مما لا شك فيه أن ربحية الشركات والمؤسسات أحد أهم المتطلبات لاستمراريتها وبقائها في دائرة المنافسة في جميع أنحاء العالم، ولكن ثمة أهدافاً أخرى يجب أن تقترن بهذا الهدف الرئيسي في عالم التجارة والأعمال. يقول هنري فورد:
Business that makes nothing but only money is a poor kind of business
ومفاد قولة إن الشركات والمؤسسات التي لا تضيف أي قيمة للمجتمع ولا تساهم بمنتجات وخدمات تفيد البشرية هي شركات متواضعة حتى وإن حققت الملايين من الأرباح.
في الحقيقة أن هذا الكلام مهم جداً، وباستعراض بسيط لبعض السلع والخدمات التي استفادت منها البشرية بمختلف أعراقهم ودياناتهم نجد أن الهدف واحد وهو تحقيق عائد مجزئ والفرق الوحيد بينها وبين السلع والخدمات الأخرى هي القيمة التي أضافها هذا المنتج في خدمة البشرية.
لقد ساهمت شركة نوكيا (Nokia) للاتصالات مثلا مساهمة فعالة في عالم التقنية والاتصالات نظراً لأن دولة فنلندا (التي تنتمي إليها نوكيا) غالبية مناطقها جبلية ووعرة وبالتالي فإن تكلفة تمديد الخطوط الهاتفية الأرضية للمشترك الواحد 800 دولار مقابل 500 دولار للهاتف الجوال ومنها نشأت في بداية الثمانينيات الميلادية تقنية استخدام الهواتف المتحركة كبديل أفضل وأقل تكلفة، وبالتالي حققت الشركة ابتكاراً هائلاً وإنجازاً فريداً وخدمة للبشرية في جميع أنحاء العالم وفي الوقت نفسه حققت شهرة عالمية وأرباحاً كبيرة.
إن كلمة (Innovation)الابتكارمحذوفة من قواميس الكثير من الشركات والمؤسسات في العالم العربي، وطالما بحثت الشركات والمؤسسات عن أسهل الطرق لتحقيق الأرباح أما عن طريق تقليد غير أو بمنتجات وخدمات بسيطة وكمالية لا يستفاد منها.
إن الابتكار هو الطريق الموصل للقمة، فشركة Google على سبيل المثال لم يكن أحد قد سمع عنها في بداية 2000م ولكنها بالقيام بابتكار أذهل العالم وسهل للكثير الحصول على أي معلومة في أجزاء من الثانية في عالم يحترم ويقدر قيمة الوقت وأيضا بإضافة خدمة Google Earth جعلها تحتل مركزاً مرموقاً بين شركات العالم بالرغم من أن الشركة لا تنفق دولاراً واحداً في الدعايات التلفزيونية وتعتمد فقط على word-of-mouth وهي الشهرة والدعاية عن طريق تناقل اسمها عبر العملاء.
إن الابتكار في السلع والخدمات لا تقدم الربحية لملاكها فقط بل يتعدى ذلك الى التأثير في المجتمع وتغير حياة الكثير من الأفراد، ويكون اسم السلعة والخدمة مرادفاً للمنتج مثل ما حصل مع Xerox أحد أكبر الشركات العالمية في مجال أجهزة الفاكس وماكينة التصوير وغيرها من الأجهزة المكتبية.
لا أحد يشك أنه ليس بالسهل الابتكار وإنتاج سلع وخدمات جديدة ولكن بالبحث والتطوير الذي قد يكون مكلفاً جداً بالإمكان تحقيق ذلك والنتيجة ستكون أكثر من إيجابية. إن شركة Nestlé على سبيل المثال لم تصل لمنتجها المميز Nescafe إلا بالبحث المكثف على مدار سبع سنوات وأنفقت فيه الملايين من الدولارات واستطاعت أن تحتل مركز الصدارة في عالم القهوة بثلاثة آلاف كوب نسكافه يشرب كل ثانية على مستوى العالم جعل اسم المنتج مقروناً بالقهوة و العائد أضعاف ما تم دفعه في البحث والتطوير.
قد يتبادر في ذهن القارئ وأصحاب الشركات أنه من المستحيل تحقيق ذلك في ظل منافسة قوية من شركات عدة وأن هناك الكثير من الشركات القديمة التي لها باع طويل في تلك المجالات، ولكن في الحقيقة ليس بالضرورة أن تكون الشركة مشهورة وذات سمعة وقديمة في الوقت نفسه لتحقيق ذلك. لقد تم إصدار نشرة في عام 1950 عن أفضل 100 علامة تجارية على مستوى العالم، وبعد 50 عاماً أي في عام 2000 تم تحديث هذه القائمة والعجيب انه لم يدرج فيها سوى شركتين فقط من القائمة السابقة وهي Kodak - General Electric GE وهذا دليل على أنه ليس هناك مستحيل في عالم التجارة وانه بالإمكان الوصول للقمة وتخطي الكثير من الشركات إذا ما اقترن ذلك بالابتكار والتسويق والتي تعتبر من أهم ركائز عالم التجارة كما يقول بيتر دركر أحد أهم علماء الإدارة المعاصرين في القرن العشرين.
قد يعتري هذا المقال انه كلام نظري بحت ومن الصعوبة بمكان تطبيقه على أرض الواقع، ولكن إن محاولة تطبيقه وإدراك أهميته على الأقل هو ما نبحث عنه ويجب أن تسبق التجربة الناجحة آلاف المحاولات الفاشلة، وعندما سئل أديسون مخترع الكهرباء عن عدد المحاولات الفاشلة التي أجراها للوصول لهذا الاختراع العظيم قال لم تكن فاشلة والدليل أن تلك التجارب العديدة قادت إلى الوصول للتجربة الناجحة.
نحن في الحقيقة لا نبالغ ولا نطلب المستحيل ولكن الهدف هو محاولة تحفيز وشحذ همم الشركات الوطنية من خلال الارتقاء باقتصاد المملكة والاستفادة من تجارب الشركات العالمية ومعرفة أنه لا مستحيل في عالم التجارة إذا وجدت العزيمة والاصرار ودعمت دعماً مادياً ومعنوياً من قبل متخذي القرار وخاصة أنه ولله الحمد لا تنقصنا المهارات والامكانات التي تعتبر هي المتطلبات الضرورية لذلك ولكن تنقصنا البيئة المناسبة والتخلي عن الفوضى والعشوائية والتاريخ يثبت صحة ما نقول والله أعلم.
|