Wednesday 9th August,200612368العددالاربعاء 15 ,رجب 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

التحليل السياسي في خطب الجمعة التحليل السياسي في خطب الجمعة
محمد بن عبدالعزيز الفيصل

لم تعد الكثير من خطب الجمعة مفعمة بالروح الدينية الصادقة المتحررة من الأهواء الشخصية المتغلغلة في نفس مطلقها.. كما كانت سابقاً، فالحديث عن الموضوعات السياسية الدقيقة (الحساسة).. وتحليلها والفصل فيها (عبثاً) من دون أن يكون هناك أي خلفياتٍ علمية أو ثقافية أو سياسية أو حتى أقل مستوى من الوعي (الفكري) الذي يحتاجه المتحدث وخصوصاً في مثل هذه المواقف الخطابية التي يتمحور فيها الحديث -في الغالب - عن الموضوعات الدينية أو التي تتلخص فحواها في مسألة (الوعظ) الديني، الذي نحتاجه بين الحين والآخر، وذلك لشحذ الجانب الإيماني المشرق فينا، فمشاغل الحياة وأعباء المعيشة قد تُنسي المرء بعض واجباته الدينية.. فيحتاج إلى من يوقظه ويحفز فيه جانب الخير.
كنت وما زلت أتعجب من بعض (خطباء الجمعة) الذين سخروا هذا المنبر الإيماني الجليل لخدمة أفكار أفضل ما يمكننا أن نقول عنها إنها أفكار (غير سوية) لا تتناسب مع طهر المكان أو روحانية الزمان، والمشكلة أن بعض هؤلاء يلقون أفكارهم بأسلوبٍ هجومي (كاسر) وكأنهم يريدون من المتلقي أن يستقبل هذا الكم الهائل من الأفكار المشوشة والمبعثرة رغم أنفه، فالخطيب من هؤلاء حتى لو ارتكب أفدح الأخطاء وأكثرها جرماً لا سبيل للرد عليه أو إيقافه إلا بعد أن ينتهي من إفراغ ما لديه من (الشحنات السلبية) المفعمة بروح الانتقام والتشهير.. ولا يمكنني الزعم بأن الأمر قد يقف عند هذا الحد فقط، فقد تجاوزه بمسافات بعيدة وخطواتٍ شاسعة.. فالخوض في القضايا السياسية المعاصرة بأساليب انفعالية غير منطقية ولا معقولة وربطها بالجانب الديني من خلال الحكم على الأفراد والجماعات والمؤسسات والزعماء بأحكام شرعية حاسمة ومقننة وهي إلى جانب كل ذلك (نهائية) لا سبيل فيها للمراجعة أو حتى للمناقشة والتعديل.. وتتلخص جميع هذه الاتهامات والتهم المتنوعة في شيء معين وهي أن كل واحد من هؤلاء (الخطباء) يفصل هذه التهم والجرائم بأسلوبه وبطريقته الخاصة التي تتناسب وفهمه للأحداث والوقائع.. أما عن طريقة وصولها له.. فحدث ولا حرج ، فهذا سمع هذه الأحداث، عن طريق أو برواية فلان من الناس, وذاك سمعها في أحد المجالس (غير الموثوقة)، لأن كثيراً من هؤلاء لا يشاهدون الفضائيات ولا يقرؤون الصحف لأسباب كثيرة ومتنوعة لا أرى أن هناك داعياً لذكرها أو (تفصيلها)، وأضف إلى ذلك أنهم لا يملكون أقل أو أدنى مستوى من الوعي (السياسي) فأغلبهم معلمون في التعليم العام, إما في المرحلة الابتدائية وإما المتوسطة وإما حتى الثانوية وهم في الغالب خريجون لكليات تربوية بحتة ليس لها أي علاقة لا من قريب أو بعيد بالموضوعات التي يتحدثون عنها.. فيحدث بعد ذلك اللبس والتخبط والافتراء.. ولا يزال في ذهن ذلك الخطيب الذي كرس خطبته للحديث عن العلاقة السياسية بين دولتين أوروبيتين واسترسل في ذكر مصالحهم مع الولايات المتحدة الأمريكية وأثر ذلك في الإسلام والمسلمين.. ولكم أن تتخيلوا الأخطاء الجسيمة في المعلومات والتخبط في ذكر الأحداث والدخول في النوايا.. مع أن ذلك الخطيب معلم في التعليم العام وخريج كلية تربوية وبعيد كل البعد عن الأحداث والتحليلات السياسية.
إن خطبة الجمعة لها آداب ولها سنن بيّنها لنا الشارع الحكيم، فهذه الخطبة يحضرها الصغير والكبير وتسمعها النساء وهي إلى جانب كل ذلك شعيرة دينية جليلة لها وظيفة معينة وقد يحتج البعض بأن المساجد كانت في السابق مكاناً للعلم والدين والسياسة وللأدب، في السابق لم تكن هناك وسائل إعلام من صحف وتلفاز وإذاعة، فكان المسجد من أكثر الأماكن التي يجتمع فيها الناس بشكل إلزامي بحكم أداء الفريضة.. إذاً فهي دعوة صادقة لكل الخطباء إلى أن يعطوا خطبة الجمعة حقها بما يتناسب مع قدراتهم وحدود معرفتهم بأمور الحياة الاجتماعية وعدم الانجراف مع التحليلات السياسية في مجالس العامة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved