Monday 18th September,200612408العددالأثنين 25 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

الإعلام بين إيجابية النقد وسلبياته الإعلام بين إيجابية النقد وسلبياته
الفريق سعد بن عبدالله التويجري/ مدير عام الدفاع المدني

إن من المبادئ المهمة التي ركز الإسلام عليها في تنشئته لأجياله قول الحقيقة برمتها كما هي، إذ شدد الباري سبحانه وتعالى في تجنب قول الزور، إذ قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (30 سورة الحج).
وقد قالت العرب: (اللسان بريد الجنان)، والكلمة في دين المرء وعقله ومنها تنبعث حقيقة مبادئه وغاياته، وعليها تتكئ نواياه وخبايا ذاته وبواعث باطنه، وحامل رسالة الإعلام بصوره كلها؛ المقروءة والمسموعة والمنظورة هو أذن المجتمع وعينه على الحقيقة ورسول العدالة فيه.
ولا يخفى على أحد أن علم الإعلام علم متجرد متعدد الأطراف مفتوح الحدود، وعليه ترتكز قوى المجتمعات وفرض احترامها على غيرها من الأمم.
والإعلام الناجح يفرض هيمنته وفكره واتجاهات أيديولوجياته بمدى نزاهة حملة راياته وقدرتهم على التثبت من الحقائق التي تبث من خلاله. وما من إنسان أحوج لخلال الخير وخصال العدالة من الإعلامي؛ فهو الشخص الذي يثق به مجتمعه في المهمات والمدلهمات، إذ يتوجب عليه أن يكون مؤثراً صادقاً وعدولاً ومنصافاً متثبتاً من حقيقة ما ينقله للمجتمع من وقائع وأحداث يضع الأمور في موضعها ويأخذ من الإثارة ما يكفي لتعريف المتلقي بأهمية الحدث، يتعرف بغزير علمه وعمق حكمته واتزان حلمه على حقيقة الحدث وكيفية نقله للرأي العام بالصورة التي تساعد على علاج سلبياته أو الاستفادة من إيجابياته.
فالإعلامي الناجح المتقن لوظيفته ولرسالته لديه حدس وفراسة لا تكاد تخطئ، فأكثر الناس فراسة هو أكثرهم التصاقاً بمتابعة شؤونهم وأصدقهم حديثاً وأكثرهم حلماً وأعفهم عن حقوق الناس وأنزههم تجرداً لإلحاق الحق لذاته بتجرد مطلق، وليس ثمة من إنسان هو أحق من أن يكون ملماً بأصول علم النقد وضوابطه وآدابه من الإعلامي.
فعلم النقد ضرورة ملحة ومفتاح من مفاتيح النجاح والتطور، له أصوله وأسسه وقواعده وميدانه الرحب.. ليس له حد يستخدم للخير والشر على حد سواء.
والنقد وسيلة من وسائل البناء والتطوير والإنجاز.. من خلاله تبرز إيجابيات وسلبيات أعمال وواجبات المؤسسات والأفراد، وعليه يرتكز مصعد الارتقاء بالحس الوقائي والوعي التكافلي بتدارك مدى أهمية التكافل والتعاون المتمثل في تحقيق مبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
والمؤمن للمؤمن كاليدين تنظف إحداهما الأخرى، والإعلامي الناقد المتزن الملم بأصول النقد وآدابه إعلامي ناجح يقوم بدوره القيادي بالأخذ بيد المجتمع نحو الارتقاء والسمو، ويرفع درجة الإدراك لدى المتلقي إلى مستويات رفيعة من الوعي والإدراك والإلمام بحقائق الأمور، فيصبح المواطن فرداً من أصحاب القرار ومشاركاً في البناء والإنجاز إذا ما وجد من يوصل صوته إلى مؤسساته الخدمية والمسؤولين فيها.
وعلى ذلك يصبح النقد بمثابة المرآة الصافية التي تعكس صورة الحقيقة كما هي دون تثليب أو تحسين أو زيادة أو نقصان، وكلما ارتقت المجتمعات الإنسانية من حيث الوعي والتطلع لما هو أفضل في الأداء والإنتاج لعمل الأفراد والمؤسسات ولا سيما فيما يتعلق بمستوى الخدمة المرافقية لأجهزة التعايش اليومي من مرافق صحية وتعليمية واقتصادية وأمنية ووقائية، زاد وعي الإعلام الناقد وتطور واستنار بمفاهيم النقد الإيجابي الفعال في تقديم ماهية الحدث الإعلامي بحقيقة متجردة من التضخيم أو التهميش. ونحن كمجتمع مسلم يعيش في أطر الانفتاح والعولمة تداخلت لدينا المفاهيم، وتشابكت الآراء المتعددة من حيث الخلط بين مفهوم النقد الإيجابي البناء والنقد السلبي الهدام، فالنقد الإيجابي البناء وفق ما اجتمع على تعريفه في أكثر الآراء العلمية (هو حافز للبناء وعامل تشجيع لبذل المزيد من الجهود من أجل تحسين الإنتاج في العمل، أما النقد السلبي الهدام ما هو إلا وسيلة من وسائل التثبيط ومعول من معاول الهدم ومصادرة الإنجازات والجهود بعبارات لاذعة وأساليب هجومية ساخطة).
فالشخصية المنتقدة كما عرفتها المنظمة العالمية للصحة النفسية هي: (شخصية ذات إسقاطات نفسية ترمي بإسقاطاتها النفسية على الآخرين وتسعى جاهدة لتتبع العثرات في الإنجازات، وتبحث عن الإسقاطات وتنقب عن العيوب، ولا تتورع عن الخطأ بأسلوب تهجمي للحط من شأن الآخرين والتقليل من حجم النجاح الذي تحصلوا عليه.. ولإثبات أهمية وجود كينونتها الذاتية).
والنجاح لدى هذه الفئة من الناس يقاس بالمقارنة مع الآخر المختلف في الظروف والإمكانات والقدرة والتطور مع أن الوسيلة العلمية لقياس النجاح تقاس بالمقارنة مع ذات الفرد أو المؤسسة في مستوى جودة الإنتاج قبل فترة القياس وبعده.
ونحن كمجتمع مسلم يؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً، وبالقرآن منهجاً ودستوراً أولى الناس وأحوجهم بدراسة علم النقد وأصوله وآدابه ومستجداته وتطور أساليبه، إذ يقول الله سبحانه وتعالى في محكم آياته: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36 سورة الإسراء).
والمسلم في تعريفه البسيط هو: مَنْ سلم الناس من لسانه ويده. والإسلام هو رسالة سلام للناس كافة، إذ قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (107 سورة الأنبياء).
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدوتنا وقائدنا وكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو القائل للمسلمين حينما جاء عكرمة ابن أبي جهل يريد الإسلام: (أتاكم عكرمة مسلماً فلا تسبوا أباه، فإن ذلك يؤذي الحي ولا يضر الميت). والقرآن في مجمل توجهاته وأوامره ونواهيه يأمر بالارتقاء والعلو والسمو نحو معالي الأخلاق، ويحذر من سفاسفها، وكاد القرآن يكون في مجمله تحذيراً ونهياً عن البغي والكذب والإفك والبهتان وتزوير الأمور عن حقائقها. لذا فمن منطلق كل ذلك عقيدة واتباعاً ينبغي علينا كمجتمع مسلم تبني كل رأي وكل قلم وكل صوت يتبع الحقائق ليعكسها كما هي في البناء والتطوير والإنجاز بما يعود على مجتمعنا بالنفع والفائدة، ولا سيما في المرافق الخدمية الملتصقة بمصالح الناس وتعايشهم.
ونصرة المسلم لأخيه المسلم واجبة؛ ظالم قبل أن يكون مظلوماً، إذ يقول عليه الصلاة والسلام: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. فقالوا: ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً؟ فقال: بأن تحجزه عن ظلمه). وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تكن أنت والشيطان عوناً على أخيك).
والنقد الإيجابي وسيلة من وسائل العدالة، ورد الأمور إلى نصابها والاستعادة والمراجعة للأخطاء لتداركها وسد ثلم ثغراتها.
وهذا النوع من النقد هو الذي ينبغي بث آدابه وقيمه بين أفراد المجتمع، وهي مهمة الإعلام الأولى في تبني أقلامه وأصواته.
أما إذا كان النقد على مبدأ هماز مشاء بنميم أو كما قال الشاعر:


وثبَ الثعلب يوماً وثبةً
شغفاً منه بعنقود العنب
لم ينله فقال هذا حصرمٌ
حامض ليس فيه إرب

فهذا المبدأ يتعامل مع المواقف والحقائق كتعامل قصاصة الورق، يشذب الحقيقة دون أن يتبين منها، ويردد الأقوال كبوق بواب المدينة دون أن يتثبت من وقوفها على مشارف الحقيقة، ويغرق في فن المبالغة؛ إما تضخيماً للحدث أو تهويناً يظهر الغبش ويشط عن العدل، يهول ما يهمه ويهون ما لا يهمه، يضخم الأخطاء، وقد يفتعل وجودها لا أصل له من الخطأ زوراً وبهتاناً، يلمح في اتهام النيات كتلميح ابن أُبي في قضية الإفك فيسقط غيره في وقعية الاتهام، ويسلم هو من تبعية الحساب، يصادر ببوق نقده السلبي الهادم نجاح الإنجازات، ويفتش في دواخلها عن ثلم أو ثغرة ليستهجن وليقلل في شأن النجاح فيها، وعجباً له..! فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها، وهل كان الإنسان إلا بشراً، وقد قال ذلك سبحانه وتعالى مُهوناً على رسوله - صلى الله عليه وسلم - أذى هذا الصنف من الناقدين: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً} (93 سورة الإسراء).
ومبدؤهم في النقد مبدأ قتلة عثمان - رضي الله عنه - حينما قال أحدهم: ثلاثة لله تعالى وسبعة لما في نفسي عليك. إن تصيد السقطات أو افتعال القضايا وتضخيمها ضد نجاح الأفراد أو المؤسسات تحت زعمهم الله من وراء القصد وحرية النقد وشفافية الرأي ظاهرة ما كاد يسلم منها ناجح حتى لو كان عمله بسيطاً متاحاً لمن سواه إذا أخذ بالأسباب، وهذا مخالف بالإجماع لمنهج الشريعة الإسلامية التي أمرت بالوسطية والاعتدال في كل أمر وأقرت الوسائل النافعة كلها في معالجة قضايا المجتمع، ومن مجمل ما قرأته النقد الهادف البناء الذي يوصل صوت الحقيقة إلى أرباب القرار، والقياس على هذا أن الناقد السلبي الذي يبحث عن الأخطاء ليضخمها بصورة البطل المنقذ دون أن يقدم دراسة ميدانية مدعمة بالإثباتات القاطعة على أسباب الخطأ وحصر المتسبب فيه دون تعميم وتقديم مقترحاته حيال الحلول الجذرية لمعالجة الخطأ وإصلاحه، ودون أن يتواصل مع المسؤولين عن الجهة الصادر منها ذلك الخطأ لتقديم الحقائق لهم مطالباً بعدم تكرارها، ودون أن يبذل أي جهد يتواصل به مع مجتمعه من أجل إيصال الحقيقة لهم كما هي، إنما سمع فنقل وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع).
والواجب ألاّ يعالج أحدهم أسباب قضية ما من خلال زاويته الإعلامية مقروءة كانت أو مسموعة أو منظورة، وهو بعيد كل البعد عن الواقع والحقيقة ولم يكلف نفسه التعايش مع الأحداث المصاحبة للقضية، ودون أن يترجل إلى ميدان وقائعها ليشرف بمصداقية على حقيقة الأمر الذي يعالجه يريد بذلك سبقاً إعلامياً يحقق من خلاله نجاحاً وفلاحاً، والواجب ممن جعل سلمه ومطيته للنجاح والفلاح طعنة في الغير ومهاجمته لهم، وتثليب نجاحهم ومصادرته لإنجازاتهم، ونسي أن الأصل في المسلم هو حسن الظن به وتبرئة ساحته، وإن كان متهماً حتى تثبت إدانته، ومن هذا ديدنه في النقد كلما سمع خبراً كذبه، وكلما ذكر عنده أحداً بصلاح وخير طعن فيه، وكلما سمع صيحة أذاع بها، وكلما رأى خطأً ضخمه، وكلما سمع خبراً أرجف فيه، وكلما رأى ناجحاً قلل من شأنه.. من كان هذا ديدنه فإنما هو يمشي على خطى من خالف نهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المنافقين واتباعهم، إذ كانوا أذناً لكل ما يسمع وبوقاً لكل ما يقال، ومن كانت صفاته البشرية ميالة إلى ملاحظة عيوب الآخرين وزلاتهم وسقطاتهم ليذيع بها ويشهر بهم، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو مرافق خدمية تحت أي مسمى يدعيه، ويتناسى الإيجابيات والإصلاحات والتطور في الإنجاز، ينبغي مناصحته بالعودة إلى جادة الصواب ممن يخالطونه ويتعايشون معه ويلاحظون أفعاله وأقواله ومناظرته بالمكاشفة الإحصائية لقياس مدى التطور والنجاح المدروس والملموس. وإذا كانت العقيدة الإسلامية لا تفي بالغرض في هذا الشأن عند بعضهم مع أنها المنهج الشامل الذي دقق وفصل في هذا الشأن، فإن من أقوال علماء النفس والاجتماع والإدارة والاقتصاد ما يفي بذلك، إذ يقول كار نجي في تفسير قانون السلوك الإنساني: (الاحترام والشعور بالأهمية مطلب إنساني بسيط تدور حوله سلوكيات البشر كلها، ومن ينقب عن الهفوات والأخطاء لا يستطيع أن يوفر هذا المطلب للناس). ويقول جون ديوي: (إن الرغبة في الاهتمام هي أعمق حافز في الطبيعة البشرية، وإذا وجد عيباً في إنسان ما ينبغي إصلاحه بالكياسة). ويقول وليم جيمس: (إن من الأمور التي ينبغي توافرها عند نقد الآخرين لإصلاح أخطائهم استخدام الكلمة الطيبة، وتجنب مهاجمة الأشخاص والتركيز على الخطأ وتحديده لإصلاحه بحكمة ولباقة وأدب، والحرص على عدم إدخال الحسابات الخاصة لتصفيتها من خلال تحييد الأخطاء واستخدام أسلوب التجرد للوصول إلى حقائق الأمر الذي ينتقده ومسبباته وطرق علاجه).
وقبل أن تسدل الخاتمة بستارها على أحر في المسطرة في هذا المقال، فإني من موقع المسؤولية لرجل عاش عشرات السنين بين ردهات العمل الميداني للإطفاء والإنقاذ والإسعاف، وتعامل مع صنوف متعددة من المواقف المؤلمة والأحداث الصعبة تبين من خلالها معادن الرجال ومنابت جذور أخلاقهم، فمنهم من يحمل راية الكفاح من أجل إحقاق الحق وتثبيته، ومنهم من يصطاد في الماء العكر، فيرمي حجر التهكم ليبرز هو من بين دوامات الوحل، وكثيراً ما رُمي رجال الدفاع المدني بحجارة أمثال هؤلاء، وليس دفاعاً ولا تبريراً ولا تملصاً، إنما أمانة ينبغي توضيحها في حق رجال حملوا أرواحهم على أكف كفاحهم من ضباط وضباط صف وجنود؛ كل يبذل قصارى جهده وكلفة استطاعته في محاولة الإنقاذ والإنجاز في العمل بصمت تجلد ظهورهم بسياط تهكم الآخرين.. فلا يلتفتون إلا لنداء الواجب الذي يحتم عليهم أن يكونوا مستعدين لتلبيته، ثم يأتي من يغدرهم من خلفهم بنقد تهكمي ساخر لا هدف منه ولا غاية سوى حاجة في نفس يعقوب قضاها، فعلى سبيل المثال لا الحصر: (حصل الدفاع المدني السعودي على شهادة تميز من المنظمة الدولية للحماية المدنية للتخطيط للطوارئ ومواجهة الكوارث على إثر ما تم من تطويره وإنجازه في معالجة وسائل الوقاية والإنقاذ للتقليل من الخسائر قدر المستطاع في الأرواح والممتلكات). وقد أشادت الدول المشاركة في هذه المنظمة بهذه التجربة المميزة والناجحة، ثم يأتي صوت إعلامي من الداخل يحاول مصادرة هذا النجاح ممن بذل فيه الجهد، وهو في خندق الكفاح والعمل يتصيد المواقف ليرفع عقيرته بالتهويل والتحقير والتقليل والتصغير.
ويأتي آخر متزعماً راية النقد السلبي ضد العاملين في الدفاع المدني، ويعمم ضدهم نرجسية الذات وسوء الفهم والإدراك، ثم يتبين أنه من المطلوبين في قضايا أمنية.
ومنهم مَنْ علا صوته وكثر شجبه وسخطه على كثرة تجاوزات رجال الدفاع المدني وأخطائهم المؤدية إلى خسائر في الأرواح.. ويستشهد بقضية طفل سقط في فوهة الصرف الصحي، وينسب سبب وفاته إلى تأخر إنقاذه من قبل رجال الدفاع المدني، ثم تتضح الحقيقة من ذوي المتوفى بموجب صك شرعي بعدم صحة ما ذكر في وسائل الإعلام المقروءة، ومنهم مَنْ أخذ بالمثل العربي المشهور: (رمتني بدعائها وانسلت)، إذ يتزعمون مواقف البطولة الكلامية ضد رجال يغوصون في مجاري الصرف الصحي، ويغورون في أعماق الآبار ويخوضون تيارات السيول الجارفة ويعاركون النار ويتطاولون الجبال لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح والممتلكات، فيجد الساحات العريضة التي تتناقل كلامه من صحيفة إلى أخرى ترفع له الراية مصدقاً أقواله كلها بأنه شاهد عيان! والله من وراء القصد! والله المستعان على ما يصفون، ثم يتضح أنه شخص غير سوي.
ومنهم، ومنهم، ومنهم؛ قصص وأحداث تتابع النجاح ضد المنجزين لتصادره منهم، فإذا كان صاحب رسالة الإعلام يقف بسلاح إعلامه على بوابات الإنجاز يصنف الناجحين ويميز حقائقهم ويكشف نواياهم. فالسؤال الذي يفرض نفسه على الساحة، مَنْ يقف لمثل هذا الصنف من الإعلاميين ممن جانب قصد الرمية وأبى إلا العصبية العمياء والإرجاف المستخف بعقول الناس؟ مَنْ يقف له بالحساب والمراجعة والمكاشفة إذا لم يكن متجرداً للحقيقة ذاتها دون مآرب أخرى؟ أم أن الإعلاميين فقط هم المنزهون عن الخطأ!!
وأخيراً إن من تعايش مع وقفة التميز والنجاح يعلم علم اليقين أن كل عمل ناجح يجد من خلفه من يضربه ليصادره أو يطفئ نوره مهما كان بسيطاً، ويقول محمد نوح في كتابه (شخصية المسلم): إن رغيف الخبز على صغر حجمه لا يصل إلى الإنسان إلا بعد عمل عشرات بل مئات من البشر تعاونوا على تجهيزه وإعداده وتقديمه. ومن كان في شك في ذلك، فليسأل نفسه: مَنْ حرث الأرض؟ ومَنْ بذر الحَبَّ ومَنْ سقاه بالماء؟ ومَنْ نظّفه من الحشائش؟ ومَنْ حصده وجَرَشَهُ وطحنه؟ ومَنْ نقله؟ ومَنْ عجنه؟ ومَنْ بالنار وضعه؟ ومَنْ إلينا حمله؟ ومَنْ في آخر المطاف أكله ثم انتقده؟!
وفي ذلك رسالة إلى أولئك الذين بذلوا جهدهم من أجل النجاح، فإن استوى رغيف أعمالهم مهما كانت بسيطة، يأتي المنتقد السلبي ليصادره ويأكله، أقول لهم ما قاله جوزيف ادسسن: (من الحماقة أن يفكر شخص في الهروب من النقد، ومن الضعف أن يتأخر به.. فجميع الناجحين في أي عصر مروا بهذه المضايقات المحمومة، وليس هناك دفاع ضد هذا النقد إلا أن تكون شخصاً مجهول الشأن. إن النقد متلازم مع النجاح كما أن السخرية والطعن متلازمة مع النصر). ولا يخفى على أحد أن الشجرة المحملة بالثمار الناضجة هي وحدها التي تقذف بالحجارة، فلا يرمي الحساد إلا من ساد ولا يقذف بحجر إلا ثمر.
وأقول لأولئك المتهكمين الناقدين السلبيين: إن الإنسان أنى كان لن يأخذ موضعه من الاحترام والتقدير بين الناس ما لم يضع الكلمة موضعها الذي ينبغي أن تكون فيه من العدالة والإنصاف، وقد قال الله تعالى في وصف عباده المتقين: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}. والسلام عليكم..

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved