Monday 25th September,200612415العددالأثنين 3 ,رمضان 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الاقتصادية"

الإدارة الفعَّالة .. الانتقال من الندرة إلى الظاهرة الإدارة الفعَّالة .. الانتقال من الندرة إلى الظاهرة
د. عقيل محمد العقيل

هبط رجل بمنطاد على امرأة في موقع لا يعرفه وبعد أن تحاور معها ليعرف مكانه سألته، هل أنت مدير؟ فأجابها بالفعل. كيف عرفت؟ قالت لأنك لا تعلم أين أنت ولا إلى أين أنت ذاهب، ولأنك لم تصل إلى مكانك إلا بفعل قليل من الهواء الساخن، ولأنك قطعت وعداً على نفسك ولا تعلم كيف ستفي به، ولأنك تتوقع ممن هم تحتك أن يطيعوك ويحلوا لك مشكلاتك، نكتة تحكي واقعاً مؤلماً، فهي تشير إلى علامات التعرّف على المدير، وهي علامات ظاهرة وللأسف الشديد على الكثير من مدراء عالمنا العربي، حتى بات المدير الذي تختفي منه تلك العلامات نادراً ويستدعي سن القوانين للحفاظ عليه من الانقراض.
الإدارة وهي العنصر الحركي والحاسم في إحداث التنمية في وضع مزر في بلادنا بسبب ندرة المدراء الفعالين، المدراء الذين يعملون على تحقيق النتائج المتوقّعة منهم بحكم منصبهم، المدراء القادرين على تحقيق الأهداف (النتائج) بصرف النظر عن المجهودات التي قاموا بها شعارهم (لا تقل لي ماذا فعلت وكم من الوقت أمضيت، بل قل لي ماذا أنجزت)، مدراء يستمر العمل على نفس الدرجة من الكفاءة في حال حضورهم أو غيابهم، مدراء همهم تطوير العمل وتنظيمه ورفع الكفاءة الإنتاجية لا تسييره فقط كما هو معتاد، مدراء يعملون على درجة عالية من الاهتمام بإشباع حاجات الأفراد في ظل تحقيق أهداف الشركة، مدراء لا يرون سقفاً لمسؤولياتهم تجاه أنفسهم وموظفيهم وشركاتهم ووطنهم.
ما هو سبب ندرة المدراء الفعّالين في بلادنا؟ الأسباب كثيرة ولكن باعتقادي أن أهمهما يتعلق بموقفنا من الإدارة والمديرين، وخاصة من قِبل المسؤولين، حيث اعتقدنا بأن الإدارة مسألة غاية في البساطة يمكن إسنادها لأي فرد مهما كانت مؤهلاته ويتضح ذلك جلياً في تعيين المدراء على أسس لا تمت للعلمية والمهنية والخبرات بصلة، حيث يتم التعيين عادة لأسباب اجتماعية، بخلاف بعض الشركات الخاصة، وكما يتضح موقفنا السلبي من الإدارة والمديرين أيضاً باهتمامنا الكبير بتطوير القدرات الفنية للمواطنين على حساب تطوير القدرات في العلوم الإنسانية (الإدارة، الاقتصاد، ..إلخ)، حيث ابتعثنا آلاف الطلاب لدراسة الطب والهندسة ولم نبتعث المئات لدراسة العلوم الإنسانية، والنتيجة نراها اليوم معظم المدراء مهندسون.
ماليزيا وفي الستينات من القرن الماضي ورغم الفقر الذي كانت تعاني منه آنذاك أدركت أهمية وجود مدارء فعَّالين يقودون عملية تنمية البلاد فقامت بابتعاث آلاف الطلبة إلى الغرب لدراسة الإدارة والاقتصاد، وكان نتيجة ذلك نهضة مذهلة في جميع المجالات حتى أصبحت النموذج الوحيد الذي يفتخر به المسلمون في كل أصقاع الأرض. أما اليابان فكانت نهضتها الحالية مبنية على عدة عوامل ومن أهمها ابتكار النظم الإدارية وتطوير الجيد منها وإيجاد مدراء جيدين ينفذون تلك النظم، وكل متبحر في النظم الإدارية يعرف أن النماذج العلمية الإدارية ونظم الجودة الإدارية وغيرها الكثير هي من نتاج العقلية اليابانية التي لم تهمل الجانب الإداري على حساب الإنتاجي والتطور العلمي.
ما هو العلاج؟ العلاج يستدعي أن نعترف بالمشكلة وحجمها وآثارها السلبية أولاً، نعم يجب أن نعترف أننا في المملكة العربية السعودية نعاني بشكل كبير من مشكلة إدراة، نعاني من كم كبير من المدراء الذين لا يحملون فكراً إدارياً، مدراء يحملون كل صفات المدير الواردة في القصة التي بدأت بها مقالتي، كما نعاني من ندرة شديدة في المدراء الفعّالين القادرين على النهوض بالبلاد في كافة المجالات، وهذه الندرة تعاني منها القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية (الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني)، كما يجب أن نعترف بأن لدينا من الإمكانيات ما يجعلنا قادرين على تحقيق نتائج تشكّل أضعافاً مضاعفة لما نحصل عليه اليوم.
والاعتراف سهل خاصة إذا علمنا أن قطاعاتنا تعاني من بعضها البعض معاناة شديدة بسبب ندرة المدراء الفعّالين، فتارة نجد مديراً حكومياً فعّال يرأس جهة تنظيمية يشتكي من مدراء القطاع الخاص الذي ينظّمه بسبب عدم معرفتهم بألف باء الإدارة، وتارة أخرى نجد مديراً خاصاً فعّالاً يشتكي الأمرين من مدراء الجهات التنظيمية الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم، وثالثة نجد مديراً فعالاً لقطاع غير ربحي يشتكي من الاثنين معاً لعدم معرفتهم لأهمية دوره في معالجة البيئة التي ينشط بها الاثنان معاً، وهذه الشكاوي أدت إلى جفاء بين مدراء القطاعات الثلاث بدل الوئام المفترض مما أورثنا مشاكل كبيرة ومتعددة انعكست سلباً على معدل النمو في بلادنا العزيزة، وبالتالي فإن اعترافنا بالمشكلة (أزمة الإدارة) من صالحنا جميعاً..
ولكن إذا اعترفنا جميعاً بضرورة الإسراع في معالجة أزمة الإدارة في المملكة، فمن يقود المسيرة؟ من يقود المسيرة لتنمية الإنسان السعودي إدارياً ليكون مديراً فعَّالاً قادراً على إطلاق طاقاته وطاقات مرؤسيه وتوجيهها التوجيه السليم نحو تحقيق الأهداف والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة؟ من يقود المسيرة ليصبح المدير الفعَّال ظاهرة والمدير المتقاعس يمثِّل الندرة لينعم المواطن السعودي بالحياة الكريمة الرغدة بفضل مدراء قادرين على تعظيم النتائج إلى أقصى الدرجات؟
الجواب بسيط جداً إذا أردنا أن نفعل ذلك بعيداً عن عوائق البيروقراطية والروتين، فالحل بظني أن يقود المسيرة جهة مؤهلة مثل مجلس الغرف التجارية بإطلاق مشروع وطني لتطوير الفكر والسلوك الإداري لتوفير الموارد البشرية الوطنية ذات القدرات الإدارية الرفيعة على كافة المستويات، وذلك بتطوير مواقف القيادات العليا والمستثمرين تجاه الإدارة والمديرين السعوديين، واحتضان رجال ومؤسسات الفكر والتأهيل الإداري السعودي وتنسيق واستثمار جهودهم وتشجعيهم ودعمهم للبحث والتطوير والإنتاج المستمر، وتطوير ثقافة تنمية الذات لدى المدراء خاصة والموظفين عامة، وتوفير وتطوير وسائل وبرامج تنمية الذات وإشاعة استخدامها، وتطوير الاتجاهات الفكرية تجاه القضايا والمشاكل لدى المدراء السعوديين على كافة مستوياتهم، والارتقاء بالثقافة الإدارية لدى أفراد المجتمع، وكل ذلك ممكن إذا تم إطلاق المشروع بمنهجية سليمة بمشاركة كافة الجهات التي ستستفيد منه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وبدعم من حكومتنا الرشيدة التي لن تتواني عن فعل ذلك أبداً.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved