تراجع مريع للأولويات الفلسطينية

أخذ الصراع بين فتح وحماس يتخذ شكلا يعمق كثيرا من العداوة بين الجانبين، فقد أصبحنا نرى لأول مرة سقوط نساء وأطفال جرحى وقتلى في هذه المواجهات التي يفترض أنها تجري بين مقاتلين محترفين، ومع استمرار هذا الصراع فإن كل تجليات الحرب الأهلية تستمر في التشكل لنقف في نهاية الأمر على حرب أهلية فلسطينية في صورتها المثلى، أي تلك التي تضم كل فئات المجتمع من نساء وأطفال وشباب في مختلف الجبهات، ويومها من الصعب الحديث عن قضية فلسطينية، بالمعنى التقليدي، أو تلمس السبل نحو تسوية يتآكل أحد أطرافها وتتلاشى ملامحها.
ومن الواضح أن الخسائر التي تتحقق على الصف الفلسطيني بفعل هذه المواجهات الطائشة بين فتح وحماس أكثر بكثير مما كانت تحلم به إسرائيل، فنحن الآن أمام صف فلسطيني متضعضع، وأمام أولويات فلسطينية تقل كثيرا عن سقف الطموحات نحو الاستقلال الكامل، إلى جانب صورة فلسطينية بالغة القتامة والسوء بحيث يصعب التعاطي معها على سبيل الحوار بين الدول أو على سبيل التعاطي الدبلوماسي.
وتبدو فلسطين أحوج ما تكون إلى أوضاع أكثر إيجابية في ظل تعاظم الحصار عليها، وهي تحتاج بشدة إلى صورة أكثر ثباتا لحكومة ومعارضة متناغمتين لمواجهة الكتل الدولية الأخرى، ومن ثم فإن ضياع الأولويات يتأسس على هذا الواقع المؤسف الذي يجعل أي طرف خارجي يذهب تلقائيا إلى محاولة تنبيه الفلسطينيين إلى أهمية ترتيب بيتهم الداخلي قبل أن يستمع إليهم، فهو يسمع عدة أصوات في ذات الوقت، وكلها تحاول الادعاء أنها تتحدث باسم الفلسطينيين.
ومن الواضح أن الانتظار ريثما تنصلح الأمور بطريقة تلقائية سيفاقم فقط من الأوضاع، فالتلقائية في هذه الساحة أصبحت لتنامي السلبيات وليس لسيادة وغلبة الروح الأخوية التي أفسدتها الخلافات السياسية، ولهذا يبدو من الضروري أن تعترف القيادات الفلسطينية بأن العقليات التي تتسبب في مثل هذه المواجهات ينبغي أن تفسح في المجال لرؤى أكثر واقعية في إدارة الصف الفلسطيني تسقط من حساباتها المواقف المتحجرة التي عملت دوما على دفع الفلسطينيين نحو مستنقع الخلافات المستفحلة
. نقول ذلك وفي الذهن دائما الإخفاقات المتتالية عقب كل جولة من القتال لإزالة أسباب هذه الخلافات الدموية، ومن الواضح أن هناك إخفاقاً كاملاً في التوصل إلى رؤية حاسمة حازمة تستبطن في توجهاتها حساسية الساحة الفلسطينية كما تنطوي على وعي كامل بالظرف المحلي الحرج والأوضاع الدولية الضاغطة، فالذهنية الراهنة تفتقر إلى الحس بالمسؤولية التي من شأنها الأخذ بيد الأطراف نحو بر الأمان وبالطريقة التي تقنع الجميع بأن الدم الفلسطيني هو فعلا خط أحمر.