دعني أسير لمجد يقدم الشُّهبا
دعني أشيد بناء للدُّنى عجبا
دعني فإن المنى أعيت تجيء هوى
وما تمنيتُ يهوى الجهد والتعبا
فما يضير الفتى إلا تقاعُسُهُ
عن سَرْية المجد من تهويل ما صَُعَبا
نادتْنِيَ البِيدُ والأجبال من رَهَقٍ
ونادَتِ المدنُ تشكو الجور والنَّصَبَا(1)
والبحرُ نادتْ على أمواجه سُفُنٌ
تشكو قراصنةً أوسعْنَها سَلَبَا
فكيف يحلو الكرى في محنةٍ رَسَخَتْ
سبيلُ إجلائها فِكْرٌ وَسَلُّ ظُبَا(2)
فهبَّ عَزْمي وحولي فِتْيَةٌ صَدَقَتْ
عَهْدَ الإله فكنا جيشَهُ اللّجِبَا
الله وفقني والحزمُ أوسَعَ لي
وشبَّ عزمي دماءً حرةً لَهَبا
عبد العزيزِ أنا، والعِزُّ لي حَسَبٌ
قد نِلْتُهُ كابراً عن كابرٍ نَسَبَا
لا تسألِ الكتبَ وانظرْ ما بَنَتْهُ يدي
فَلَيْسَ من فعلِها فِعْلٌ هوى وَنَبَا
هذي الجزيرة قد رسّخْتُ وحدَتَها
بعد الشتاتِ الذي ناءتْ به حِقَبَا
أقمْتُ فيها حدودَ الدين صافيةً
فأين ما كان بالتخريف مُرتَكَبَا
وأين من كان يغشى البرَّ مُتشحا
سيفاً من الشُّؤْم يُدْمِيهِ بِمَنْ نَهَبَا
كانت أحاديثُ إفزاع لِمُؤتمنٍ
في حجه البيتَ يخشى الغدر والرعبا
وحّدتُها فغدت شتى بيارقها
في بيرق مشرق يسنو وما غربا
فمَنْ يخالُ الذي وحدته شتتا
من الممالك يعلوهن من وَلَيَا
جُسْ في الفيافي، تلمّس قدر مأمنها
واصعد جبالاً، فهل تخشى بها رهبا؟
هذي الصحاري التي أنهيتُ وحشتَها
وساد أمنٌ بها بعد الذي اضطربا
آخيتُ فيها الهوى فاشتاق موحشُها
إلى التآخي مغذّا فيه مُطّلِبَا
آلفتُها بِبَنِي الأمصارِ فانتشرتْ
نسائمُ الحب من صفو الغرام صبا
أنظر إليها قد اخضرّت مفاوزُها
والماء يحنو عليها بعد أن نَضَبا
أنبتن من كل زرع كان منبتُهُ
بين الفراتينِ والنيل الذي عذُبا
فما غدا جائعٌ إلا به كسلٌ
يخشى الكفاح وتهوى كفُّه الطلَبَا
وبعد أن طِبْنَ في أمْنٍ صبوتُ له
أتبعتُ نهج النما في صرحها سبَبَا