قرأت قبل أيام خبراً مفاده أن إحدى الدول الأوروبية قررت سحب جنسيتها التي منحتها لحوالي (120) شخصاً تمتعوا بهذه الجنسية لعدة سنوات مضت من أعمارهم.. وقالت إنها تدرس أيضاً ملفات حوالي (450) شخصاً آخرين وإمكانية سحب جنسية هذا البلد من أولئك المجنسين في سنوات مضت.
** ومعنى هذا.. أن أي (إنسان مجنَّس.. أي حصل على جنسية بلد آخر.. هو عرضة لسحب الجنسية منه في أي وقت ولأي سبب.
** وكلنا عايش حال العالم بعد أحداث سبتمبر وحجم تضرر المجنسين في أوروبا وأمريكا.. وما وجدوه من مضايقات وتحرشات ومشاكل واستفزازات عنصرية.. ولم يشفع لهم أنهم وأولادهم يتمتعون بجنسية ذلك البلد.. وأنهم مواطنون يتمتعون بجنسية هذا البلد.. مثلهم مثل بقية المواطنين الآخرين.
** هناك من يفرح بأنه وُلِد له مولود في هذا البلد أو ذاك.. حيث سيتمتع بجنسية ذلك البلد الذي وُلد فيه.. وما يدري أنهم ينظرون لهذا المولود الغريب نظرة غريبة، وأنهم لا يعتبرونه مواطناً أصلياً.
** وكلنا أيضاً يذكر حدثاً قريباً.. وهو حرب لبنان الأخيرة، عندما أراد الكثير من المقيمين في لبنان مغادرة البلد.. عندما جاءت بوارج أمريكية وأوروبية لإخلاء مواطنيها من لبنان.. فتقدم بعض العرب أو اللبنانيين أو غيرهم ممن هم مجنسون وليسوا مواطنين أصليين فاستبعدوا وطُردوا ولم تشفع لهم جنسياتهم ولا جوازاتهم.. بل اكتفوا بإخلاء المواطن الأصلي.. والأصلي فقط.. أما المجنس حتى لو كان يتمتع بالجنسية منذ أكثر من مائة سنة.. أو حتى لو كان ورثها عن أبيه وجدِّه فإنه لن يُلتفت إليه وسيُعامل معاملة أخرى، وسيُنظر له نظرة أخرى.
** كم من المجنسين في أوروبا وأمريكا سُحبت منهم الجنسية وعادوا مرغمين إلى بلدانهم.. ولكن - للأسف - بعدما أساءوا العلاقة مع بلدانهم وخسروا كل شيء.
** أقول هذا الكلام ونحن نعايش حالات كثيرة في هذا العالم.. من أشخاص اكتسبوا جنسيات أخرى غير جنسية بلده الأصلي وفرح بها واستبشر وهلَّت أساريره.. وظن أن الدنيا انفتحت له.. وظن أنه مواطن (محترم) لأنه يملك هذه الجنسية أو تلك.. حتى إذا جاء حدث بسيط أو حادث بسيط فقد كل شيء.. وسُحب منه كل شيء.. وصار كغيره.. إن لم يكن أسوأ.
** إن هناك من سيرد عليَّ ويقول: كلامك غير صحيح.. وهؤلاء القوم ديمقراطيون ونظاميون ومحترمون.. ويحكمهم نظام ودستور دقيق.. ولكن الواقع يُكذب كل ذلك.
** لقد تركوا (المجنسين) يحترقون في بيروت ويموتون تحت الأكوام.. وطردوهم من العبارات طرداً وأمام الكاميرات.. ولم تشفع لهم الجوازات ولا جنسية البلد.. لأنهم ليسوا مواطنين أصليين.
** وهكذا بعد أحداث سبتمبر.. سُحبت الجنسية من بعض الأشخاص.. وبعضهم خضع للتحقيق والمطاردة.. وعُومل وكأنه مواطن أجنبي بل أسوأ.
** لقد فرح الكثير من العرب والمسلمين بجنسيات دول أخرى هاجروا إليها بأولادهم، فرحوا أنهم حصلوا على جنسيات تلك البلدان واحتفلوا بها وسعدوا بها سعادة لا يمكن تصورها، وما دروا أنها ستتحول في يوم إلى وبال.. أو هي في النهاية لا قيمة لها.
** إن كل إنسان لا يمكن أن يكون له احترام وتقدير ومكانة إلا في بلده الأصلي، مهما كان هذا البلد.. ومتى خرج من بلده انتهى قدره وانتهت مكانته.. وانتهى احترامه و(قَلَّ مِقْداره).. وعلى الجميع أن يقتنعوا بهذا، لأنها هي الحقيقة والواقع يعضدها.
** أما التشبث وملاحقة جنسيات أخرى فهو الذل بعينه.. وهو قلة القيمة وهو الضياع.. وهو كما يقول العوام (نقصان في العقل).
** كم من شخص عاد إلى بلده بعد عقود طويلة من الغربة والتجنس.. وفي النهاية اكتشف أنه لا يساوي أي شيء إلا في بلده ووسط أهله.. مهما كانوا.
** نعم.. (من خرج من داره.. قلَّ مقداره).
** وهل هناك أسوأ من شخص يُغيِّر جلده ويبيع مبادئه.. ويتخلى عن أهله وبلده؟!
|