Al Jazirah NewsPaper Wednesday  22/11/2006G Issue 12473مقـالاتالاربعاء 01 ذو القعدة 1427 هـ  22 نوفمبر2006 م   العدد  12473
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

استراحة

كود البناء

دوليات

متابعة

محاضرة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

{أيتها العير إنكم لسارقون}
د. عبد الله بن برجس الدوسري (*)

لو كنت أذكى الأذكياء؛ وأحذر الناس فلن تسلم اليوم من احتيال محتال؛ أو نشال أو لص أو خائن، سواء في بيتك أو عملك، أو سيارتك أو متجرك، وحتى مكتبك ومزرعتك. بل سُرق المصلون على أبواب المساجد؛ والمصابون في المقابر على شفير القبر، والطائفون في المسجد الحرام، والحجاج في المشاعر المقدسة؛ فكل ذلك عندهم حمى مباح وكسب مشروع. وكانوا فيما مضى يفضلون ما خفَّ وزنه وغلا ثمنه, أما اليوم فيسرقون ويأخذون كل شيء ولو ثقل وزنه وزهدت قيمته؛ فالمهم أن يجدوا من يبتاعه منهم، وإنهم لواجدون. بل وصل الحال إلى ما هو أعظم وأنكى إنها سرقة بيوت الله بما تحويه من أجهزة صوت وتكييف!! بل عظم الخطب واستفحل الأمر إلى سرقة الناس، الناس يُسرقون!!نعم، خُطف الأطفال عند أبواب بيوتهم وهم يلهون ويلعبون.
بل قام أحد أولئك الجبناء بالسطو على إحدى المقابر ليلاً, بعد دفن جثمان أحد الموسرين فنبش قبره حتى وصل إلى الجثة ثم وضع بصمة الميت على بعض المستندات التي يزعم بأنها تثبت حقاً لذلك اللص الحقير!
فهل أولئك هم أرباب المخدرات وتجارها؟ أم وافدون مخالفون لأنظمة الإقامة والعمل؟ أم شباب عاطلون يترصدون بالمواطن ويزعزعون الأمن؟ وقد يقول قائل - لا يعلم ما يدور ويحصل في المجتمع -: إنها ممارسات متفرقة وتجاوزات محدودة. والحقيقة أن ما يحصل اليوم هو ظاهرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وعند جهينة الخبر اليقين, فإنك لا تكاد تجلس مجلساً أو تحضر تجمعاً أو تذهب لمخفر شرطة إلا ترى أنواع القضايا والحوادث المتعلقة بالسرقة والسطو والخطف؛ ابتداء بسرقة أجهزة الجوال وانتهاء بالسيارات والمنازل.
وحسبما نشرته إحدى الصحف السعودية في إحصائية للأمن العام لعام 2005م تفيد بارتفاع عدد الجرائم في السعودية ليصل إلى نحو (90) ألف جريمة جنائية تتصدر حالات السرقة تلك الجرائم بواقع (43489) حالة.
فيا ترى هل القصور في الأنظمة والتشريعات؟ وهنا أستدرك وأقول: معاذ الله! فالتشريع المحكوم به سماوي من رب البشر الذي هو أعلم بما يصلحهم ويصلح شأنهم, يقول الله في كتابه {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وقد أمر الرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام - بقطع يد المرأة المخزومية التي سرقت, مع أن قريشاً قد أهمهم أمرها - كونها منهم ومن أشرافهم - فقام فيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطيباً فقال: (أيها الناس إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد, وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) (رواه مسلم).
وتأمل النتيجة مع كونها مرة وقاسية: قالت عائشة - رضي الله عنها -: (فحسنت توبتها بعد, وتزوجت, وكانت تأتينا بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواة مسلم).
وكما هو معلوم فإن قطع اليد لا يكون إلا في السرقة؛ لأنه يندر إقامة البينة عليها؛ فاشتدت عقوبتها, ليكون أبلغ في الزجر عنها, وأما الاختلاس والانتهاب والغصب ففيه التعزير بما يراه الإمام رادعاً لهم ولغيرهم.
تلك هي التشريعات المنصوص على الحكم بها في بلادنا، وقد جاءت العقوبة فيها مغلظة ومنكلة لمن يعتدي على أموال غيره.
لكن ماذا عن التطبيق لتلك الأنظمة والتشريعات؟ هل هناك صرامة ووضوح في آلية التطبيق؟ إذ العبرة ليست بقوة النظام, بقدر ما هي في الحزم والقوة في التطبيق، فنظام بلا تطبيق كجسد بلا روح. وقد جاء في السُّنة المطهرة الحث والترغيب في إقامة الحدود، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حدٌ يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحاً) وفي لفظ (أربعين) حسَّنه الألباني.
وللأمانة فإن ما اعتقده ولا أعلم خلافه أن الحدود في بلادنا قائمة - ولله الحمد - لكن ربما أن هناك خللاً في آلية التطبيق وطريقة التنفيذ؛ وذلك كعدم الإعلان: وأعني بذلك أن الحدود إذا أقيمت فينبغي إعلانها وإظهارها في وسائل الإعلام؛ فكما نسمع عن تنفيذ القصاص وإشهاره؛ فلِمَ لا يشهر تطبيق الحدود؟ وبخاصة أن لذلك مستنداً شرعياً في - قوله تعالى - {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}.ولا ينبغي هنا أن نلتفت للناعقين ممن يقولون: (إن عقوبة القطع لا تتفق مع ما وصلت إليه الإنسانية والمدنية في عصرنا الحاضر، فهل يعني هذا أن نقابل السارق بالمكافأة على جريمته؟ وأن نشجعه على السير في غوايته، وأن نعيش في خوف واضطراب، وأن نكد ونشقى ليستولى على أموالنا اللصوص والعاطلون؟!
يقول عبد القادر عودة في كتابه التشريع الجنائي الإسلامي: (وتجعل القوانين الحبس عقوبة السرقة! وهي عقوبة قد أخفقت في محاربة الجريمة على العموم, والسرقة على الخصوص, والعلة في هذا الإخفاق أن عقوبة الحبس لا تحول بين السارق والفعل إلا مدة الحبس, وما حاجته إلى الكسب في المحبس وهو موفر الطلبات مكفي الحاجات فإذا خرج من محبسه كان لديه أوسع الفرص لكي يزيد من كسبه وينمي ثروته من طريق الحلال والحرام على السواء, واستطاع أن يخدع الناس, وأن يظهر أمامهم بمظهر الشريف فيأمنوا جانبه, أما عقوبة القطع فتحول بين السارق وجريمته، فلن يستطيع أن يخدع الناس أو يجبرهم على الثقة به رجل يحمل أثر الجريمة في جسمه وتعلن يده المقطوعة عن سوابقه) ا.هـ
والواقع يشهد أن عقوبة القطع لم تطبق في خلال نحو قرن من الزمان في صدر الإسلام إلا في نزر قليل؛ لأن المجتمع بتشريعه والعقوبة بشدتها والضمانات بكفايتها لم تنتج إلا هذا العدد البسيط.
إذاً أين تكمن المشكلة؟ وأين منبع الخلل؟ هل يا ترى ثمة تقصير في الجانب الأمني؟ هل يوجد تراخٍ في تتبع عصابات الإجرام والكشف عنهم؟ يشير عدد من الدراسات إلى أن هذا سبب لتفشي السرقة في المجتمع, فرجال الأمن شغلوا إبان المدة السابقة بتتبع جذور الإرهاب وملاحقة فلول الإرهابيين، وهذا بدوره ظهر سلباً ليس على فشو السرقة فحسب؛ بل على انتشار المخدرات والجرائم الأخلاقية بأنواعها، وكما في المثل: مصائب قوم عند قوم فوائد.
والحقيقة: أنه ما كان ينبغي بأي حال من الأحوال أن يجد أولئك المجرمون أدنى فرصة للعبث بأموال المواطنين وممتلكاتهم. وأخشى ما أخشاه أن تنمو عصابات المخدرات والسرقات على حين غفلة منا؛ فيعيثوا في الأرض فساداً كما نمت وعاثت فلول الإرهاب في بلادنا, أو تتكون عصابات إجرامية ذات أعمال منظمة ومخططة على غرار عصابات المافيا ونحوها.
وهنا تتأكد أهمية وأد الجريمة في مهدها ومحاصرتها في دائرتها الضيقة, ليس من الناحية الأمنية فقط ، بل تتحتم معالجة الظاهرة من جميع النواحي الاجتماعية والتربوية والثقافية والسلوكية.
ولا يخفى على متابع للأحداث أن مما ساعد على فشو وتنامي السرقات في المجتمع ظاهرة البطالة خاصة بين فئة الشباب, يساعدها استمرار فتح المحلات التجارية الخدمية لساعات متأخرة من الليل, مع ضعف دور رعاية الشباب في اجتذاب الشباب.
واختم مقالتي تلك بجملة من المقترحات:
أولاً: تكثيف الدراسات البحثية والميدانية المعمقة لتشخيص الأسباب والدواعي ومن ثم اقتراح الحلول الناجعة؛ وذلك عن طريق جامعة نايف للعلوم الأمنية، وكلية الملك فهد الأمنية, ومركز الأمن الوطني بالتعاون مع الإدارة العامة للسجون.
ثانياً: قيام حملات أمنية شاملة، وسط الأحياء وعلى مداخل المدن - على غرار الحملات المرورية.
ثالثاً: النظر بجدية في ضرورة اختراق الأحياء العشوائية وبالأخص في الرياض ومكة وجدة؛ فقد أضحت محضناً ومنبعاً ثم مأوى لكل لص وخائن.
رابعاً: تغليظ العقوبة على كل من ثبتت عليه الجريمة، مع الحزم في ذلك، ورفض المحسوبيات والشفاعات السيئة.
خامساً: إقامة الحد الشرعي عند ثبوته، واستيفاء شروطه، وإشهاره وإظهاره في وسائل الإعلام كالقصاص؛ فكما أن القتل اعتداء على الأنفس المحترمة فالسرقة اعتداء على الأموال والممتلكات المحترمة, وليس بالضرورة أن يشهر اسم السارق وإنما يكتفى بالإعلان العام.
سادساً: تفعيل دور الإعلام بشتى وسائله في التحصين من الوقوع في شَرَك الجريمة, وكذا دور الأئمة وخطباء الجوامع في تقوية الوازع الديني, وكذا بث روح الاعتماد على النفس وحب العمل.
سابعاً: التوعية بأهمية الأخذ بوسائل السلامة والحيطة - أجهزة التنبيه والإنذار ضد السرقة - فالمواطن في أمس الحاجة للتبصير بتلك الاحتياطات الأمنية عند مغادرته لمنزله أو مقر عمله, كما يتأكد على وزارة التجارة والصناعة توفير تلك الأجهزة بأسعار تشجيعية للمواطنين.
والله ولي التوفيق، والهادي إلى سواء السبيل..

(*)عضو مجلس الشورى/ فاكس 4803254



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved