«الوشم» عندما يصبح الأمر غير مرغوب به

د.يارا حافظ(*)
منذ العصور القديمة ظهر الوشم وتطور في مختلف البلدان بشكل متوازٍ وإن زاد قليلاً في مكان وقل في آخر ففي مصر اكتشفت مومياوات لإناث يحملن الوشم تعود إلى أكثر من2000 عام قبل الميلاد.
كان الهدف من الوشم إبراز الجمال، أو إيصال رسالة معينة للآخرين أو وسمهم بسمة دائمة لتمييزهم عن غيرهم. ونادراً ما استخدم الوشم لتضخيم القباحة وإظهارها. وربما كان ذلك بهدف جعل حامله أكثر إخافة للآخرين. من الوشوم الشائعة أيضا العبارات أو الأسماء التي تعبّر عن ولاء حاملها وإخلاصه لشخص أو جماعة أو فكر ما.
كان الوشم سابقاً جزءاً من طقوس دينية لدى بعض الحضارات، أو جزءاً من طقوس الزواج أو طلباً للخطوبة كما كانت القبائل تتخذه كطابع مميز لها عن القبائل الأخرى. ولقد استخدمه النازيون في الحرب العالمية الثانية لوشم مخبريهم أو بعض أسراهم.
تختلف الغايات من الوشم والأشكال وحتى الانتشار اليوم عما سبق، ففي المجتمعات الغربية زاد شيوع الوشم عما كان عليه في الماضي وامتد حتى إلى الطبقات العليا ممن يعتبرون من النخبة، ولم يعد الوشم حكراً على المساجين أو المضطربين عاطفياً أو الأشخاص غير المستقرين نفسياً بل زادت شعبيته حتى بين النساء الشابات وأصبح جزءاً من (الموضة) كقطعة ملابس أو قطعة زينة إلا أنها للأسف أبدية وقد يتخذ قرار وضع الوشم شخص ليس في موقف يسمح له باتخاذ التزام كهذا سيستمر مدى الحياة، كأن يكون الشخص تحت ضغوط عاطفية، أو تأثير أدوية، أو محيط اجتماعي معين.
سنحاول إلقاء نظرة من الناحية الطبية على الوشم كيفية إجرائه، المضاعفات أو المشاكل التي قد ترافقه، وكيفية إزالته.
كيف يتم وضع الوشم؟
بشكل أساسي يمكن أن يوضع الوشم من قبل شخص محترف (Professional Tattoo) أو غير محترف (amateur Tattoo).
يوضع الوشم الاحترافي باستخدام جهاز كهربائي يحوي إبرة تقوم بحقن الألوان ضمن الأدمة (Dermis) أي داخل الجلد وتتضمن المواد المحقونة: Carbon الذي يعطي اللون الأزرق - الأسود، الأصبغة النباتية أو الزئبق mercury التي تعطي اللون الأحمر، الحديد iron الذي يعطي اللون البني وغيرها مثل الكروم، الكادميوم، الكوبالت. أما وشم غير المحترفين amateur فيوضع باستخدام أي أداة مدببة لحمل المادة التي هي غالباً الحبر الصيني أو الفحم إلى الجلد وأشيع مثال لذلك الوشوم التقليدية المشاهدة بكثرة لدى بعض القبائل على الجبين والذقن واليدين.
مضاعفات الوشم
1- أبسط المشكلات وأولها وأكثرها شيوعاً هو عدم الرضا عن الوشم فور الحصول عليه، أو لاحقاً وخاصة إذا وضع الوشم بعمر المراهقة ثم أراد الشخص التراجع عنه لأسباب اجتماعية أو شخصية أو دينية وهذا أهم سبب يدفع المرضى لمراجعة العيادات طلباً لإزالة الوشم.
2- نقل العدوى Infection وهو أمر قليل الشيوع لكنه مهم لأنه من الممكن نقل أنواع عديدة من الجراثيم والفيروسات من خلال عدم تعقيم الإبر واستخدامها لأكثر من شخص فقد ذكر تاريخياً انتقال جراثيم مسببة للالتهابات القيحية، الأفرنجي، السل، أو الفيروسات مثل المليساء المعدية أو حتى التهابات الكبد والأيدز
3- تفاعلات الحساسية تجاه الصباغ.
وهذه شائعة وتتظاهر بحس تخريش، حكة، تورم واحمرار في جزء من الوشم محدد بلون ما أو أكثر من جزء وقد يحدث ذلك بعد فترة قصيرة (أسابيع) أو سنوات.
ومن المعروف أن الأصبغة الحمراء خاصة الزئبق mercury هي الأكثر إثارة لتفاعلات الحساسية والغريب أن ظهور الحساسية في الوشم قد يثير ظهورها في الفم أيضا لأن هذه المادة تدخل في تركيب حشوات الأسنان amalgam.
يبقى تفاعل الحساسية موضعاً عادة ولكنه في حالات قليلة يميل للانتشار إلى أماكن خارج الوشم أو حتى ليشمل الجسم كاملاً أي ما يعرف بالتهاب الجلد التوسفي Exfoliative Dermatitis.
أيضا من أشكال الحساسية المذكورة مع الوشم الحساسية الضيائية بمعنى أن الحساسية تثار إذا تعرض مكان الوشم للشمس وهذا مهم خاصة بالوشوم على الذراعين أو اليدين أو على الجذع. وهذه الحساسية تشاهد خاصة في اللون الأصفر.
4- نادراً ما تظهر أمراض جلدية معينة أو تشتد مكان الوشم مثل الصدفية، الحزاز، الافرنجي.
العلاج
غالباً ما يكون سبب الرغبة في إزالة الوشم هو عدم الرضا عنه، لأسباب اجتماعية كما ذكرنا سابقاً كالتقدم في العمر والنضج وعدم تقبل الوشم لا سيما في مجتمعات محافظة كمجتمعنا، أو لقناعات دينية فالوشم كما هو معروف محرم في العقيدة الإسلامية.
الحل الأمثل في هذه الحالات هو إزالة الوشم بالليزر.
تحتاج إزالة الوشم بالليزر إلى عدة جلسات حيث تعتمد على الصباغ المستخدم، عمقه وكثافته، والأغلب أن الوشم الاحترافي، Proffessional Tattoo يكون أصعب ويحتاج عددا أكبر من الجلسات خاصة إذا كان مؤلفاً من مزيج من الألوان.
الليزرات المستخدمة تتضمن Q Switched Nd-YAG - Q Switched Alexandrite ويقوم مبدؤها على تفتيت جزيئات الصباغ إلى أجزاء صغيرة جداً يمكن للكريات البيض فيما بعد أن تتخلص منها وتبتلعها.
يحتاج المريض إلى وضع كريم مخدر موضعي قبل الجلسة بحوالي ساعة وإلى استخدام معالجات موضعية بسيطة بعد الليزر كمرهم مضاد حيوي لمنع العدوى الجرثومية وليس هناك عوائق تتعلق بالصحة العامة تمنع الليزر فحتى مرضى السكري أو ارتفاع الضغط يمكنهم إجراء الليزر. قد يحدث بعد الليزر زيادة في صباغ الجلد أو نقصه وهو غالباً مؤقت يتراجع أن حدث خلال أسابيع إلى أشهر. ويمكن إجراء الجلسة التالية بعد حوالي ستة أسابيع لإعطاء الفرصة للجسم ليتخلص من جزيئات الصباغ وبالتالي نستطيع أن نقرر مدى الحاجة إلى إجراء الليزر ثانية.
الوسائل الأخرى لإزالة الوشم مثل ليزر التقشير أو الصنفرة والاستئصال الجراحي للمنطقة مع أو بدون تطعيم يتم اللجؤ لها في حال فشل الليزر السابق.
من حسنات الجراحة إمكانية إزالة الصباغ بشكل كامل خلال جلسة واحدة إذا كانت مساحة الوشم صغيرة، لكن كأي جرح سوف يترك مكانه ندبة خط جراحي، أما إذا كانت مساحة الوشم كبيرة فقد يحتاج الاستئصال الجراحي إلى عدة مراحل، أو إلى وضع طعوم، أما ليزر التقشير مثل Erbium YAG.
أو الصنفرة فيمكن اللجؤ لها إذا كانت مساحة الوشم واسعة جداً بحيث يكون الاستئصال الجراحي صعباً أو مشوهاً أو كإجراء متمم أو مساعد لليزر إزالة التصبغات والوشم لكن هذه العملية بحد ذاتها قد تتسبب بترك ندبات أو تبدلات صباغية بعد إجرائها. فيما يتعلق بالوشم القبلي وهو أكثر الأنواع مشاهدة في المنطقة يعتبر من الأنواع التي تستجيب بشكل جيد لليزر إزالة الوشم والتصبغات وذلك عبر عدة جلسات ونادراً ما نحتاج للأساليب الأخرى.