الأخ المكرم خالد المالك رئيس تحرير جريدة (الجزيرة)..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا يخفى عليكم أنه كثرت في الآونة الأخيرة الكتابات التي تحمل في طياتها انتقادات لأهل العلم والفضل وتحميلهم أموراً كثيرة، وهذا ما دعاني إلى المشاركة في هذا الموضوع الذي أرجو أن يجد طريقه للنشر، وخصوصاً أن الأمر لا يقتصر على كاتب معين، فهناك كتَّاب - وإن كانوا قلة - أصبح ديدنهم في بعض كتاباتهم انتقاد أهل العلم والفضل بطريق مباشر وغير مباشر، كما يبدو من بعض الكتابات تأثر صاحبها بالجانب الفكري السلبي للمدنية الحديثة وليس الجانب العلمي الإيجابي لها؛ مما أرى معه أنه حريٌّ بمن وهبه الله حب القراءة والاطلاع ألا يحرم نفسه من الأخذ ولو بحظ يسير من العلم الشرعي يحصن به نفسه ويحميها من المزالق الفكرية، وبخاصة إذا علم أن متاعه في هذه الدنيا قليل، وأن {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (الزخرف: 67). وقد أصبح هؤلاء الكتَّاب في موقع المنتقد دائماً، وأصبح أهل العلم والفضل في موقع المبين للحقائق الكاشف للشبهات الراد على الاتهامات، وهذا والله يحزن الإنسان مع أنه يعلم يقيناً {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11). وأهل العلم والفضل لهم قدرهم ومكانتهم، حتى لو أخطؤوا فينبغي التأدب معهم؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي رفعهم وليس نحن البشر، وهم ورثة الأنبياء، وعلمهم مأخوذ من الكتاب والسنّة وليس تخبطات فكرية من الشرق أو الغرب، ولا يزال الناس بخير ما عرفوا لهم قدرهم، وهذا أمر مجرَّب ومعروف لدى مَن سبقنا، ولا يعني ذلك تبرئتهم من الخطأ، إلاَّ أن خطأ من يسعى إلى الإصلاح سالكاً سبل من سبقه من المصلحين أهون بكثير من خطأ من يسعى إلى الإصلاح سالكاً السبل التي ثبت بالتجربة لدى المجتمعات الأخرى عقمها بل ضررها، أما تنميق العبارات والتفنن في المصطلحات عربيها وأعجميها فذلك لا يسمن ولا يغني من جوع، فالعبرة بالنتائج، فحريٌّ بهؤلاء الكتاب ألاَّ يسلكوا السبل التي سلكها من سبقهم في الدول المجاورة قبل عقود مضت بوعي منهم أو دون وعي لخطورة ما سلكوه. كما أنني لا أدري ما يدعو هؤلاء الكتَّاب إلى هذه الانتقادات، أهي الرغبة في أن يعيشوا في وضع أفضل مما هم عليه الآن، والتجارب تدل على عكس ذلك، فليحمدوا ربهم على ما هم فيه وليرعوا نعمتهم التي منحهم إياها المولى عزَّ وجلَّ ولا تأخذهم العزة بالإثم، أو تستثيرهم تصرفات بعض الغيورين الذين تنقصهم الخبرة في أساليب التعامل مع الآخرين، فالحق أحق أن يُتّبع مهما كان قائله أو ناقله، أم أن الداعي إلى هذه الانتقادات مواقف شخصية تعرضوا لها، وهنا أذكرهم بمقولة: (إن الحق لا يُعرف بالرجال)، فمن كانت بغيته الحق وأخلص النية في الوصول إليه وفقه الله سبحانه وتعالى لذلك، إلاَّ أن الذي أعلمه ويعلمه غيري أن كل إنسان سيحاسب على عمله، والكتابة بلا شك تدخل في ذلك، بل إن نفعها أو ضررها أكبر من عمل الشخص لنفسه؛ حيث قد يصل نفعها أو ضررها إلى الغير. كما أن ما أعلمه ويعلمه كثير غيري أن الجزاء المترتب على الكتابة إذا كانت منشورة على الملأ لا يقع على الكاتب فقط، وإنما يشترك معه من ساعده على النشر، يدخل في ذلك ما يُنشر من رسومات ساخرة أو صور نساء، وهذا ما يدعونا كافة إلى إمعان النظر في هذه القضية المهمة ومراجعة أنفسنا ما دام في الأمر فسحة، فنحن لا زلنا في أول الطريق، ومن المحزن أن نخوض تجربة خاضها غيرنا وكانت نتيجتها مريرة كما هو مشاهد، ولنا فيهم عبرة وأي عبرة، فأين ما حصلوا عليه مما كانوا يأملون، إن الواقع يشهد بضد ذلك، والعاقل من اتَّعظ بغيره لا من كان عظة لغيره، والله سبحانه وتعالى أعلم بما يصلح عباده، ولا يظهر فساد إلاّ بما كسبت أيديهم، نسأله السلامة والعافية.
محمد العتيبي - الرياض |