الأمر الذي بات مثيراً للدهشة، هو ذاك المتمثل في فكرة (اللجنة).. تلك المنظومة التي غزت عالمنا ودبّت فيه دبيب المرض في كل مكان، لتستشري في ثنايا كل شيء، وتتأصل في كل جهد أو عمل.
أضحت هذه اللجنة أو تلك سبباً في كثرة الروتين، ونمو البيروقراطية، بل إن هناك ممن يدّعون النظام والتجديد والتطوير ينغمسون في أمر لجانهم الخاصة، والعامة.
تغيّرت مسمّيات اللجان وكثرت، فهناك العليا والمنبثقة وغير المنبثقة والعاملة والتمهيدية والتحضيرية، بل وحتى السرية التي لا تعرف لها سبباً أو وظيفة، والأمر يعود إلى العمل الوظيفي الذي لم يطوّر منذ أكثر من نصف قرن، فجميع هذه اللجان، الوهمي منها والظاهر هي من صنع البيروقراطية الوظيفية.
الروائي صنع الله إبراهيم أبان في روايته (اللجنة) جوانب الخلل في مثل هذه الممارسات التي لا تفيد على الإطلاق، بل نراها - عاملة أو خاملة - وقد أصبحت فرصة للانتفاع، وتذويب المطالبات، وامتصاص الغضبة تلو الأخرى، بل هي في الأساس ضياع للحقوق الصريحة، والمطالب الواضحة، وهدر للوقت والجهود.
نحن هنا لا نعمّم، فمنها ما هو مفيد وضروري، إلا أن أخطر ما في الأمر أن هذه الأوهام (اللجانية) قد تتطور، لتصبح مثل الأمراض المؤذية، والمستعصية، فتتحول وتكبر على نحو هيئات منبثقة، أو أمانات عامة، أو مجالس هامة، أو استشارات، أو عضويات لا تعرف أغراضها، أو أسباب قيامها، فلا تعميم هنا، إنما الكثير منها لا يخرج عن هذا التصور الذي يظهر أذى البيروقراطية، والترهل الإداري.
|