوات الخمس القادمة بنسبة 10%. لأن مشروع المركز المالي العملاق يدعمه الجميع ويؤيدونه سوف تكون له مردودات إيجابية على الاقتصاد وخصوصا ما سينتج عنه من خدمات مالية وترتيبات سواء للتمويل أو الآليات التي ستقوم المؤسسات المالية بتقديمها للقطاع المالي، في ظل فائض مالي في الموازنة لن يقل حسب المتوقع عن 100 مليار دولار في نهاية العام، وهو ما يعني سداد كامل الدين العام، وإنفاق حكومي، وضخ مالي كبير يدفع النمو الاقتصادي بكل قوة مما ينعكس بالتالي على السوق المالية السعودية، ولا يخفى أن السوق المالية لأي نظام هي انعكاس لما يشهده هذا النظام من نمو اقتصادي ومن ثم فهي الأكثر تأثيراً وأثراً في الحاضر والمستقبل لا سيما وأن المملكة تحتل المرتبة الثالثة والعشرين من حيث الحجم الاقتصادي عالمياً، وتملك أكبر قطاع مالي شرق أوسطي، وتصنف بأن سوقها هو الحادي عشر على مستوى العالم من حيث القيمة السوقية.
ولقد بدأت سياسة الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها حكومة المملكة والتي أجريت بهدف تحقيق الاستفادة الكاملة من الإمكانات الهائلة للاقتصاد السعودي تؤتي أكلها وتثمر ثمارها على مستوى تدفق الاستثمارات المحلية والأجنبية؛ وتحقيق الإنجازات العديدة في المجال الاستثماري خلال عام 2005م تمثلت في: إطلاق مشروع مدينة الملك عبدالله الاقتصادية كبر مدينة اقتصادية متكاملة باستثمار يبلغ 100 مليار ريال ممول بالكامل من القطاع الخاص وزيادة قيم تراخيص الاستثمار الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار للمشاريع المشتركة والأجنبية إلى 2.2 مليار ريال مقارنة بمشاريع مرخصة بلغ تمويلها 51 مليار ريال في عام 2004م وحصول المملكة على المرتبة الأولى في قائمة أكثر الدول العربية تلقيا للاستثمارات الأجنبية وفقاً لتقرير المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، وحصول مدينة الجبيل الصناعية على جائزة جريدة الفايننشال تايمز كأفضل مدينة في الشرق الأوسط من حيث الإمكانات الاقتصادية ومجيء المملكة في المركز الأول عربياً والمركز الثامن والثلاثين عالمياً في جاذبية البيئة الاستثمارية، وذلك بعد أن كانت في المركز السابع والستين عام 2004م حسب تقرير ممارسة الأعمال الصادر من البنك الدولي.
كل هذه الإنجازات تسهم بشكل كبير في دعم الجهود الرامية إلى تنويع اقتصاد البلاد من خلال تعظيم مساهمة القطاعات الاقتصادية المختلفة في الناتج الوطني الإجمالي واستقطاب الاستثمارات المختلفة وتوفير الفرص الوظيفية للقوى العاملة السعودية، وتبشر بمستقبل واعد للاقتصاد السعودي مدعوماً بالطفرة النوعية المتأنية من تنامي أسعار النفط، كما تعزز النهج الإصلاحي الذي يعيشه والمسيرة التي قطعتها الإصلاحات حتى الآن، والنتائج التي تحققت والأخرى المتوقع تحقيقها خلال الفترة المقبلة بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية والمصرفية الإسلامية وغيرها.. ولا نملك إلا أن نقول في ختام هذا المقال:
تبسم ثغر الكون عن طالع السعد
فبشر أهل الأرض بالخير والرغد
وسارت بأقطار البلاد بشائر
بأعراس أنجال العزيز ذوي الجد
(*) شركة الغزالي
|