مبدأ (خربانة.. خربانة) مبدأ فاسد يوجد عند بعض الناس، فكلما اقترف أحدهم ذنباً، أو فعل خطيئة، جرَّه ذلك إلى فعل ذنوب كثيرة، حتى يصل به الأمر إلى درجة الإسراف على النفس من أنواع الذنوب والمعاصي، والانغماس في أوحال الرذيلة والفساد، بل يصل ببعضهم هذا المبدأ الفاسد إلى درجة الانحراف الكامل، والبعد عن طاعة الله تعالى. فهو بحق مبدأ خطير، من نتائجه السيئة: جعل صاحبه لا يستجيب لموعظة، ولا يصغي لنصيحة، إنما ينتقل من السيئ إلى الأسوأ، يدفعه إلى ذلك ذنوبه السابقة، ومعاصيه الماضية. ولهذا أحدهم عندما نُصح عن معصية ألمَّ بها قال: يا ليت ما عندي غيرها، والآخر قال: دعها تلحق بأخواتها، وهذا يقول: خربانة.. خربانة.
إنه مبدأ فاسد، يبعد مَن تورَّط به عن الطاعات، ويجعله يهجر القربات ويعرض عن ذكر الله تعالى، ولا شك أن معايشة المعاصي ومواقعة الكبائر مما ينقص الإيمان، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن)، فالمعاصي تنقص الإيمان، بل قد تقضي عليه، ولكن ينبغي للإنسان العاقل ألاَّ يجمع بين حشف وسوء كيل، لا يجمع بين معصية وعدم توبة، إنما يجب عليه إذا أذنب أو فعل معصية مهما كانت أن يبادر بتوبة إلى الله تعالى، وأن يجتهد على نفسه ويعوض تقصيره ويسد خلله، كما قال تبارك وتعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ). وعليه ألاَّ يقنط من رحمة الله، يتذكر الآيات التي تدل على ذلك، كقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فمهما عظم الذنب فإن الله عز وجل ذو رحمة واسعة، وسعت من قتل مائة نفس آخرهم أعبد أهل الأرض، ولكنه عندما تاب، وعاد إلى الله، أدخله الله في رحمته، وغفر له وجعله من عباده الصالحين. بل وسعت رحمة الله الذين تطاولوا على ذاته، وجعلوا له أضداداً وأنداداً، فلما تابوا وأنابوا غفر لهم، بل بدل سيئاتهم حسنات، ورفعهم بأعلى الدرجات، ورضي عنهم وأرضاهم.
فأين أنت أخي من ذلك، غرَّك مبدؤك الفاسد حتى تماديت بالمعاصي والآثام، كلما وقعت بمعصية بحثت عن أكبر منها، شربت الدخان فحلقت لحيتك، سكرت فزنيت، كذبت فتحايلت، تكبرت فظلمت، اغتبت فنممت، حقدت فحسدت، أسرفت فرابيت. إن الأجدر بك أن تستشعر عظمة من تعصي، وأن تتذكر أنه سبحانه هو غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذو الطول، ثم تتعرض لنفحاته ورحماته.
وهناك أمران يجب على المسلم ألاَّ يغفل عنهما مهما كانت حاله، ومهما بلغت ذنوبه ومعاصيه، وما هما إلا علاج ناجع، ودواء نافع. الأمر الأول: الصلاة، فلا ينبغي لمسلم أن يتركها مهما بلغ إجرامه وآثامه، ومهما ساءت ذنوبه ومعاصيه؛ لأن الله عز وجل يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)، فإذا أقيمت الصلاة على حقيقتها فهي كما قال عز وجل لا فحشاء ولا منكرات.
وأما الأمر الآخر فهو مجالسة الصالحين، وأعني بالصالحين الذين في مجالسهم تحيا القلوب، وتستنير العقول، وتحف بالملائكة، وتكون مهبطاً للسكينة والرحمة. أما الذين يدعون الصلاح وظاهرهم كذلك، ولكن في مجالسهم القيل والقال، أو التهريج أو التهييج، أو النكت السمجة، أو شركات الأسهم ومؤشراتها، أو نحو ذلك، فالسلامة لا يعادلها شيء، يقول تبارك وتعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
(*)حائل - ص ب 3998 |