يتردّد بين المستفيدين من المعاش التقاعدي بعض العبارات مثل: عبارة (توريث المعاش) وعبارة (ورثة صاحب المعاش)، وكثيراً ما نجد في الإدارات المعنية بالمتقاعدين إدارات للورثة. وقد أعطى هذا الاسم مفهوماً لدى الجمهور الذي يتعامل مع هذه الجهات، وأدى بالتبعية إلى مطالبتهم هذه الجهات بمزايا ومنافع لا تتفق والهدف الحقيقي لنظم التقاعد والمعاشات. ومن هذه المطالبات مثلاً:
- استحقاق الزوج في معاش زوجته حتى ولو لم يكن عاجزاً عن الكسب.
- استمرار استحقاق الإناث للمعاش حتى بعد زواجهن.
- استمرار استحقاق المستفيدين - بصفة عامة - للمعاش حتى بعد التحاقهم بعمل.
لذا فقد رأت المؤسسة العامة للتقاعد مناقشة هذه المفاهيم، وهي (توزيع المعاش بين المستحقين بين مفهوم الميراث ومفهوم التكافل الاجتماعي)، وذلك على النحو التالي:
أولاً: بعض الأسس الفنية لنظم التقاعد:
1- تقوم فلسفة نظم التقاعد وفقاً للنظم المقارنة والمعاهدات والتوصيات الدولية والدساتير أساساً على مبدأ التكافل الاجتماعي بمعنى التضامن بين جميع المشتركين في تغطية أخطار الشيخوخة والعجز والوفاة وغيرها من المخاطر التي يؤدي تحققها إلى انقطاع دخل الموظف، وهذا ما أكدته المذكرة الإيضاحية لنظام التقاعد المدني لعام 1393هـ بالمملكة العربية السعودية.
2- إن تحديد تكلفة نظام التقاعد بما يقدمه من مزايا بمعنى أنه كلما زادت المزايا التي يكفلها النظام زادت تكلفته، ومن أمثلة ذلك:
أ- سن التقاعد:
هي السن التي يستحق عند بلوغها معاش التقاعد ولا شك أن هذه السن تعتبر نقطة توازن بين فترة تحصيل الاشتراكات وفترة أداء المزايا وأهمها المعاش. ومن المهم أيضاً أن نوضح أنه كلما زاد متوسط الأعمار كان من الضروري تحريك هذه السن إلى سن أعلى - بمراعاة الظروف الأخرى المرتبطة بتحديد هذه السن - حتى يستمر التوازن بين الاشتراكات والمزايا.
ب- معامل حساب المعاش:
هو المعامل الذي يتم على أساسه تحديد قيمة المعاش عن كل شهر أو كل سنة من مدة الاشتراك في نظام التقاعد.
ولا شك أنه كلما ارتفع معامل الحساب ارتفعت تكلفة نظام التقاعد والعكس صحيح.
ج- راتب التسوية:
هو الراتب الذي يتم على أساسه تحديد قيمة المعاش، وقد يكون الراتب الأخير كما هو الوضع في أنظمة التقاعد بالمملكة العربية السعودية أو متوسط الأجر الشهري في بعض أنظمة الدول الأخرى عن عدد من سنوات الاشتراك الأخيرة.
ولا شك أنه كلما قصرت فترة تحديد المتوسط زادت تكلفة نظام التقاعد والعكس صحيح.
د- مستحقو المعاش في حالة وفاة الموظف والمتقاعد:
هم أفراد الأسرة الذين يحددهم النظام لاستحقاق المعاش في حالة وفاته. ولا شك أنه كلما اتسع مفهوم الأسرة ليشمل عدداً كبيراً منهم زادت تكلفة نظام التقاعد والعكس صحيح.
هـ- شروط استحقاق الأولاد والإخوة الذكور:
تمثل سن استحقاق المعاش للأولاد والإخوة الذكور، كما تمثل الاستثناءات لهذه السن عاملاً مهماً في تحديد تكلفة النظام. ولا شك أنه كلما ارتفع سن استحقاقهم للمعاش وزادت الاستثناءات، زادت تكلفة نظام التقاعد والعكس صحيح.
و- شروط استحقاق التقاعد للبنت أو الأخت في المعاش:
نظاماً تستحق البنت أو الأخت للمعاش، طالما كانت غير متزوجة أو موظفة في تاريخ وفاة المؤمن عليه أو صاحب المعاش، كما أن لها الحق في المعاش في حالات الطلاق والترمل، ويكون لها الحق في ذلك طوال حياتها ما لم ينشأ أي من موانع الاستحقاق. ولا شك أنه كلما أمكن الحد من هذه المزايا قلت تكلفة نظام التقاعد والعكس صحيح، كما أن تحديد تكلفة النظام يرتبط بالعديد من العوامل ذات التأثير المباشر في تحديد التكلفة مثل: متوسط الأعمار واحتمالات العجز والوفاة وفارق السن بين متوسط سن الزوج والزوجة.
ثانياً: المعاش مقابل نفقة وليس ميراثاً:
1- تهدف نظم التقاعد إلى تعويض الموظف أو أسرته بحسب الأحوال عن الخسارة المتمثلة في فقد الدخل؛ نتيجة تحقق إحدى المخاطر المؤمن ضدها، وانطلاقاً من ذلك فإن من يتأثرون بشكل مباشر بوفاة الموظف أو صاحب المعاش هم أفراد أسرته الذين كان يعولهم أثناء حياته؛ لذلك نجد أن نظم التقاعد تحدد شروط الاستحقاق على أساس مبدأ الإعالة، وهو ذات المبدأ المقرر للشخص المعال كشرط لاستحقاق النفقة في الشريعة الإسلامية؛ فالنفقة حق واجب للزوجة على زوجها؛ فالزوج ملزم بالإنفاق على زوجته حتى لو كانت ميسورة الحال. وترتيباً على ذلك يقرر لها النظام الحق في معاش زوجها، من دون اشتراط عجزها عن الكسب، بل يعطيها في بعض نظم التقاعد الحق في الجمع بين معاشها أو دخلها من العمل أو المهنة، وبين المعاش المستحق عن الزوج دون حدود.
2- تبني نظم التقاعد أحكامها على الاحتمال؛ فليس بالضرورة أن يحصل الشخص على مزايا مالية تساوي ما دفعه؛ فقد يلتحق بالعمل ويتوفى أو يصبح عاجزاً خلال مدة يسيرة، فيظل أو تظل عائلته تتمتع بالمعاش لمدة طويلة. وقد يستمر في الخدمة مدة طويلة ويتوفى ولا يوجد مستحق له نظاماً فلا يتحمل نظام التقاعد عنه شيئاً.
3- المعاش لا يعدّ تركة موروثة عن المؤمن عليه أو صاحب المعاش وإنما هو حق يتلقاه المستحق من النظام مباشرة، وذلك بصفة المستحق ممن كان الموظف يلتزم بالإنفاق عليهم شرعا قبل وفاته. وانطلاقاً من هذا المفهوم حدّد النظام المستحقين للمعاش في حالة وفاة الموظف أو صاحب المعاش من الذين كان الموظف يعولهم ويلتزم بالإنفاق عليهم حال حياته، وهم كالتالي:
أ- أرملته.
ب - أبناؤه وإخوانه.
1- القصر.
2- البالغون والعاجزون عن الكسب أو الطلبة.
ج- بناته وأخواته غير المتزوجات.
د- والداه.
هـ- الزوج العاجز عن الكسب.
و- الجد والجدة وأبناء وبنات الابن المتوفى.
وذلك وفقاً للشروط التي حددها النظام.
وعلى ذلك فإن المعاش لا يصرف للورثة، وإنما يصرف للمستحقين الذين تتوافر في شأنهم شروط الاستحقاق، فالمعاش ليس إرثاً والمستحق للمعاش قد لا يكون وريثاً، كحالة استحقاق الإخوة والأخوات المعالين في المعاش مع الوالدين، كما أن الوارث شرعاً قد لا يكون بالضرورة مستحقاً للمعاش التقاعدي، كالبنت المتزوجة أو الابن البالغ غير العاجز عن الكسب. كما أن توزيع المعاش على المستحقين يتم بنسب متساوية، بطريقة تختلف عن نسب توزيع المواريث في الشريعة الإسلامية؛ فنصيب الابن في الميراث ضعف نصيب البنت، بينما هما متساويان في نصيبهما في المعاش باعتباره مقابل نفقة. ويسري ذلك في شأن الإخوة والأخوات بصرف النظر عن كونهم أشقاء أو غير أشقاء، كما أن الإخوة والأخوات يشاركون الأبوين في المعاش، ولا يحرمون بوجود الأب كما في الميراث.
|