أخذ لبنان زمام المبادرة مدعوماً بإجماع عربي، وتقدَّم خطوات نحو السلام من خلال تعهده بنشر 15 ألف جندي من جيشه في الجنوب متوافقاً بذلك مع سياساته ومع المطالبة الإقليمية والدولية ببسط سيادة الدولة على كامل الجنوب. والخطوة تعتبر من أهم خطوات الحل، وتعبر بطريقة عملية عن نزوع لبنان القوي نحو التسوية بعد هذه الحرب الشرسة التي لا تفتأ إسرائيل خلالها ترتكب المجازر تلو الأخرى حتى باتت تعرف بامتياز بحرب المجازر.
وعشية اجتماعات وزراء الخارجية العرب ارتكبت إسرائيل عدة مجازر، على رأسها مجزرة قانا، وبعد قليل من مغادرة الوزراء العرب بيروت كانت الشياح تحت النيران الإسرائيلية معلنةً عن مجزرة جديدة راح ضحيتها العشرات، وبين الاثنتين حدثت الكثير من الفظائع.
هذا المعايشة من الوزراء العرب للشأن اللبناني وإن كانت لفترة وجيزة جدَّدت عزمهم بضرورة إنقاذ لبنان من هذا الجنون، وهم كانوا أصلاً قد حوَّلوا هذا العزم إلى أفعال حقيقية من خلال دعمهم للنقاط السبع التي تقدم بها رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة من أجل التسوية، وشرعوا على الفور في جهود على عدة محاور، منها إرسال وفد إلى الأمم المتحدة لمحاولة تعديل مشروع القرار الأمريكي - الفرنسي حتى يتواءم مع الطرح اللبناني المتمثل في النقاط السبع، كما تشمل الجهود العربية العمل باتجاه قمة عربية اقترحتها المملكة لتنعقد في مكة المكرمة من أجل إيجاد المزيد من الزخم للسلام اللبناني وعلى أعلى المستويات.
وكان مهماً أن يتحقق مثل هذا الإجماع في الظروف الدقيقة، كما كان مهماً أن تتبلور الجهود العربية وتأخذ هذا الشكل العملي الفوري، وهو أمر يعكس مسؤولية عالية تتناسب مع خطورة الأهوال التي يكابدها لبنان، فقد ظهرت الدول العربية بصورة متضامنة قال الكثيرون: إنها ينبغي أن تكون هي السائدة دائماً وأبداً، فمثل هذا الإجماع والتحرك العربي الفوري هو ما افتقده طوال سنوات المحيط العربي، فقد كانت السلبيات تطغى وتطيح بكل إنجاز جماعي، بل تحول دون ظهوره على أرض الواقع.
ويتعيَّن الآن الانتظار لرؤية ردود الفعل الإسرائيلية والدولية تجاه هذا المجهود الجماعي، فقد نادى الجميع إسرائيليون وقوى دولية ببسط سيادة الدولة اللبنانية في الجنوب، وهاهو لبنان يقدِّم هذا المطلب مسنوداً بدعم أشقائه العرب وباستعداد من قِبل المقاومة للتجاوب مع مقتضيات بسط السيادة.. وستثبت الأيام القليلة القادمة ما إذا كان العالم بالفعل راغباً في السلام.
وبالنسبة لإسرائيل فمن الواضح أنها تريد أن تلحق المزيد من الدمار بلبنان، كما تريد أن تتشفَّى من هذا الشعب الذي لم تزلزله كل أسلحتها المتفوقة ولم تزحزحه عن مواقفه، بل إن هذا القصف اليومي وتدمير المنازل على الرؤوس لم يزِدْهُ إلا تصميماً على الصمود.. ويتعيَّن على العالم أن يثبت أنه مع السلام من خلال ردع إسرائيل عن هذه المجازر ودفعها نحو طريق التسوية والاكتفاء بالمهلة التي هيَّأتها لها الدول الكبرى وتمكنت خلالها إسرائيل من تدمير لبنان بينما بقي إنسانه صامداً مستمراً في إذهال إسرائيل وبقية العالم بهذه القدرة على التواصل مع الآخرين بل وابتدار الحلول من أجل السلام.
|