الزواج حال طبيعية يندفع إليها الإنسان لحاجته لها، ولأنها لازمة اجتماعية رئيسية، غرضها بقاء الجنس واستمرار النوع، وليس هو إلا لأن عوامل قوية، مخلوقة في كل من نفس المرأة والرجل، جعلتهما في حاجة إلى بعضهما، لا يفتران يبحثان بعضهما عن بعض لقضاء مطلبهما.
وكانت قديماً هذه الحاجة، تجعل المرأة والرجل كليهما مشاعاً للآخر، ثم جاء دور العائلة فكان ذلك بسبيل إلى قصر المرأة على رجل واحد أو قصر عدة نساء على رجل واحد ولم يكن لهذه حد يوماً، حتى جاء الإسلام فجعلها أربعة، بشرائط أقامها. يقول الأستاذ محمد عبد العزيز الصدر في كتاب (فن الزواج): إن الزواج في جملته كالفرقد يضل فيه السائر إذا لم يحمل بين يديه بوصلة ترشده إلى مواقع الجهات، وإذا ذاك يهتدي الهدي كله، فيصل إلى مرفأ السلامة.
وها نحن نسمع أصوات الأسى تنبعث من أفواه بعض المتزوجين تتردد في الآفاق، يحسبها الناس أحزاناً يتلو بعضها بعضاً، فيوجس العزاب خوفاً من الزواج، لأن لهم أذنين تسمعان تلك الصرخات المؤلمات وتسمعان من أفواههم أيضاً الغض من كرامة الزواج والحط من شأنه، وتسمع أن السعيد ذلك الذي لم يقدّر له الزواج يوماً ما.
وليست هذه الصرخات وليدة جو دون جو ولكنها في كل الأجواء وإنما يسمعها الناس لأنه يبعثها الشقاء، وأما الذين هم ينعمون بالزواج فلن يحدثوا العالم بشيء عن نعيمهم هذا، بل يقطعون مرحلتهم ساكنين ساكتين، تحفهم السعادة من كل جانب وترى هذه السعادة تتخطى قلوبهم إلى أعمالهم، إذ يهدأ فكرهم وتطمئن نفوسهم.
وليس أحسن من بيئة يهدأ فيها الفكر وتطمئن لها النفس ولترى السعادة الزوجية حقلاً تنمو فيه العزيمة ويذكو فيه الفؤاد. إن المرأة كانت لؤلؤة غالية، تضرب إليها أكباد الإبل، ويسعى إليها الرجل سعيه المتواصل فتحفى قدماه، ويكفيه منها ابتسامة حلوة، أو نظرة عذبة، فهي إذن الدرة الثمينة. وكان إذ ذاك الحب في مهده حباً غير مشوبة حياته برياء، وإنما الحب يخفف ويلات الحياة على أن ويلاتها إذ ذاك لم تكن بالكثيرة، فما بالك بها اليوم وهي كثيرة جداً، أما كان يجدر بالحب أن يعيش فيأخذ بيد الإنسان من جب الشقاء العميق القاتم الذي أصابه اليوم.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية |