Monday 28th August,200612387العددالأثنين 4 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"عزيزتـي الجزيرة"

تعقيباً على الشيخ ابن منيع تعقيباً على الشيخ ابن منيع
التعسر في ولادة الهلال هو السبب

اطلعت على تساؤل فضيلة الشيخ عبدالله المنيع عضو هيئة كبار العلماء في الجزيرة حول عدم مكث الهلال رغم ولادته أو مكثه رغم عدم ولادته، وأشكر فضيلته الشكر الأجزل على اهتمامه المتواصل بالمسائل المتعلقة بحياة الناس كالاقتصاد ومسألة رؤية الأهلة وما ينتابها من فوضى الشهادة حيث استفاد من مقالاته المتواصلة جمع غفير من الناس الأمر الذي جعل ذكر الشيخ يطغى على الجميع لأن ما يستدل به الشيخ قائم على الإقناع فله منا جزيل الشكر والعرفان وأما ما يتعلق بموضوعي هذا فأقول لم تعرف مشكلة رؤية الهلال أي تطور يذكر خلال القرون العديدة التي تلت عصر الحضارة الإسلامية حتى انبزغ فجر القرن العشرين وبالضبط سنة 1910م التي تلت عصر الحضارة الإسلامية فقد قام الباحث فوذرنغهام باقتراح معيار جديد للتنبؤ بالرؤية العيانية للهلال وبعد عام قام بعده الباحث موندر بتقديم معيار جديد آخر للرؤية وكانت لهذين المعيارين خاصية هامة وأساسية مشتركة مع معايير علماء المسلمين وكانت كلها مبنية على اعتبارات فلكية وهندسية محضة أي أنها تقوم على علاقة وطيدة بين كل من الهلال والشمس والمشاهد الموجود عند مكان ما على وجه الأرض فكان الضابط ينص على شرط يتلخص بما يلي (سيتمكن المشاهد من رؤية الهلال الجديد إذا توفر شرط هندسي بين الهلال والشمس والمكان المعتبر).
وفي عام 1977م أحدث الباحث الأمريك فرانس براون من مرصد الجامعة الأمريكية ببيروت تطوراً نوعياً ومبدعاً في غاية الأهمية حيث تطرق إلى الرؤية من منظور فلكي وفيزيائي فركز على التضارب الذي يقع بين سطوع الهلال وسطوع السماء الزرقاء والذي يجب أن يفوق التضارب الأدنى الذي يستطيع البصر أن يدركه. ففي هذه النظرية الدبران ويغربان بعده فكان هذا مثار تساؤل لأنه من المفترض أن يغرب نجما الانيسين قبل الدبران لأنهما أشرقا قبله وسبب ذلك هو البعد الزاوي بين الانسين والدبران وتحث هذه المشكلة بي الجرمين السماويين إذ بلغ 10 درجات فما فوق لأن الأفق محدب، ومما ينبغي الإشارة إليه أنه كلما زاد البعد الزاوي بين الجرمين كلما زاد المكث.
وأما بالنسبة إلى الشمس فإن مقدار ميلها الاستوائي يتراوح 23.5 درجة جنوباً إلى مثلها شمالاً على مدار السنة الشمسية ولهذا نجد أن موضوع شروقها وغروبها يختلف من يوم إلى يوم على طول السنة، ولما كان القمر يتبع الشمس بالنسبة إلى دائرة البروج ثم يزيد عليها كذلك لعدم ثبات خط عرضه السماوي فإنه يصير أسرع تغييراً لميله الاستوائي من الشمس وبالتالي لا يثبت له موضع واحد في الشروق أو ميله الاستوائي مثل مقدار الميل الاستوائي لها.
وتأثير العرض على زمن الغروب يتناسب طردياً مع مقدار خط عرض المكان وهذا التأثير معدوم عند خط الاستواء الأرضي ثم يزداد مقداره كلما زاد خط العرض الأرضي.
وفيما يلي بحث تفصيلي لرصد الأهلة:
لا يلجأ العالم الفلكي إلى علاقة هندسية بين مواقع القمر والشمس والمشاهد بل إلى علاقة رياضية تقارن بين التضارب الضوئي الموجود عند الزمن والمكان المعتبرين وبين الحد الأدنى من التضارب الذي يمكن للعين التقاطه.
وفي عام 1984م قام العالم المسلم الماليزي محمد إلياس باقتراح معيار جديد حاول فيه أن يوحد بين المعايير الفلكية والهندسية السابقة، وبين نموذج براون الفيزيائي فتولد عن ذلك خط التاريخ القمري وهو الخط الذي يفصل بين المواقع التي تؤرخ باليوم وتلك التي تؤرخ بالغد وإمكانية ترائي الهلال.
وفي عام 1988م اقترح الباحث الأمريكي برادلي شيفر من وكالة ناسا نموذجاً جديداً ومبتكراً اعتمد فيه طريقة مماثلة لطريقة براون إذ قرر بأخذ كل العوامل بعين الاعتبار الفلكية والفيزيولوجية والطقسية وكذلك الظواهر الفصلية.
وهكذا تطورت الدراسات الفلكية لرصد الأهلة تدريجياً ساعدهم في ذلك التطور السريع والمريع لأجهزة الرصد حيث أصبحت تعمل على أجهزة (جي بي س) دون تدخل العنصر البشري في تسييرها وكانت عصارة هذه البحوث المبنية على المشاهدات العينية في حيز القواعد العلمية منذ أعماق التاريخ تقضي إلى أن سطوع القمر يكون مستحيلاً عندما تصغر زاوية البعد الزاوي عن 5 درجات لأن القمر يدخل في ظليل الأرض ويقوم غلافنا الجوي بنشر نور الشمس (راجع كتاب إثبات الشهور الهلالية ل د. نضال قسوم ومحمد العتيبي ود. كريم مزيان).
وتوصلوا أيضاً إلى أن القمر لا بد له من أن يستتر وأن يكون في حيز شعاع الشمس في مدة تطول وتقصر لكنها لا تنعدم والمشاهدات عبر التاريخ التي بلغت حد التواتر تبين أن الاستتار قد يدوم يوماً أو يومين ولا أقل من ذلك. فأصبح التنبؤ في رؤية الأهلة في متناول الجميع بما منه الله على البشرية بأجهزة الرصد الفلكي المقترنة بالحاسب الآلي وما ورد من رؤية البعض المخالفة للسنن الكونية أخبار آحاد لا يعتد بها ولا يسعفها الواقع الرصدي والعلمي.
وفي العصر الراهن اتفق علماء الفلك وعلماء الشريعة في مؤتمرهم على أن تكون إحداثيات مكة المكرمة منطلقاً لحسابات التقاويم الإسلامية شريطة أن يولد الهلال قبل مغيب الشمس وأن يغرب القمر بعد الشمس على أفق مكة وهذين المعيارين هما ما يقوم به تقويم أم القرى السعودي منذ عام 1420هـ وتقويم العجيري الكويتي وتقويم الأنصاري القطري وتلوح في الأفق بوادر اعتماد ذلك على بقية التقاويم الإسلامية.
وبعد هذه المقدمة سأحاول تقديم شرح مبسط ومن ثم حتى نهيأ الأرضية الصلبة لفهم الاستشكال فلو صرفنا النظر عن الحركة الظاهرية للشمس والقمر وسائر الأجرام السماوية الناتجة عن دوران الأرض حول محورها التي نرى بسببها الأجرام تطلع وتغيب كل يوم لوجدنا أن الشمس والقمر في حقيقة الأمر يسيران في اتجاه الشرق بمقدار درجة تقريباً كل ساعتين بالنسبة للقمر ودرجة تقريباً كل أربع وعشرين ساعة بالنسبة للشمس مما يجعل القمر في سباق دائم مع الشمس.
والقمر دائم السباق بسبب حركته السريعة بالقياس لحركة الشمس فهو يلحق بالشمس مرة كل شهر واثنتي عشرة مرة كل سنة، أي بمقدار عدد الشهور الهجرية في العام نستشف من هذا أن الشهر يتحدد بثلاثة أجرام سماوية هي القمر والأرض والشمس فالأرض تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض ويواجهها بوجه واحد وضوء الشمس يسقط دائماً على النصف من سطح القمر ويظهر لنا بأشكال مختلفة، فإذا صار بين الأرض والشمس في نهاية كل شهر قابلنا بوجهه المعتم ويسمى حينئذ بالمحاق، وإذا صارت الأرض بينه وبين الشمس في منتصف الشهر القمري قابلنا بكل وجهه المضيء وسمي حينئذ بدرا، وفيما بين هذين الوضعين فهو في التربيع الأول في نهاية الأسبوع وبداية الأسبوع الثاني من الشهر، وفي نهاية الأسبوع الثالث وبداية الأسبوع الرابع يسمى بالأحداب. وهكذا تتوالى أشكاله في كل شهر قمري. والجزء المضيء من سطح القمر ليس 180 درجة تماماً بل إن هذه القيمة تزيد 32 دقيقة لأن حجم الشمس يزيد كثيراً جداً عن حجم القمر. وهي تزيد في فصل الشتاء وتقل في فصل الصيف فتصل ويفصل ما بين ما يرى من سطح القمر وما لا يرى دائرة الرؤية وبين الجزء المضيء والجزء المعتم دائرة النور، وتنطبق هاتان الدائرتان على بعضهما مرتين في الشهر القمري، إحداهما في الابدار والأخرى في الأسرار. وإذا تقاطعتا بزوايا مختلفة كونتا أوجه القمر سابقة الذكر والجزء المشاهد من نور القمر في هذه الأحوال هو قوس النور وعندما يكون القمر في المحاق في نهاية الشهر يقال أيضاً إنه في الاقتران أو الاجتماع والمدة ما بين اقترانين تختلف من شهر لآخر بعوامل كثيرة.
فالاقتران هو عودة القمر إلى اجتماعه بالشمس في نهاية دورته الشهرية حول الأرض وذلك حينما يكونان على خط مستقيم عند النظر إليهما من الأرض وهذا الاقتران ينقسم إلى مرئي وغير مرئي فالمرئي عندما يشاهد القمر يحجب قرص الشمس أثناء الكسوف وغير المرئي هو أن يكون القمر منحرفاً عن الشمس فإذا وقعا على خط طول وعرض سماوي واحد حدث الكسوف وسمي اقتراناً مرئياً، وإذا كانا على خط طول سماوي واحد حدث الاقتران المعتاد ولا يشاهد الهلال إلا بعد نهاية الاقتران فمنزلة الاقتران سابقة على منزلة الاستهلال وإذا كان الاقتران تاماً تماماً فيحدث الكسوف ويتعانق القمر بالشمس وهذا لا يتأتى إلا نادراً وفي كل شهر يحدث اقتران بين الشمس والقمر ولكن ليس تاماً إذ هو أقرب ما يكون القمر من الشمس وبينهما فسحة صغيرة وهذه الفسحة لا تسمح برؤية الهلال لأن الهلال لا يرى في المحاق مطلقاً وإن حصلت رؤية فهي غير صحيحة.
فالشهر الشرعي يعتمد على أساسين وهو المعمول به في تقويم أم القرى.
الأول: أن يحدث الاقتران قبل مغيب الشمس على أفق مكة.
الثاني: أن يكون للقمر مكث.
فمن لوازم الرؤية أن يتأخر غروب القمر عن غروب الشمس فلا رؤية لقمر قد غرب قبل الشمس أو معها كما أن القمر حينئذ يكون نصفه المواجه للأرض معتماً محاقاً لا نور فيه والقمر لا يسمى هلالاً قبل ظهور قوس النور فيه فلا هلال إلا بنور ولا نور إلا بعد نهاية الاقتران علماً بأن النور لا يتخلق في جرم القمر إلا إذا توفرت فيه شروط عدة وهي:
1- ولادة الهلال وهي لحظة انسلاخ الشهر القديم وبداية الشهر الجديد فلكياً حيث يكون القمر والشمس على خط طول سماوي واحد وهي ظاهرة سماوية لا علاقة لها بالموقع الجغرافي إلا بقدر يسير جداً لا يكاد يذكر وتحدث في أية لحظة من الليل أو النهار.
2- مكث الهلال وهي المدة ما بين غروب الشمس وغروب الهلال أي فترة بقاء القمر في الأفق الغربي بعد مغيب الشمس.
3- ظهور النور في جرم القمر وهذا لا يتحقق إلا إذا بلغ البعد الزاوي بين الشمس والقمر 7 درجات قوسية.
4- خروج القمر من حيز شعاع الشمس وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت زاوية ارتفاع القمر عن الأفق الأقرب لا يقل عن 5.5 درجات قوسية.
فإذا اجتمعت كل هذه الاعتبارات فإن الهلال يكون مهيئاً للمشاهدة البصرية مع عدم الحائل.
وهناك قاعدة سائدة وهي أن القمر إذا ولد قبل غروب الشمس فسيكون له مكث وإذا ولد بعد مغيب الشمس فلا يكون له مكث إلا أن هذه القاعدة تنخرم أحياناً فربما يجهض القمر فيولد قبل مغيب الشمس ومع ذلك لا يكون له مكث أي أنه يغيب قبلها وأيضاً قد تتعسر ولادته فيولد بعد مغيب الشمس ومع ذلك يكون له مكث بحيث يغرب قبلها وهذا مركز استشكال فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع وتقويم أم القرى قد سيطر على هذا الشاذ بسن الشرطين وهما:
الأول: أن يحدث الاقتران قبل مغيب الشمس على أفق مكة.
الثاني: أن يكون للقمر مكث بحيث يغيب بعد الشمس على أفق مكة.
وإجهاض ولادة القمر أو تعسرها سببها عرض القمر إذا كان كبيراً لأن الشمس تكون دائماً منطبقة على فلك البروج إلا أن القمر قد يبتعد عنها يميناً أو شمالاً فيكون طول نهاره أطول من نهار الشمس فيتأخر في غروبه عن الشمس قبل أو يولد ويكون له مكث فاختلاف عرض القمر يجعله عند الغروب يختلف في الزمان والمكان عن زمن غروب الشمس ومكانها حتى عندما يكون المطلع المستقيم لكل منهما مساوياً للآخر فثبات مقدار الميل الاستوائي لأي جرم سماوي يجعل مكان شروقه ومكان غروبه ثابتاً لا يتغير وهكذا نجد جميع نجوم السماء. وينسحب هذا على جميع الأجرام السماوية فإذا تعاظم البعد الزاوي بين جرمين سماويين يؤثر ذلك على الشروق والغروب لكل منهما.

د. خالد الزعاق
عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك
مشرف مرصد بريدة

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved