كان اليوم عندنا يوم الجمعة.. وكانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا أو تزيد قليلا، مرت الدقائق بطيئة - كعادتها كل جمعة - وأنا بقاعة الدراسة.. بجامعتي في انديانا الولايات المتحدة الأمريكية.. فجأة وصلتني رسالة عبر الجوال من بلادي، اختلست النظر لها من تحت الطاولة وقرأت الحروف:
(مبروك.. أعلنوا دخول الشهر.. أعاننا الله على الصيام والقيام..)
مرّرتُ الرسالة لبعض زملائي السعوديين في الصف.. لاحظت نظرات متفرقة وبسمات فاترة على الوجوه.. تبعتها إمارات من الشوق والحنين.
كانت الجالية ببلدتنا تعتمد الحساب وكانوا قد أعلنوا دخول الشهر بناء عليه يوم السبت، وقررنا أن نعتمد الرؤية في السعودية، وألا نعتد بالحساب. كنا نفعل ذلك تدينا ومواطنة.. وقدَّر الله أن تتفق الآراء.. وتحدث الشيخ منجي شيخ مسجدنا تلك الجمعة والبشر يعلو محياه أن الرؤية قد ثبتت في السعودية والحمد لله.. هل قال السعودية أو قال مكة - الشك مني - لكنه كان حتما يعني شيئا واحدا لي.. الوطن.
وقدر الله - وفي تقديره الحكمة- أن يكون اليوم الأول من رمضان (يوم الوطن) يوافق نهاية الأسبوع عندنا لننعم كما ينعم أهلونا بإجازة نستقبل فيها رمضان ونحيّي الوطن.. لم تكن إجازتنا يوما كما هم.. إنما كانت يومين.. سبت وأحد.. امتدت لتعوضنا شيئا من حنان الغياب وتبعث في أرواحنا نفسا من رمضان.
وقضيت إجازتي قريبا من الإنترنت أبحث عن أخبار تؤنسني عن وطني.. وتحدثني عن رمضان.. وسعدت كثيرا وأنا أقرأ الرضا في عيون مليك أحب شعبه وأحبوه.. وأنا أتابع صلاة تراويح الليلة الأولى من بلد الله الحرام.
إعلان الداخلية بتحذير من يجاهر بالفطر وينتهك حرمة الشهر.. شعور المواطن الصادق تجاه وطنه في الصحف والمجلات.. أحاديث المساجد وموائد الإفطار والمتصدقين.. في جملة أخبار تستهوي المغتربين.
أسألكم بالله.. ألا يحق لي أن أفخر بوطني وأنا أرى أفراد الجالية الإسلامية بغربتي يتشوقون إلى الأراضي الطاهرة ويمنون أنفسهم بزيارتها.. وأنا أرى زميلي الأمريكي يعمل نصف يومه ليوفر مصروف دراسته في حين أنني والآلاف من أبناء وطني مبتعثون على منح دراسية.. وأنا أرى أسماع العالم كلها تتطلع لسماع خبر يصدر عن موطني في رؤية الهلال.. وأجدني مضطرا عند هذه النقطة أن أسأل: لم لا تنشأ مراصد بحجم مكانة السعودية في نفوس المسلمين تحسم أمر الرؤية وتقطع النزاع.
وأخيرا.. دعوة إلى التصافي في شهر الصفاء.. أبعثها وقد قرأت مهاترات كل يدعي فيها التدين والوطنية لنفسه.. ويتاجر بهما لآرائه.. ليس عسيرا أن تدعو إلى الإصلاح من دون أن تتهم غيرك بالفجور، أو تسلبه حق المواطنة. وتباين وجهات النظر وتعدد الآراء لم يكن يوما دليلا على التأخر.. وإحساسك بالضيم أحيانا لا يمنعك أن تسلك سبيل الحوار وتسعى جهدك للاجتماع..
بارك الله لك يا موطني في رمضان.. وأعاده عليك باليمن والبركات.. وكل عام وأنت بخير.
طالب بن عبد الله آل طالب - إنديانا - أمريكا |