Monday 11th September,200612401العددالأثنين 18 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

أحلام الشعراء أحلام الشعراء
د. موسى بن عيسى العويس تعليم الرياض.

معظم أدباء لبنان، وبخاصة المغتربين، كونت لديهم الحروب الدامية، والصراع مع قوى الاستعمار تجربة شعرية ثرية متميزة، تشكلت منها لغتهم، ومعانيهم، وأخيلتهم، وصورهم، وكل قافية أرسلوها من قوافي شعرهم تحكي نبض هواجسهم، ونبض أوطانهم، ونبض شعوبهم.
أدباء طالما حلموا بالوحدة، وطالما حلموا بالسلام، وطالما حلموا بالعدل، وطالما حلموا بالنصر، لكنها في الحقيقة أضغاث أحلام تغتالها اليقظة، وهكذا يغفو ويستيقظ، وبين هذا وذاك رؤى تتزاحم عليه، يقف أمامها بين مصدق ومكذب، ولا يصلنا منها غير زفراتٍ من وجدانه، يبدو وجيفها في القصيدة تلو الأخرى، إذ هي الوتر الوحيد الذي لايزال العربي يبوح من خلالها بآماله وآلامه، وأحلامه وأمانيه، مستغلاً أسلوب الرمز، والكناية، والاستعارة، والمجاز في التعبير عن الحقيقة المرة.
* لم يستطع الشاعر (زكي قنصل) أحد هذه الأصوات المغتربة الجريحة أن يكتم مشاعره، وقد تنادت بعض الزعامات العربية، لاجتماع طارئ، قبل ما يربو على ربع قرن، فانتهز المناسبة متسائلاً، ليقول:


بعد القطيعة عاد العرب فاجتمعوا
ياشاعر المجد هل باركت ما صنعوا؟
سفحتَ قلبك دمعاً في مآتمهم
فهل يصيبك في أعراسهم جزعُ؟
وكنتَ في حلبات الفخر فارسهم
فما لصوتك في الأسماع لا يقعُ؟
ألا ترى الفجر قد هلّت بشائرهُ
فأيقظت في ظلام الكهف من هجعوا؟

* ويستمر في انتهاز المناسبة، ليضمن شعره ما يراه أساساً، لاستعادة الحق المسلوب، والكرامة المهدرة، والوطن المغتصب، فلا نصر بدون إرادة، وعزة بدون قوة رادعة، ولا اجتماع بدون وحدة لاتستند على رابطة، مقللاً في ذات السياق من شأن المؤتمرات العالمية، والهيئات الدولية، والتعويل عليها في معالجة قضايا بلاده.
كل هذه المعاني يأتي عليها في قوله، مخاطباً أولئك الزعماء:


تعلّموا أن حقاً لايقوم على
شهادة السيف حقٌ ليس يرتفعُ
وأن مؤتمرات السلم سفسطةٌ
جوفاءُ تنفرُ منها العين والسمعُ
وأن من شرعوا للعدل مدرسةٌ
دكّوا بمطرقة العدوان ما شرعوا
وأن كل ائتلاف بينهم قدرٌ
وكل خُلف - وإن يستشرِ - مصطنعُ
وأن مهر العلا غال لطالبها
فليس يرقى بغير البذل مجتمعُ
وأن وحدتهم شرطٌ لقوتهم
فلا بقاء لهم إلا إذا اجتمعوا
وأن كل وعود الغرب باطلةٌ
هل ينفع الوعدُ شاةً جارها سبعُ
وأن صهيون سيفٌ في حيازمهم
لا خوفَ منه.. ولكن حين يُقتلعُ

* وكغيره من شعراء القومية العربية يتشبث بالعروبة ودعائمها، ظناً منه أنها الخيار الأوحد للخروج بالوطن العربي من مآزق الاختلاف، وأوحال الطائفية المقيتة التي عبثت تعاليمها بالشعوب، وأوردتهم موارد الهلاك، فبدون راية العروبة سيظل الوطن نهباً لمطامع الأحزاب والطوائف، ومرتعاً خصباً للأعداء، وفي ذلك يقول لائذاً بها:


إن العروبة في الأرواح راسخةٌ
مهما توالت على فرقانها بدعُ
تطوى العصورُ، ولا يطوى لها علمٌ
باللغزاة على أقدامها خشعوا

* وكلما اشتدت وطأة الغربة استبدت به كغيره نزعة الحنين والشوق إلى وطنه المنكوب، الذي غادره، بحثاً عن مرفأ آمن، يديل عنه بعض المحن والمصائب التي تكالبت عليه عاماً بعد عام، حتى أوهنت قواه ومزقتها، لكن هيهات أن تنسيه الأحداث - رغم قسوتها - ربوع وطنه الذي درج عليه في مطلع صباه، وقضى في ربوعه زهرة شبابه، لذا يلتفتُ إليه بشيء من الأسى والحرقة، والحسرة والندامة، ليقول:


لبنانُ يهفو إلى واديك مغتربٌ
لايستقرُ له في الأرض مضطجعُ
جارت عليه الليالي، واستبدّ به
شوقٌ عنيٌ، وأدمى نفسه الوجعُ
لم يغفُ قلبي مشدوداً إلى أملٍ
إلا رآه مع الإصباح ينقطعُ
سكبتُ كل طيوب الشرق في قلمي
فلستُ أعلمُ ما أبقي وما أدعُ

ما سلف واحدٌ من شعراء عدة، حملوا هموم الوطن، وقضايا الأمة، فهل بقي من أولئك السلف بقيةٌ، نروّح بأدبهم عن همومنا التي تكتظ بها صدورنا؟، وهل الأحداث الأخيرة في لبنان قادرة على استنبات أمثال أولئك؟، ربما.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved