الأولويات الفلسطينية والنوايا الخارجية

الساحة الفلسطينية في حاجة إلى قدر من التهدئة يسمح باستئناف الحوار الخاص بتشكيل الحكومة الوطنية، ويخطئ كثيرا من يراهن أنه يمكن تجيير التهييج الجماهيري لصالح هذا الطرف أو ذاك، وذلك في سبيل تسجيل نقاط في هذا الحوار بشأن التشكيل الوزاري.
والآن وبعد أن باتت الأطراف على قناعة بأنه لا بد من السعي مجددا لتشكيل الحكومة، فإنه يتعين على القيادات أن تحد من موجات التظاهرات والاحتكاكات التي يمكن أن تسفر عنها، وإلا فإن المتحاورين سيجدون أن عليهم الانصراف عن مهمتهم الأساسية إلى محاولة تهدئة الشارع الذي سمحوا له هم ذاتهم بالانفلات من عقاله.
ومن المهم دائماً عندما يكون الشأن الفلسطيني حاضرا، وبالذات في مثل هذه الأمور المصيرية المتعلقة بتكوين وتشكيل الإدارة الحكومية، أن يتم الاستناد إلى الإرث السياسي لهذا الشعب الذي وضع نصب عينيه دائماً الأخطار المحدقة به وفق ترتيب للأولويات أعانه كثيرا في تجاوز مختلف المعضلات، وعلى وجه الخصوص تلك التي تنشأ بين الأخوة.
ولقد بدا في إحدى مراحل هذا الحوار بين حركتي فتح وحماس أن الجانبين على وشك التوصل إلى اتفاق يتيح تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكان هناك تجاوز للأهم فيما يتصل بهذا الشأن عندما توافق الطرفان على القبول بوثيقة الأسرى التي تشكل محورا لهذه المناقشات وبرنامج عمل متكامل للحكومة القادمة.
كما كان هناك تفهم لدى كل الأطراف بما في ذلك تلك التي خارج دائرة الحوار على أن الحد الأدنى الذي تم التوافق بشأنه كفيل بأن يوفر مقومات الاستمرار في استكمال المهمة، وأن بعض الآراء الخاصة بهذا الطرف أو ذاك لن تعوق الانطلاق نحو الهدف النهائي المتمثل في تشكيل الحكومة.
ومن ثم فإنه يتعين الآن حصر النقاش في الخطوات المتفق عليها التي من شأنها تثبيت التوجه نحو تشكيل الحكومة، خصوصا وأن المصاعب القائمة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني لا تحتمل كثير تأجيل، فهناك مصاعب حياتية ظهرت بوضوح وبدت أكثر إلحاحا مع دخول الشهر الكريم، وهي تتعلق أساسا بالاحتياجات اليومية من مأكل ومشرب ودواء وكساء وتعليم وصحة.
ومن الواضح أن المانحين الغربيين ينظرون باهتمام أيضاً إلى الكيفية التي تحاول بها القيادات الفلسطينية معالجة القضايا الراهنة، وعلى الرغم من المواقف الضاغطة لهؤلاء، كونهم يتدخلون في صميم القرار الفلسطيني وفي كثير من الأحيان لصالح الكيان الصهيوني، فإنهم سيحاولون التخفيف من حدة هذه الضغوط إن رأوا ثمة عملا متناغما فلسطينيا حتى وإن كان لا يتوافق تماما مع أطروحاتهم، فهم إن كانوا يقتربون كثيرا من طرح دون الآخر في الساحة الفلسطينية، فإنهم سيسلمون في نهاية الأمر بموقف فلسطيني موحد حتى وإن حاد قليلا عن تطلعاتهم.
ويبقى الأهم إزاء كل ذلك وحدة فلسطينية لا تترك فرصة يمكن أن يتسلل عبرها الذين يتربصون بالشعب الفلسطيني، وان بدوا في الكثير من الأحيان انهم يناصرون فريقا ضد الآخر، فهؤلاء الذين مارسوا ضغوطا على الفلسطينيين يتصرفون وفقا لرغبة واستراتيجية إسرائيلية تسمح لهم أحيانا بإظهار بعض الود تجاه طرف فلسطيني دون الآخر ولبعض الوقت فقط.