Friday 22nd September,200612412العددالجمعة 29 ,شعبان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"أفاق اسلامية"

أيها الخطيب أيها الخطيب
رياض بن حمد العُمري (*)

لقد شرف الله يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، واختصه بفضائل مختلفة أهمها فريضة الجمعة المقيدة بهذا اليوم، والتي من خصائصها هذه الخطبة التي نسمعها قبل الصلاة.
إن المتأمل للنصوص الواردة في صلاة الجمعة ليلحظ العناية التي أولاها الشارع الحكيم لهذه الخطبة بدءاً من الحث على التبكير إليها، وإيجابه تعالى السعي إليها عند سماع النداء الثاني وأمره بترك الانشغال عنها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (9) سورة الجمعة.
ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحديث والانشغال أثناء الخطبة ولو بمس الحصى، وزجر من تخطى صفوف المصلين وقال له اجلس فقد آذيت، وأمر من دخل والإمام يخطب أن يخفف في أدائه لتحية المسجد.
إن كل ما تقدم إنما هو تهيئة للمصلين وشحذ لأسماعهم وعقولهم لفهم ما سيلقى عليهم في هذه الخطبة.
إنه من الحري - والحال هذه - على كل خطيب أن يولي هذا الأمر أهميته، وأن يعرف حكمة الشارع ومقصده في إقامة هذه العبادة، تعليماً للناس وتفقيهاً لهم بأمور دينهم ودنياهم وآخرتهم، وأعتقد أن هذا يتم من خلال عدة أمور:
أحدها: اختيار الموضوع المناسب، المناسب لحال الحاضرين، والمناسب للزمان وللمكان.
إن توفيق الخطيب لاختيار الموضوع الجامع بين تلبية تعاليم الشرع والتماس حاجات الناس وتطلعاتهم من أهم أسباب تفاعل المصلين واستفادتهم مما سيلقى عليهم وبالتالي نجاح الخطبة، إن ما يطرح في أوساط المتعلمين ينبغي أن يختلف حاله في مسجد يمتلئ بالعمالة، وجامع القرية والهجرة ليس كنظيره في المدينة.. وهكذا، إن عموم الناس وإن كانوا يشتركون في أهمية إيضاح أصول الدين وأركانه لهم إلا أنهم متفاوتون في فروع هذه المسائل، كما أن لكل مكان ومجتمع همومه ومشكلاته التي يحتاج الناس فيها لمن يبين لهم نظر الشرع فيها، كما أن لكل زمان ومناسبة ما يتعلق بها من مواضيع، ويبقى أن يبذل الخطيب جهده في مراعاة ذلك بحسن الاختيار.
ثانياً: جودة المضمون، المنطلق من أصول الشرع وثوابته، المعتمد على الأدلة الصحيحة الثابتة، الواضح في أسلوبه وبيانه، السهل في تناوله للموضوع ووصوله إلى أفهام الناس، بعيداً عن التقعر في المفردات، والتكلف في سجع الكلمات الذي يحير فهم السامع في مقصود الخطيب وما يرمي إليه.
إن في تضمين الخطبة لجميل القصص المناسبة ما يثري الحديث ويحقق مقصوده، وقد أخبر تعالى أن في القصص عبرة لأولي الألباب، ويلحق بهذا اختيار المثل المناسب مع رائع الشعر، وجميل البلاغة والبيان، فإن من البيان لسحرا، وإن من الشعر لحكما، وكل هذا في كلام جامع وإيجاز غير مخل.
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختار في خطبه جوامع الكلم، وهو الكلام الدال على تمام المعنى بأقصر عبارة وأقل جملة، وكان عليه السلام يحث على الإيجاز بقوله: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) رواه مسلم، أي دليل على علمه وفهمه، حيث أدى مقصوده من الخطبة بأوجز عبارة وأقل كلفة.
إن كثرة ترديد الكلمات حول مسألة واحدة، وتكرار الحديث فيها يمنة ويسرة يصيب السامعين بالمل والسآمة ويشتت انتباههم عما سيأتي بعدها ولو كان على جانب من الأهمية، ولهذا جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه خطب في أصحابه فأبلغ وأوجز، فقالوا له: يا أبا اليقظان لو كنت نفست شيئاً، فقال: سمعت رسول الله يقول: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) فأطيلوا هذه الصلاة واقصروا هذه الخطب فإن من البيان لسحرا.
ثالثاً: من المهم أن يحسن الخطيب عرض خطبته فحسن العرض يشد الاسماع للإنصات والقلوب والأفهام للقبول، ويبعد الهاجس عن الأذهان، وتحصل الاستفادة ويتحقق المقصود.
إن المتأمل لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبه ليلحظ ما يؤكد هذا الأمر، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب خطب قائماً ولم ينقل عنه مرة أنه خطب جالساً إذ إن المتكلم عند قيامه يحظى من الانتباه والمتابعة ما لا يدركه عند جلوسه، وكان صلى الله عليه وسلم يستقبل الناس بوجهه الكريم ثم يستفتح بحمد الله وحسن الثناء عليه ثم يقول (أما بعد) وهي كلمة للفصل بين حديثين ففيها تهيئة لما سيأتي بعدها من القول، وكان يشير بيده أحياناً لتوضيح المعنى كما في قوله - صلى الله عليه وسلم: (بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين اصبعيه السبابة والوسطى) رواه مسلم، وكان إذا خطب عليه السلام علا صوته، وفي هذا يقول العلامة النووي: (يستدل به على أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة، ويرفع صوته ويجزل كلامه ويكون مطابقاً للفصل الذي يتكلم فيه من ترغيب أو ترهيب).
رابعاً: ربط الموضوع بواقع الناس، فربط الأحكام الشرعية بالوقائع المعاصرة أمر مهم، فالشريعة جاءت لكل زمان ومكان.
إن سعة العلم ومحصول الثقافة لدى الخطيب عنصر مهم في ربط تعاليم الشرع بواقع الحياة فما المانع من التأكيد على حقوق العمالة الوافدة ضمن بيان حقوق الناس، وتوضيح المعاملات الربوية المعاصرة ضمن التحذير من الربا، وتوضيح طرق القمار الحديث، وذكر الإيدز وإحصائياته ضمن الحديث عن الفواحش، والتنبيه على الانترنت إيجابه وسلبه ضمن الحديث عن وسائل الإعلام، وتدعيم الأحاديث عموماً ببيان الإحصائيات المعاصرة وشواهد الواقع فإن هذا مما يعلي الموضوع ويزيد في أثره.
إن المتأمل في زمننا ليلحظ دور الإعلام وأثره في توجيه فكر الناس، ففي كل يوم تطرح كثير من الفضائيات كماً هائلاً من البرامج الهابطة، وفي المقابل تقل وسائل التوجيه والإرشاد ويشكو المصلحون من قلة الحيلة وضعف اليد.
إن خطبة الجمعة وسيلة اتصال عظيمة بالناس، ومنبر الجمعة وسيلة إعلامية مهمة وفاعلة ولكن متى أحسن تقديمها بالإخلاص وبذل الجهد والحرص على تقديم ما ينفع الناس ويوجههم لكل خير في دينهم وآخرتهم.

(*) أكاديمي سعودي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved