Sunday 10th September,200612400العددالأحد 17 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

عودة إلى (عسير).. في يومٍ غائمٍ (مطير)..!! (2-2) عودة إلى (عسير).. في يومٍ غائمٍ (مطير)..!! (2-2)
حمّاد بن حامد السالمي

كنت قد غادرت أبها إلى الطائف؛ في الجزء الأول من هذا المقال؛ وأنا في الواقع؛ لم أكمل الكلام على منطقة عسير وحاضرتها المزدهرة أبها، ففي عسير المعاصرة، كل شيء يسير، والمعنى عبّر عنه أميرها الشاعر (خالد الفيصل) حين قال: (لا عسير في عسير، ولا أبها من أبها)، فالبهاء في أبها وفي عسير كلها، يتجاوز الماء والخضرة والوجوه النضرة؛ إلى ما هو روح البهاء ذاته، ففيها تتجلى صور الفروسية الحقة؛ فروسية في الشعر، وفي الفن، والإدارة، والتحدي، والإمارة.. صور حضارية فذة؛ تجدها في عسير، وتعكسها كلها شخصية ونفسية الفارس الوطني، الشاعر الفنان الأمير (خالد الفيصل)؛ الذي يرسم لك في بيت شعر واحد، صورة فوتغرافية نابضة؛ فيعيد إلى الذاكرة، منظر يوم غائم مطير بهيج في أبها:


تغنت طيور أبها.. ومالت غصون الريف
ولبس الجبل غترة بياض.. من امزونه

تأتي أبها اليوم؛ في مقدمة المدن التي يضرب بها المثل في كسب التحدي، فقد تبوأت مكانة سياحية مرموقة، وخاضت تجربة التحديث والتطوير بنجاح كبير، مع حفاظها على خصوصيتها الجغرافية والعمرانية والتراثية، ومع هذا؛ تشعر وأنت فيها، أنها غير قانعة بما وصلت إليه، فكأنها تترجم قول شاعرها وأميرها:


ما أحب أنا المركز التالي
الأول.. أموت وأحيا به..!

تبدو أبها - عاصمة الجنوب - بطابع معماري تراثي فريد، يظهر ذلك بوضوح؛ في الأشكال المعمارية، بألوانها المتداخلة الزاهية، وكأنها لوحات سريالية بديعة. فقد احتفت بالفن المعماري الحديث؛ وارتفعت عماراتها الشاهقة على جوانب شوارعها الفسيحة، غير أنها من تلك المدن التي أدركت قيمة ماضيها، فتنبهت لمكانة موروثها، فحافظت عليه قدر إمكانها، وهذا كان - من وجهة نظري ? من أهم التحديات التي كسبتها هذه المدينة، فحققت به قدراً عالياً من التزاوج والتناغم بين جماليات الماضي، وفنيات الحاضر، وتطلعات المستقبل، وفي هذا الاتجاه؛ يقول أميرها الشاعر المبدع في واحدة من أجمل (تنظيراته) الإنسانية: (لأبها القديمة في نفسي؛ مذاق فطري، لا يقل متعة عن مذاق أبها الحاضرة.. جئتها قبل ربع قرن؛ بحكم العمل، وسرعان ما أسرني جمال طبيعتها، وطيب عشرة أهلها، فتحولت علاقة العمل؛ إلى علاقة قلبية، أعطيتها عن طيب خاطر؛ فبادلتني العطاء وفاءً وإلهاماً، وهي في قصيدتي ولوحاتي؛ كما هي في قلبي، تعبير عن الحب المتبادل).
ويتمثل هذا التناغم الشاعري في التطوير والعمران والتنمية - على سبيل المثال - في قرية المفتاحة التي شيدت بأسلوب حديث، ومواد معاصرة، ولكن بتكوين أصيل، يعكس روح وبهاء العمارة المحلية في عسير.
ظلت المفتاحة سنوات طويلة؛ وهي لا تزيد عن كونها حياً سكنياً قديماً غير آهل، وعندما جاءها (المفتاح)؛ أميراً وشاعراً ورساماً؛ قبل أكثر من ثلث قرن؛ نفث فيها حياة القرية التراثية الثقافية الفنية التاريخية، فتحركت تسابق الريح، بملامح جغرافية أصيلة؛ وسمات تاريخية عريقة، فأصبحت حاضنة للفنون التشكيلية والغنائية والموسيقية والمسرحية والتصويرية، ومنتجة للصناعات المحلية والحرف اليدوية والمهنية، ومحفزة على التطوير السياحي، وداعية لنشر ثقافة التسامح، ومحرضة بكل شموخ وإباء؛ على حب الوطن وخدمته في كافة المجالات.
إن قرية المفتاحة التراثية اليوم؛ تضم اثنا عشر جناحاً للأنشطة الثقافية، في كل جناح مرسم، وغرفة نوم، ومطبخ، وحمام، وجلسة خارجية. وفيها ثلاثة عشر محلاً تجارياً للمنتجات العسيرية، ومكتبة لعرض احتياجات الفنانين، وصالة لعرض لوحات الرسامين من داخل القرية وخارجها. إلى جانب صيدلية وعيادة، ومطعم ومقصف، ومقر إدارة للمشروع، ومقر آخر لإدارة التنشيط السياحي، وقاعة عرض فيها ألف مقعد، وحول القرية حدائق غناء، وجلسات ومواقف سيارات.
لو لم يكن في أبها سوى قرية المفتاحة لكفاها، فهي مؤسسة ثقافية بارزة، اكتسبت شهرة فائقة في اهتماماتها بإبداعات الشباب، وتكريمهم وتشجيعهم، وتحقيق بعض طموحاتهم، وتقديمهم إلى الأضواء، كما لم تفعل أي مؤسسة أخرى في المملكة، فقد أبرزت على مدى سنوات خلت، كفاءات وطنية جيدة؛ في الفن التشكيلي والموسيقي والغناء، إلى جانب الشعر والنثر والمسرح.
وقبل أن نغادر قرية المفتاحة ومهرجانها السنوي الشهير، نلحظ عنايتها بتسليط الأضواء على المبرزين في مناشط ربما لا نسمع ببعضها إلا في عسير، فهي تمنح شهادتها إلى من يستحقها ممن يخدمون وطنهم في مجالات أوسع، لتشمل إلى جانب الأدب والشعر والأعمال الإبداعية؛ الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، وتكرم الرياضيين والمذيعين والمخرجين، وتكرم كذلك المحافظات و المرافق الإدارية، والمؤسسات الخاصة، ومشايخ القبائل والمسؤولين.
إن عملية التحديث والتطوير في هذا الجزء الجميل من التراب الوطني النفيس - عسير - لم تسقط من حساباتها الكثيرة والمعقدة، المقومات الجغرافية، والتراثية، والآثارية، والتاريخية، والاجتماعية، وهذه كما أرى؛ من أهم خصائص التنمية الحضرية في المدن العسيرية، وبخاصة أبها. بل هي من أبرز عوامل نجاحها وتميزها عن بقية المدن، فهذا (قصر شدا)، ما زال شامخاً وسط المدينة، على مقربة من مبنى الإمارة، وهذا (قصر الملحة)؛ بقي شاهداً على عصره، في ساحة البحار بوسط أبها، إلى جانب الصروح الحضارية التي أخذت تشمخ برؤوسها إلى أعلى، فأنت تستطيع أن تلحظ هذا التميز العمراني؛ في مبنى إمارة عسير، وفي المطار الجميل، الذي يوحي إليك بالبساطة والجمال معاً، وفي مبنى الخطوط السعودية، ومبنى الرئاسة العامة لرعاية الشباب، وفي مقار حديثة قامت على أسس فنية جمالية تراثية ملفتة مثل: مبنى الغرفة التجارية، ونادي أبها الأدبي، ومكتب الإرشاد السياحي، ومركز الزامل السياحي، وفندق قصر أبها، ومشروع البحيرة السياحي، ومبنى صحيفة الوطن، ومخطط المنطقة المركزية، والمسجد الحديث وسط المدينة، وقرية السودة السياحية، هذا إلى جانب قرية المفتاحة التي أصبحت تحاكي النمط الثقافي التراثي لمدينة أصيلة في الشمال المغربي، أو ضاحية قرطاج في الشمال التونسي؛ وتذكرك ببعض فعاليات مدينة جرش التاريخية في الأردن، وتمنيك ب (عكاظ أبهاوية)؛ على ارتفاع (3200 م) فوق سطح البحر.
أراني أتكلم على أبها كثيراً؛ لكني لا أتجاهل بقية المحافظات والمدن في كافة منطقة عسير، التي وصلت أخيراً إلى البحر؛ لا لتشرب منه فقط كما هي حال بقية المدن في بلادنا؛ ولكنها تبحث فيه عن فرصة جديدة لسياحة شتوية دافئة، لأبناء وبنات عسير، الذين يقضون صيفهم كل عام؛ في خدمة ضيوفهم من كل مكان، حتى إذا جاء الشتاء القارس، صوبوا نحو المياه الدافئة.
هناك ما يمكن قوله عن متنزهات شهيرة؛ في السودة، والحبلة، ودلغان، وأبي خيال، إلى جانب متنزه الأمير سلطان، وجبل أبها الأخضر، والمتاحف والمطاعم في سراة عسير وتهائمها، ومدن الترفيه والألعاب وغيرها.
في جبال عسير، وفي غاباتها ووديانها ومطرها وسحابها وبرقها ورعدها، ما يقرؤه الشعراء عادة قبل غيرهم.. يقول شاعرها وأميرها (خالد الفيصل)؛ في واحدة من لوحاته الشعرية البديعة:


أنورت سودة عسير بطلعتك
وازهرت من وطيتك خدانها
اجتمع ورد الجنوب وبسمتك
والهوى نشوان في وديانها
ما حلى مس السحاب لوجنتك
والندى سكران من ريحانها

وإذا تحولت (أبها) البهية؛ إلى رمز وطني جذاب، يداعب خيال شاعر من أبنائها؛ متيم بحب الوطن كله.. فذاك هو الشاعر السعودي (محمد بن زايد الألمعي)؛ الذي قال:


أيا أبها.. تفتش عنك عيني
وأنت.. على مدار القلب خجلى
كأن جمالك الأبدي.. روح
إذا نزعته.. نازعة تجلى
فصبي من دمائك في دمائي
فهذا الحب من دمنا.. تدلى
وليصبح سلسل الكلمات نهراً
ويخرج كل حلو منك أحلى

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved