والحداء في مفهومه على ما أظن أنه الصوت الذي تطرب له الإبل فتجد في السير من طربها. ولهذا كثيرا من يربط ذكره بالسير بالليل.
والحداء ربما كان جزءا من زاد السفر فهو الصوت الذي يطرد الكسل عن السائر في الطريق الطويل، ويبعد شبح النوم عن عينه وهو من الوسائل المساعدة على قطع الطريق وطرد الملل والسأم من مواصلة السير وخاصة في الليل البهيم الذي يلف بصمته الفيافي والقفار ومع أنه يساعد على مواصلة السير في الطريق فهو يبعد الوحشة عن مجاهل الطريق وخاصة للمفرد في السُرى، بل إن المفرد ليجد في ترجيع صدى الصوت حينما يرفع عقيرته ما يشبه الصاحب في السفر.
والحداء كان مشتهرا عند آبائنا وأجدادنا ومحببا إليهم يوم كان الانتقال من مكان إلى آخر بواسطة الجمال والحمير وغيرها مما يطربه ويهيجه، أما في عصرنا هذا فلم يعد مهيجا لوسيلة الانتقال، فالمركبة (السيارة) أو الطائرة لا تسمع ولا تعي صوت حاد يتغنى لها وبها لكنه والمعني - الحداء - أصبح لفظة متوارثة سادت في يوم ما ثم بادت. والشعراء المعاصرون كثيرا ما يُوردونه في بعض أشعارهم تأثرا بما قرأوه من أشعار القدامى.
وأقرب مثال على ذلك ما قرأت للشاعر الدكتور نصر عبدالقادر، ضمن قصيدة له عنوانها (أغني لكم) وهو قوله:
أغني لكم ولا زاد غير الغناء به في ليالي السُرى أكتفي (1) |
(1) المجلة العربية العدد 312 رجب عام 1426هـ . |