Tuesday 20th June,200612318العددالثلاثاء 24 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

السياحة على حساب الضروريات السياحة على حساب الضروريات
أ. د. مفرج بن سعد الحقباني

انتهت الامتحانات ومعها انتهى ولو مؤقتاً الضغط الأسري الذي أنهك قوى الأسر السعودية، وبدأت الإجازة الصيفية ومعها بدأ البحث عن مخرج من حرارة الجو ورتابة الروتين الاجتماعي والحياتي.
هذا البحث الحثيث ربما يسهم بطريقة مباشرة في زيادة معاناة الأسر السعودية التي يعاني البعض منها من تدني مستوى الوعي الاستهلاكي الذي بدل أولويات الأسر وأصبحت بفضل السباق والمباهاة الاجتماعية تركز على ما هو ثانوي على حساب الواجبات الأسرية، وأصبح رب الأسرة تحت الضغط وفي سباق متواصل مع هذه المستجدات الاستهلاكية حتى لو ظل طوال حياته محملاً بالديون وهموم التقسيط.
ولعل من أبرز الهموم المرحلية التي تبرز مع بداية كل إجازة صيفية البحث عن وجهة السفر السنوية التي أصبحت - للأسف - من الواجبات والأولويات التي يقدمها البعض على المأكل والمشرب ويمنحها من دخله السنوي النصيب الأكبر.
ويزداد الأمر سوءاً عندما يكون تمويل هذه السفرة الاستجمامية عن طريق الاستدانة من البنوك أو الأفراد، أو عندما تمول بطريقة غبية من خلال بطاقات الائتمان التي يتهاون البعض في استخدامها دون إدراك لتبعات الديون المتراكمة واتفاقيات السداد المبرمة.
وإذا كانت هذه المشكلة تبرز بشكل سنوي فإنها في هذه العام تبدو أكثر حدة لكونها تأتي في وقت يعاني فيه معظم أفراد المجتمع السعودي من ويلات الخسائر المالية التي نتجت عن انهيار سوق الأسهم مما يعني تزاحم الأولويات على ميزانية أقل وارتفاع تكلفة السياحة مقارنة بالفرص البديلة التي كان من الممكن أن توجه لها الأموال المنفقة على السفر السياحي. فمن غير المقبول أن يتجه البعض للسفر في الوقت الذي يعاني فيه من تزايد الأقساط الشهرية، ومن غير المقبول أن يعتذر عن سداد ديونه المستحقة للدولة أو المؤسسات الخاصة أو الأفراد ويذهب للسفر والسياحة، ومن غير المنطقي أن تواصل الأسرة الضغط على ربها للسفر بها دون مراعاة للصعوبات المالية التي يعاني منها.
لقد سمعنا في مجتمعنا المحيط عن أولئك الذين استجابوا لضغوط المباهاة الاجتماعية وتحملوا في سبيل ذلك الديون تلو الديون، وسمعنا عن أولئك الذين يتهربون من دفع حقوق الآخرين ويمضون الأوقات السعيدة متنقلين بين البلدان العربية وغير العربية، وسمعنا عن أولئك الذين لا يستطيعون دفع رسوم الدراسة لأبنائهم وإيجار منازلهم وتكاليف إصلاح وسائل تنقلاتهم ومع ذلك يتسابقون سنوياً على مكاتب السفر والسياحة.
هذه الحالات وغيرها الكثير تمثل خطراً على نمط السلوك الاستهلاكي في المجتمع وتحتاج بالتالي إلى علاج مباشر لتبديل القناعات المجتمعية وتحويلها باتجاه الضروريات والأولويات المرتبة وفقاً للإمكانيات المتاحة.
وفي ظني أن من أهم الخطوات الإصلاحية لهذه القناعات الخاطئة العمل على تضييق مصادر التمويل الموجهة للأغراض الاستهلاكية الصرفة وبشكل خاص تلك الموجهة لتمويل البرامج السياحية وتضييق فرص إصدار بطاقات الائتمان لمن لا يملكون المقدرة المالية على الوفاء بالتزاماتهم تجاه الغير.
وفي هذا السياق أتمنى أن يكون لدينا بنك معلومات متكامل تشترك في تغذيته كل مصادر التمويل الحكومية وغير الحكومية بهدف التعرف على الموقف المالي للأفراد ومساعدتهم من خلال حرمانهم من الإغراءات الوقتية التي تقدمها بعض المؤسسات المالية التي تهدف إلى التوسع في الإقراض بغض النظر عن تبعات ذلك على الأفراد.
كما أن وسائل الإعلام المختلفة تتحمل مسؤولية وطنية في هذا المجال لقدرتها على التواصل مع مستقبلي رسائلها بطرق مهنية ذات قدرة إقناعية كبيرة، وتستطيع إعادة هيكلة القناعات المجتمعية بعيداً عن مؤثرات المباهاة الاجتماعية.
وبغض النظر عما يعمل لكبح جماح التسابق على البرامج السياحية، فإننا سنظل نشاهد مشاهد مضحكة وفي بعض الأحيان مبكية يقف وراءها الجهل الاجتماعي وقلة الوعي الاستهلاكي. فهل نعي خطورة ذلك؟ الله أعلم.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved