طارق عبدالحكيم عاد مؤخراً إلى المملكة، وبالذات إلى الرياض بعد فترة غيبة تقدر بحوالي ثلاث سنوات قضاها في العاصمة اللبنانية بيروت، وقد عاد ليكلف بتأسيس معهد موسيقى في مديرية الأمن العام، وعهد آخر للتربية البدنية في نفس المديرية.. وهو يتحدث الآن بحماس عن هذين المعهدين.. وبالذات عن المعهد الموسيقى.. ويقول عنه بأنه الأمل الذي كان يرتجي تحقيقه منذ فترة.
يتحدث لنا طارق في هذا اللقاء عن المعهد الموسيقي الجديد وعن سيمفونية القبائل.. وعن أشياء أخرى..
* * *
ظروف عائلية
* قالوا عن فترة غيابك في بيروت كل الثلاث السنوات الماضية بأنها هروب من المزاحمة.. طارق ماذا يقول..؟
- السبب في قضائي كل هذه الفترة الماضية في بيروت، هو لظروف عائلية اضطرتني لمعالجة زوجتي في مستشفى الجامعة الأمريكية، وذلك بناء على استشارة مجموعة من الأطباء، وبقاؤها هناك يتطلب مني البقاء لجانبها، وبقاء أولادي بجانب والدتهم، وبجانبي للإشراف على تربيتهم، ودخولهم المدارس هناك.
ألحان في الغربة
* بقاء طارق عبدالحكيم الفنان في مدينة تعج بالفنانين وبالانتعاش الفني لابد أن يجعله يعمل شيئاً.. ينتج أعمالا فنية.. فما هي الأعمال التي أبدعها ونفذها هناك..؟!
دوماً - الكلام لطارق - كنت على اتصال بإخواني الفنانين السعوديين في جدة وفي الرياض، وقد أعطيت الكثير من الألحان لطلال مداح، ولمحمد عبده.. بالنسبة لطلال فقد أعطيته (نشيد الفداء) من كلمات سمو الأمير عبدالله الفيصل، (وعاش من شافك) كلمات: محمد طلعت، وعدداً من الأغاني كتبتها ثريا قابل..
أما محمد عبده، فالجمهور يعرف (لو سمحت المعذرة)، وقد سجل من ألحاني أيضاً نشيداً كتبه: عمر أبو ريشة، وهناك أغنيات عاطفية أخرى كتبتها: ثريا قابل..
هذا بالإضافة إلى العديد من الأناشيد والألحان (لابو ظبي) وقطر، واتحاد الإمارات..
سيمفونية القبائل
ويسعدني - ما زال الكلام لطارق - أن أقول: إنني كنت في فراغي مهتما بفكرة كانت تراودني منذ زمن، وهي فكرة (السيمفونيات) وهي موسيقى تصويرية صامتة تعبر عن نهضة القبائل في المملكة، ولهذا فقد صممت على أن أكمل موسيقاي الصامتة بعمل كبير هو (سيمفونية القبائل في المملكة) وقد أكملتها- ولله الحمد- وقدمتها إلى مدير عام الاذاعة الأستاذ خالد غوث ليساهم في تنفيذها، وتقدم بواسطة الاذاعة لجماهيرنا الحبيبة، وهو أول عمل فني سيمفوني يقدم عن نهضة المملكة في كل وجوهها الزاهرة من صناعة وتجارة وتعليم، وهذا العمل الذي أقدمه هو جزء من الواجب تجاه المليك والوطن).
خمس مجموعات
* ولكن ما هو عدد السيمفونيات.. وما هي المدة التي استغرقت في تأليفها..؟!
- المدة التي استغرقتها في أعدادها منذ بدأت فيها حتى الآن، مدة عشرين سنة، وبلورتها وأكملتها وأصبحت جاهزة في أوقات فراغي أثناء ثلاث سنوات قضيتها مؤخراً في بيروت.
أما عن عددها فهي خمس مجموعات (الوسطى، الشرقية، الغربية، الشمالية، الجنوبية) أي تمثل أجزاء المملكة، وتشكل في مجموعها وعزفها سيمفونية واحدة مترابطة متسلسلة.
الفضل للعلامة
* وهل استعنت بأحد في معرفة المناطق وقبائلها..؟!
- الفضل الأول لعلامة الجزيرة الأستاذ الكبير: حمد الجاسر فقد عرضت عليه فكرتي على أن يزودني بأسماء المدن والقرى والقبائل، وفعلاً أبدى ارتياحاً كبيراً لهذا العمل الموسيقي، مما شجعني على المضي في جمعها وبلورتها وإظهارها بصورتها النهائية وتقديمها للمسؤولين.
باوركسترات عالمية
* ان عملاً كهذا.. ليس بمقدور فرقنا الموسيقية المحلية أن تنفذه.. بل ومن الصعب تنفيذه في عالمنا العربي لقلة توفر الاوركسترات الجيدة.. بالاضاحة إلى الموزعين العالميين.. إذن فليس إلا الاستعانة بالاوركسترات العالمية.. وبالموزعين العالميين أيضاً..!
ٍ(الذي ظهر لي - يقول طارق - من مدير عام الإذاعة إنه متهم بهذه الفكرة، كما أفادني بأنها دعاية لأول عمل سيمفوني تقدمه إذاعة المملكة ليسمع العالم بأن فننا مسايرا للنهضات الشاملة التي تعم مختلف المناحي والمجالات في بلادنا.
أما التنفيذ فسيكون التوزيع الموسيقي من موسيقيين عالميين، وكذلك العزف فسيقوم به كبار العازفين العالميين، وذلك لتصوير هذه السيموفنية بما يتناسب مع عظمة هذه المملكة ومركزها القيادي.
* في عالمنا العربي هل سبقك أحد في تأليف السيمفونيات؟!
- في جمهورية مصر العربية قام (أبو بكر خيرت) في أوائل الخمسينيات بتأليف سيمفونية نال عليها جائزة الدولة آنذاك..
الوعي الموسيقي
* أنظر بارتياب إلى تقبل جمهورنا المحلي للموسيقى الصامتة.. فنحن فقراء - كافتقارنا لأشياء كثيرة - إلى الوعي الموسيقي.. ترى هل سيسمع الناس هنا هذه السيمفونيات ذات المدد الطويلة..؟!
(نعم - يجيبني طارق - فقد سمعت أن الكثير من الجماهير يعجب بالموسيقى في الأغاني دون الاداء.. بل يعجب بالموسيقى، ويتمنى لو عدمت الكلمات.. ! وبعض الجمهور يحب أن يسمع الموسيقى بدون أداء.. فيعمل على (منتجة) الاغنية لتنتهي على قطعة موسيقية..! وأنت تجد الكثير من الجماهير تطرب للمقدمات الموسيقية لأغاني أم كلثوم قبل أن تبدأ في الاداء، ويصر البعض منهم على إعادة المقدمة أكثر من مرة.. ويلاحظ ذلك في أغاني عبدالحليم حافظ أيضاً..
من هنا واضح أن الجماهير تستوعب الموسيقى الصامتة، وفعلاً نجد الكثير من البيوت تستمع إلى الموسيقى الصامة، وتعتبرها غذاء يومياً..!
معهد الموسيقى
* سمعنا أنك في عودتك الأخيرة هذه ستشرف على معهدين للموسيقى وللتربية البدنية تابعين للأمن العام نريد توضيحاً..؟!
- الحقيقة إنني كلفت من قبل سعادة مدير الأمن العام بأن أعمل في هذه المديرية على تأسيس معهد لموسيقى الأمن العام مع الإشراف على معهد التربية البدنية، وعمل المخططات والأنظمة واللوائح اللازمة لهما.. وقد قدمت مخططي في هذا الشأن، والمعهد الموسيقى الذي طالما كتبت عنه الصحافة كثيراً نراه اليوم يتحقق على يدي وزارة الداخلية ليضم بين أرجائه أبناء هذا البلد ممن هم من حملة الشهادة الابتدائية لينهلوا فيه من الثقافة العامة والثقافة الموسيقية، فيتخرجوا بعد ثلاث سنوات بشهادة الكفاءة على منهج وزارة المعارف - والدبلوم الموسيقي من المعهد - وتتضمن الدراسة في المعهد - يضيف طارق - دراسة الآلات الوترية بكافة أنواعها، والآلات النحاسية وأنواعها المختلفة، وآلات النقر والطبول بأنواعها، وقسم الاصوات بأنواعها (المؤدى، والكورس، الكورال، والأوبرا).. وهذه الآلات جميعها تدرس بالنوتة الموسيقية بالطبع..
الأغنية السعودية
* لنسألك عن الأغنية السعودية.. هل استطاعت أن تفرض نفسها في مدن الفن العربي..؟!
- الجزء منها.. وهذا الجزء لم يستكمل العزف والتوزيع الموسيقي المطلوب الذي يستطيع أن يزاحم به أغاني وموسيقى العالم العربي.. وذلك لعدم تكامل العدد والعدة، فلذا تجد أن أكثر فنانينا يسجلون أغانيهم خارج المملكة فلهذا تظهر بالمظهر غير المرغوب فيه من قبل جماهيرنا لأن الروح مفقودة سواء كانت أناشيد أو أغاني عاطفية، لأن الروح واللهجة المحلية هي الأساس الاول في الأغنية وذلك لاستساغة الجماهير لها.
* هل يعني هذا ان المادة والنوعية اللحنية لا تنقص مستوى عن الاغاني العربية؟!
- ويجيبني طارق: يوجد لدينا فولكلورات شعبية إلى الآن لم تمتد إليها أيدي الملحنين، وهي من الأصالة التي يستغرب منها الموسيقيون العالميون ولو استمعوا إليها لأخذوا الشيء الكثير منها وطوروها بآلاتهم المتعددة ووزعوها توزيعا فنيا صحيحا، ولأصبح لها شأن في العالم العربي، وهذه الفولكلورات هي: السامري بألوانه العديدة، والعرضة والهجيني، والصوت، والمزمار، والمجارير، والرفيحة، أما عن الفولكلورات الموجودة في الجنوب فحدث ولا حرج..!
الإعلام مسؤولة
* وكيف يتسنى إظهارها للعالم بالشكل الذي ذكرته؟!
- يتسنى ذلك بأن تكلف وزارة الإعلام ملحنين سعوديين بكتابة هذه الفولكلورات بالنوتة الموسيقية وتسجيلها بواسطة مسجلات على الواقع الطبيعي أثناء الحفلات الشعبية، وبعدها تقدم إلى موزعين عالميين، ويعهد إلى شركة عالمية بتسجيلها باوركسترات، و (وما حك جلدك مثل ظفرك..!).
بليغ لن يوفق
* ما رأيك في المحاولات التي قام ويقوم بها الملحن بليغ حمدي في دراسة وتسجيل فولكلورات الدول العربية ومن بنيها فولكلورات المملكة..؟!
- ويجيبني طارق محتداً: مهما عمل لن يوفق في إظهار الفولكلور المحلي السعودي على الوجه المرضي الذي يمتع الجمهور، لأن لهجته وبيئته تختلف عن لهجتنا وبيئتنا، ولا يخفى على جمهورنا ما يسمعه في الكويت وفي لبنان وفي القاهرة من فولكلورات سعودية.. وقد نفذت هناك بطابع يمتاز بقوة العزف والتوزيع الآلي.. أما الأداء والروح السعودية فمفقودة..
طارق غير راض
* طارق عبدالحكيم.. يعتبر نفسه وصل إلى أي مرحلة..؟!
- إلى الآن لم أؤد الواجب المفروض، وقد بذلت جهدي مدة خمس وعشرين سنة، استطعت فيها أن أؤدي لهذا الوطن الضريبة المفروضة على تجاهه، وأنا إلى الآن لم أرض عما قدمته، وقد بقي علي أن أقدم الشيء الكثير من الأناشيد الوطنية والأغاني العاطفية بأصوات أبنائنا الفنانين السعوديين، حتى يمكننا مزاحمة الاغاني العربية، وكذا- إن شاء الله- العالمية بعد أن تتكامل لدينا اعداد العازفين الاقوياء، والموزعين الآليين عن طريق المعاهد التي تسهر حكومة جلالة الملك المعظم على إنشائها، وما علينا نحن الفنانين إلا أن نقدم ما يجب علينا من أداء الواجب لهذا الوطن الحبيب، وما يطلبه المسؤولون من ارتقاء بفننا الاصيل المتمشي مع تقاليدنا وديننا الحنيف.
اعتزال الغناء
* ذكرت أنك ستقدم أعمالك بواسطة الفنانين.. فهل يعني هذا انك اعتزلت الغناء...؟!
- لم أعتزل الغناء. والدلالة على ذلك وجود أغنياتي مسجلة في الاذاعة، ومصورة في التلفزيون، ولكن بحكم ظروف عملي في الوقت الحاضر قل نشاطي غنائيا في الإذاعة والتليفزيون، ولكن في حفلات الاصدقاء والفنانين لا أبخل على نفسي وعلى جمهوري بفني، وأنا يهمني أولاً وأخيرا النشء الجديد من أبنائنا الفنانين ليكونوا في مستوى المسؤولية عزفا وأداء.
وسوف ألقنهم المحافظة على ما كان يغني به آباؤنا وأجدادنا ولا اريدهم ان ينهجوا الطريق الذي لا يعبر عن أصالة فننا الذي ينبع من هذه الصحراء وتحمل ملامحه كل رجولة وشجاعة وحماسة من حداء وتوقيعات على الطبول أثناء الحروب، ومن ترفيه بريء يمثله لنا أبناء البادية.
مؤهلات موسيقية
* نعود لنسألك عن المؤهلات التي تحصلت عليها من الموسيقى..؟!
- ابتعثت من قبل وزارة الدفاع إدارة موسيقى الجيش في القاهرة، ودرست هناك مدة ثلاث سنوات تحصلت بعدها على دبلوم الموسيقى، وفيه تحصلت على درجة ممتاز في المعلومات، وممتاز في العمليات وممتاز في الاهلية للتعليم فنيا وادارياً.
بالإضافة إلى ذلك - يضيف طارق - فأنا عضو في جمعية المؤلفين والملحنين بباريس، وسابقا مدير فني لموسيقى الجيش، وحالياً مدير معهد موسيقى الامن العام، والمشرف على معهد التربية البدنية فيه.
عدد الألحان
* هل تتذكر كم أغنية لحنتها في حياتك الفنية المديدة..؟!
- خارج المملكة بأصوات مطربي ومطربات البلدان العربية لا يقل عن خمسين أغنية، أما في الداخل لفنانينا المحليين فلا استطيع أن أحصرها، فعددها كثير، ولكن يثبت ذلك الدوت الموسيقية الموجودة لدي مع الأشرطة المسجلة عليها بأصواتهم.
* والمؤلفات الموسيقية..؟!
- المؤلفات الموسيقية والمرشات العسكرية والأناشيد الحماسية، أستطيع حصرها أيضا الا بالرجوع إلى النوت الموسيقية في دوسيهاتها..!
عملية حسابية
* هناك الكثير يخفون أعمارهم.. ولكن طارق ما هو عمره..؟!
- مما يلي يظهر عمري.. لي في الخدمة العسكرية اثنتان وثلاثين سنة، وأحلت على التقاعد منذ ثلاث سنوات، وكنت قد انتسبت إلى العسكرية والمفروض أن يكون عمري سبع عشرة سنة..!
* كم عدد أبنائك..؟!
- ثلاثة.. بنتان.. وولد.
* تشاهد التليفزيون..؟!
- أشاهده في أوقات متفاوتة.
* ما رأيك في برامجه..؟!
- كفنان. أو كمشاهد.؟!
* كمشاهد..
- أكرر رجائي بحرارة إلى مدير عام التليفزيون الدكتور عبدالرحمن الشبيلي بأن يحس بالمزحمة الغنائية الواقعة بين مطربي القاهرة والكويت.. وبين فنانينا.. وأن يعالج هذه الأمور بحكمته وفطنته..!
|