Monday 25th September,200612415العددالأثنين 3 ,رمضان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"دوليات"

مقومات التوافق والتقارب بين الحضارات: العنف السياسي مقومات التوافق والتقارب بين الحضارات: العنف السياسي
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

لم تعد الحرب وسيلة تعبير أو تنفيث دعك من أن تكون وسيلة دبلوماسية أو سياسة، أو بالطبع أن تكون أداة عسكرية ناجعة لتحقيق أهداف ومصالح الدول والشعوب الوطنية أو القومية؛ فالحرب دائماً ما تعيد تنظيم وترتيب الأوضاع والغايات والمصالح الإنسانية برمتها خصوصاً على مستوى الدول عادة ما تكون وفقاً لمنطق المنتصر النسبي في الحرب.. فمن يدخل الحرب لا يمكن أن يخرج منها منتصراً بدون خسائر فادحة فالمسألة هنا تحديداً مسألة خسائر نسبية فقط. بمعنى أن الجميع خاسر في الحرب حتى من لم يشارك فيها، فهي خسائر بدرجات ونسب متفاوتة.
هذا بالطبع منطق التاريخ وواقعه وحقائقه التي يسردها على مسامع كل من يريد أن يتعظ منه ويتعلم من تجاربه، فالتاريخ مدرسة من لا مدرسة له، ووسيلة تربوية وتعليمية طبيعية لجميع الشعوب دون استثناء أما من لا يلتفت إلى منطق التاريخ أو من يتجاهله عن قصد أو عن عمد، أو حتى من يرفض قراءة وقائعه بتمعن فالتاريخ أيضاً كفيل بتلقينه درساً لا يمكن أن ينساه ذلك الفرد ولا حتى الجماعة التي ينتمي إليها.
ولعل العنف السياسي، الذي من رحمه تولد الحروب والصراعات بشتى أنواعها وأشكالها ومستوياتها كان ولا زال منطق من لا منطق له، ووسيلة سياسية أو عقدية فاشلة في أدبيات التخاطب والتعامل بين البشر.. كيف لا يمكن الجزم بذلك القول ومنطق التاريخ يؤكد للجميع بأن كل من سار على درب العنف وصل إلى مبتغاه مثخناً بالجراح، في غرفة العناية المركزة أو بعد أن فارق الحياة.
أما تبعات العنف التالية، أو اللاحقة، أو حتى تلك التي تتراكم في محصلة الأمور النهائية فإنها دائماً ما تكون مكلفة جداً، باهظة الثمن جداً جداً لا يحتمل وطأتها عقل بشر، ولا تستطيع تحمل تكلفتها العالية خزائن معظم الدول والشعوب الإنسانية. فمن الصعب جداً البناء والتشييد من حيث الوقت والجهد والمال، فيما أنه من السهولة بمكان إعمال معاول الهدم والتدمير في المنجزات في وقت قصير وبتكلفة تافهة.
هذا تحديداً ما لمسه العالم الغربي الأوروبي تحديداً بعد خوض غمار حربين عالميتين شرستين ووحشيتين (الأولى والثانية) تسببتا في دمار شبه شامل لمعظم دول القارة الأوروبية بل ومعظم القارات التي تواصلت معها سياسياً وعسكرياً وجغرافياً كالقارة الإفريقية والآسيوية.
وهذا بالذات العامل الرئيسي الأوحد الذي دفع الشعوب الأوروبية إلى إلغاء جميع الحواجز الحقيقية والمصطنعة التي تربط فيما بينها، بل ونبذ جميع مقومات ومصادر وعوامل الخلاف الإنساني والعقدي والسياسي والأوروبي، وذلك في سبيل بناء جسور إنسانية وسياسية واقتصادية وثقافية وحضارية راسخة ومتينة تربط بين الشعوب والدول الأوروبية وتصهرها في إطار بوتقة جغرافية إنسانية واحدة وموحدة.
الوسيلة الأوروبية المثلى، والأداة الأوروبية الأفضل، والروشتة الأوروبية الأنجع لتصفية معضلة الخلاف والصراع والحروب فيما بينها كانت جميعها تلتف حول حتمية تبني منطق الحوار، وإحلال مشاعر التقبل للخلاف والتصدي للخلافات والتعايش مع الاختلافات محل منطق الرفض ومشاعر الحقد والبغض، وعقلية التعالي والتعنصر والفوقية، ومن ثم توظيف دبلوماسية التوافق وتفعيل أخلاقيات التقارب بين الثقافات والحضارات الرئيسية والفرعية بغية تهجينها أو تأليفها تصاعدياً وصولاً إلى تآلفها مع بعضها البعض تكاملياً.
لقد تعلم الأوروبيون بعد قرون طويلة معنى الصراع والحرب ومعنى السلم والسلام، وتعلموا كثيراً من خزائن التاريخ واتعظوا بسيره وعبره، وها هم اليوم يفكرون بعقلية واحدة ويخططون بمنظومة واحدة، ويتحدثون بلسان واحد، ومن ثم يتحركون على مسار واحد.
أخيراً لجميعنا الحق أن نتساءل: متى نتعلم من منطق التاريخ؟ ومتى نتعظ بعبره وسيره؟ ومتى ندرك أن الصراع عقيم؟، وأن الخلاف ممكن بل ومطلوب ولكن بأخلاقيات متمدنة وبأدبيات سلمية؟. ومتى نؤمن بأن الحوار الوسيلة الأنجع والأفضل والأسلم للجميع؟
لنحذر من التطرف والتشدد والغلو والتنطع... ولنحذر من العنصرية والتعالي والعقدة الفوقية، ولنحذر من الغضب الأعمى ومن العنترية اللفظية التي جميعها ألحقت أضراراً بالغة في كل من مارسها بعناد وبغباء أو من تعاطاها عن جهل وبالغ فيها بجهالة.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved