قال ابن حمدون في تذكرته: وكان أبو الهندي، وهو عبد المؤمن بن عبد القدوس بن شيث بن ربعي الرياحي، عجيب الجواب، فجلس إليه رجل مرة يعرف ببردين المناقير، وكان أبوه صلبا في حرابة، والحرابة عندهم سرق الإبل خاصة، فأقبل يعرض لأبي الهندي بشيء، فلما أكثر عليه قال أبو الهندي: أحدهم يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه تذكرت هذا المثل العربي بعد لقاء وزير خارجية قطر المفبرك في قناة الجزيرة التي تطل في الأزمات كالأفعى لتنفث سمومها على جيرانها بخبث وعمالة وتعريضه بدول قدمت تضحيات سياسية واقتصادية كبيرة في الصراع العربي الإسرائيلي وهي مصر والأردن والسعودية وتأسفت كثيراً على مبدأ الصيد في الماء العكر، والتشكيك في نوايا الأشقاء ومحاولة بحث الصغير عن مكان بين الكبار، كان اللقاء نارياً لا يليق بمرحلة الحاجة إلى ضبط الأعصاب قدر المستطاع ولسان الحال يردد قول الشاعر:
ولو أني بليت بهاشمي خؤولته بنو عبد المدان لهان علي ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني |
وأبرز ما جاء فيه:
1- اتهم فيه تعريضاً وتصريحاً السعودية بالمؤامرة على لبنان قائلاً: هناك دول سمعتها مشوهة في الإعلام الأمريكي ولدى الرأي العام الأمريكي ولها مشاكل في الكونجرس الأمريكي فأرادت تلميع صورتها على حساب دماء اللبنانيين فقاطعه المذيع تقصد السعودية فقال لا أريد أن أسمي أنا أتكلم بشكل عام..
سبحان الله العظيم، السعودية تريد تلميع صورتها بتصريح عاقل على حساب دماء اللبنانيين، أين عزب عنك عقلك أيها الوزير، ولماذا تناسيت تاريخاً طويلاً من المواقف البيضاء التي أسداها السعوديون لأشقائهم بدعم غير محدود قبل أن ترسم خريطة دويلة قطر وتصريحها الذي وصفت به عملية حزب الله بالمغامرة هو عين العقل لأنها تدرك تماماً نتائج المغامرات الخاسرة حتى وإن كانت صادرة من السنة دون تفريق بين شيعي وسني وعليك مراجعة النتائج: أدى أسر جنديين إسرائيليين إلى قتل أكثر من ألف لبناني وتشريد أكثر من مليون وأسفر القصف الاسرائيلي عن خسائر مادية فادحة قدرها وزير المال اللبناني جهاد أزعور بمليارات الدولارات.
2- تحدث الوزير عن الشارع العربي، ونسي أنه تناسى رغبة الشارع العربي حينما أقام علاقات تجارية مع إسرائيل ممثلة بمكتبها في الدوحة ضارباً بالصف العربي عرض الحائط وتناسى أن في قاعدة العديد والسيلية أكبر مستودع للسلاح الأمريكي في الشرق الأوسط ومنهما يتم تزويد إسرائيل بالسلاح والعتاد ولو كانت السعودية تسعى لتحسين صورتها لما ارتحلت منها القوات الأجنبية بعد إنهاء مهمتها وانتهاء خطر البعث إلى دويلة هي التي قدمت من أجل تأييد انقلابها غير الشرعي تنازلات إلى إسرائيل وأمريكا لتعلن تغريدها خارج السرب دائماً في كل أزمة بعيداً عن مظلة الجامعة العربية ومؤتمرات القمة الإسلامية وتجاهلاً للقرارات المصيرية مثل المبادرة العربية التي طرحها العرب في مؤتمر بيروت.
3- افترى كذباً على دول الخليج ذات المواقف الواضحة من قضايا الأمة حينما قال وكأنهم يقولون لإسرائيل خلصونا أنهوا مهمتكم بسرعة واتهمها بالتعامل مع إسرائيل تحت غطاء آخر ولا يمكن لعاقل أن يصدق مثل هذا كما لا يمكن لعاقل أن يصدق تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الكاذبة حينما بثوا مثل هذا قاصدين تشتيت الموقف العربي ويعلم جيداً وزير الخارجية أن تصريحاته في هذا الوقت مجردة من المصلحة العامة وبخاصة أن قطر نفسها مهددة من جارتها إيران عند اندلاع أي تصرف ضد برنامجها النووي وستحتاج موقفاً إيجابياً من دول مجلس التعاون والدول العربية تجاه أي تصرف إيراني ضد القواعد الأمريكية في قطر.
4- قال: (لسنا كغيرنا نتحدث أمام شعبنا كل يوم بكلام مما يفقدنا المصداقية لدى الشارع القطري...) ويكفي هذا الشارع خذلاناً أنه أصبح عنوان: في قطر ممنوع الحديث عن صلة الرحم وحسن الجوار ثم تأتي المزايدات من مسؤوليه لتشويه مواقف الإخوة وتفريق الصف وتشتيت الجهود وأي مصداقية وشفافية حينئذ لشارع تم تجريد بعض مواطنيه من جنسيتهم وهم ضاربة أعراقهم في الأرض من مئات السنين نتيجة رغبة غير مسؤولة لشخص ما.
5- قال: (هل تريدوننا في كل مشكلة عندما نحلها أن ندعوهم ثم نأخذ السيوف ونلعب العرضة وانتهى كل شيء) وهذا تعريض وازدراء لموروث عربي أصيل لأهل الجزيرة على مدى قرون وطعن في تاريخ شعوب كاملة، وهذه القصائد كانت العرب تعرض بها في ساحات المعارك تشحذ بها همم بعضها ولا عجب أن يطعن بهذا من يقضي إجازته العائلية في تل أبيب.
6- قال المذيع: (من الذي فوض السعودية ومصر والأردن لحضور مؤتمر المنطقة وهم لم يخبروا الدول العربية ولا الجامعة العربية بما حصل في مؤتمر روما) وتناسى الوزير أن الكلام في الأزمات للكبار الذين يدركون مقادير الأمور ومآلات الأشياء وتناسى أيضاً أن الدوحة لما أقامت علاقات مع إسرائيل لم تلتفت إلى رغبة الحكومات العربية والإسلامية ولا إرادة شعوبها كما أجاب وزير الخارجية السعودي حينما سئل عن هذا..
7- حينما كانت لبنان تئن تحت وطأة نيران إسرائيل في الأحداث الأخيرة قال في اللقاء المعد له مسبقاً مع المذيع: (نعم نحن نتفهم موقف الولايات المتحدة الأمريكية ووجهة نظرها بأن حمايتها لإسرائيل واجب أمريكي وليس لدينا حتى اعتراض حول هذا وقال أنا لا أدافع عن حزب الله ولا فلان ولا علتان).. وفي مقابل ذلك أكد وزير الخارجية السعودي مسؤولية تجاه لبنان العالم وحمل الفيصل أمريكا مسؤولية موقفها السلبي تجاه وقف إطلاق النار وتزويدها إسرائيل بالأسلحة قائلاً: (إن هذا الموقف لا يمثل مبادئها الداعية لتحقيق السلم والأمن الدوليين) واعتبر التحرك الدولي لا يزال قاصراً عن احتواء الأزمة في لبنان ولابد من بذل جهود مضاعفة لوقف فوري لإطلاق النار والشروع في إيصال المساعدات الإنسانية للشعب اللبناني وجدد وزير الخارجية السعودي موقف بلاده الداعم للبنان وضرورة مساعدة الحكومة اللبنانية لبسط سيطرتها على كامل التراب اللبناني وتطبيق قرارات مؤتمر الطائف للتعامل مع جذور الصراع وأكد تأييده لمطالبة الحكومة اللبنانية في اجتماع روما بإرغام إسرائيل بتحمل تكاليف وتعويض الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية في لبنان داعياً للعمل الجماعي لتقديم المساعدات العاجلة للشعب اللبناني، فماذا قدم وزير خارجية قطر من دعم سياسي واقتصادي للأشقاء!! وليتها تسكت فقط حتى لا تغطي ضعفها بالتصريحات غير المسؤولة.
8- كل عاقل يدرك أهمية التصريح السعودي البعيد عن العاطفة ولم يكن ينطلق من طائفية كما تصور بعضهم بل هو موجه لكل من يغامر ليدخل الأمة في حروب خاسرة ونتائج باهظة حتى وإن كان من أهل السنة تحت أي سماء وفوق أية أرض وهذا ما تمليه على السعودية المسؤولية التي هي أكبر من قطر وحزب الله ومغامراتهما وبخاصة أننا في هذا الشرق الأوسط قد دفعنا بسببها الكثير الكثير، وما واقع العراق وإيران وسوريا ولبنان وفلسطين عنا ببعيد، ويكفي أن الخسائر المادية والمعنوية بسبب المغامرات تثبت ذلك، فتعالوا إلى ما نشر في وسائل الإعلام في اليوم الثامن عشر للحرب: أدت المواجهات بين إسرائيل وحزب الله اللبناني حتى مساء أمس السبت إلى مقتل 453 شخصاً في لبنان، بينهم 382 مدنياً و29 عسكرياً وشرطياً و32 مقاتلاً من حزب الله بينهم مسعفان وستة من مقاتلي حركة أمل الشيعية، إضافة إلى مقتل 51 شخصاً في إسرائيل (18 مدنياً و33 عسكرياً).
كما قتل أربعة مراقبين تابعين للأمم المتحدة وأصيب خامس بجروح ومنذ بداية العمليات العسكرية أصيب في لبنان أكثر من 800 مدني بجروح. كما أصيب 81 جندياً وشرطياً بجروح بحسب تعداد أعدته وكالة فرانس برس استناداً إلى معلومات الشرطة والمستشفيات وجرح 373 شخصاً في إسرائيل ولا تتوافر أي معلومات عن عدد الضحايا الذين سقطوا في القصف المستمر للضاحية الجنوبية ويوجد ما لا يقل عن 65 جثة تحت الأنقاض في قرى منطقة صور يتعذر انتشالها حالياً بسبب كثافة القصف الإسرائيلي.
وأسفر القصف الإسرائيلي عن خسائر مادية فادحة قدرها وزير المال اللبناني جهاد أزعور بمليارات الدولارات ونجمت الخسائر عن عمليات تدمير أبرزها:
- مواقع عسكرية: مقر عام (بنت جبيل)، ثكنات (الجمهور وكفرشيما)، مركز استخبارات عسكرية (العبدة)، قواعد بحرية (مرفأ طرابلس ومرفأ بيروت)، قواعد جوية (رياق والقليعات)، كل محطات الرادار (وفق إسرائيل)، مخازن أسلحة.
- مؤسسات حزب الله: مقار عامة، منازل، مكتب حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ومبنى مجلس الشورى والتعاونية الإسلامية في ضاحية بيروت الجنوبية، مكتب مسؤول حزب الله في جنوب لبنان الشيخ نبيل قاووق في مدينة صور، مقرات حزبية (بعلبك، شمسطار)، (مؤسسة الشهيد) وهي مؤسسة إنسانية في بعلبك، (مدرسة الهداية) و(مركز الإرشاد الزراعي) في بعلبك.
- أماكن عبادة: جامع الإمام علي (بعلبك)، حسينيات عدة.
- مواصلات: جسور (مئة جسر على الأقل) طرق سريعة (في جنوب وشرق لبنان، الطريق الدولية بين بيروت ودمشق)، مطار بيروت الدولي، مرافىء (بيروت، جونية، طرابلس).
- عشرات آلاف المباني والمنازل (جنوب لبنان، الضاحية الجنوبية الشيعية لبيروت، منطقة بعلبك وشرق لبنان).
- أكثر من 450 شاحنة عادية وشاحنة نقل كبيرة وفق الإحصاءات الأولية لنقابة النقل البري، محطات للوقود، محطات كهرباء، خزانات مياه وخزانات للوقود في مطار بيروت.
- عشرات المصانع (جنوب شرق بيروت، جنوب لبنان، سهل البقاع) من أهمها (ليبان ليه) الذي يعد من أكبر مصانع مشتقات الحليب.
- مزارع ومن أبرزها (تنمية) ثاني مرزعة لتربية الدجاج في لبنان. فقد أدى القصف الاسرائيلي لمراكزها في شرق لبنان وجنوبه وانعدام اليد العاملة إلى نفوق (90 طناً من الدجاج) كما أكد مالكها موسى دو فريج.
- محطات إرسال تلفزيوني وإذاعي وهوائيات للهاتف الخلوي.
وتحدثت محطة (تيلي لوميار) التلفزيونية الدينية التابعة للكنيسة الكاثوليكية عن خسائر لحقت بها قدرتها بنحو مليون ونصف مليون دولار بين معدات ومنشآت، كما توقف بثها بنسبة 50 في المئة.
أرأيتم ما فعلته المغامرة باختصار والله من وراء القصد.
|