Al Jazirah NewsPaper Wednesday  22/11/2006G Issue 12473محاضرةالاربعاء 01 ذو القعدة 1427 هـ  22 نوفمبر2006 م   العدد  12473
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

فـن

استراحة

كود البناء

دوليات

متابعة

محاضرة

منوعـات

نوافذ تسويقية

عزيزتـي الجزيرة

تحقيقات

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

حلب بين الأصالة والمعاصرة
محاضرة ألقاها رئيس التحرير الزميل خالد المالك يوم الرابع عشر من شهر نوفمبر
بقاعة مديرية الثقافة في مدينة حلب بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية لهذا العام


الحلقة (2)
وتعد مدينة حلب أقدم مدينة حية عامرة على وجه الأرض، إذ ورد ذكرها لأول مرة منذ أربعين قرناً، بحسب بعض الرويات، وهناك من قال قبل أربعة وخمسين قرناً، ومن حدد ذلك بالقرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، وربما كان موقعها بنظر بعض المؤرخين هو أحد عناصر ازدهارها وسحرها وجمالها على امتداد التاريخ، بما في ذلك كونها نقطة تفاعل بين عدد من الحضارات القديمة، ومحطةً تجاريةً إستراتيجيةً على طريق الحرير، وبوابةً للتبادل الاقتصادي والتجاري بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وتعد مدينة حلب بنظر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بمثابة متحف كبير للحضارات المتعاقبة منذ القدم، وصولاً إلى الحضارة العربية الإسلامية، باعتبارها من المدن الفريدة ذات المعالم الحضارية التي توضح بشكل متصل تاريخ العمارة والفنون عبر العصور القديمة، وقد اعتمدت المنظمة في وجهة النظر هذه على ما ورد ذكره عن مدينة حلب في المصادر التاريخية والنقوش الأثرية.
على أن تاريخ مدينة حلب - التي توصف بأنها مدينة مأهولة وغير مندثرة - يعود إلى أكثر من عشرة آلاف سنة، بما دعا الأستاذ محمد قجة إلى اعتبارها شيخة المدن، وغيره اعتبرها قلعة الشرق، فهي تضم تراثاً حضارياً يعود إلى مختلف العصور الإسلامية، ويتمثل في الآثار والمساجد والمدارس والأسبلة التاريخية والقلاع وغيرها، وقد قال الرحالة (ابن بطوطة) عن حلب: إنها من المدن التي تصلح لمركز الخلافة نسبةً إلى أهميتها.
***
ورغم الكوارث والأزمات والغزوات والحصار والفتوحات والاحتلال والتدمير والإحراق والمجازر التي تعرضت لها على يد تيمور لنك وهولاكو وغيرهما، فقد ظلت هذه المدينة بمساجدها وقلعتها وأسواقها وخاناتها ومعابدها وفنونها الجميلة، تمثل صورةً أمينةً عن مهارة أهل حلب ومواهبهم وتمكنهم وإبداعهم في مجال الفن العمراني، وظل هذا التميز الجميل يتواصل في نمط العمران وما يرمز إليه من وظائف؛ ما جعل التاريخ لا ينام أو يغفل عن تسجيل هذه الومضات المشرقة عنها، وكيف له أن ينام وقلعتها - على سبيل المثال - مر عليها اثنتا عشرة حضارةً وبقيت منذ أكثر من قرن بشكلها القائم، بعد أن تعرضت للتدمير أكثر من مرة وأعيد بناؤها!!.
* * *
وصدق من قال: (إن حلب خزانة العلوم وسلة الموسيقا التي جمع ذواقوها كل نفيس، فحافظوا عليه، وكل جميل فأتقنوه وأضافوا إليه، فغدت كباقة الزهور يشم في كل زاوية عبق، وفي كل ناحية منها يرمقك ألق، وهناك يحار الدارس والمتذوق من أين يبدأ ومتى سينتهي وأين؟!).
وهذا هو حالي حين جمعت بعض ما كتب عن حلب، وبدأت أقرأ عنها، فوجدتني أغرف من بحر ما أبدعته العقول والمواهب الحلبية وغير الحلبية من أخبار ومعلومات، بشكل أثار في نفسي الإعجاب بكل هذا التميز في الثراء الثقافي والعمراني والتاريخي الذي تحظى به حلب منذ أزمنة سحيقة في تنوع غير مسبوق من العطاءات السخية في الفنون والتراث وحركة الفكر والتاريخ والعلم، بما لا مثيل له في مدينة إسلامية أخرى.
ولم أتوقف أثناء قراءاتي عند ملمح واحد من ملامح هذا التفرد التي تتمتع بها حلب، مفضلاً إياه على غيره وسط هذا الزخم من الإشراقات الحلبية الكثيرة، أو متعاطفاً مع واحدة منها بأكثر مما أعطيته لغيرها من مشاعري وعواطفي وإعجابي على حساب إبداعات أخرى وإنجازات كثيرة، فقد أعطت جميعها لحلب الشهباء هذه الهوية وتلك السمة، ولهذا فقد كنت مبهوراً وشديد الإعجاب بكل المشاهد من غير أن أستثني واحداً من مظاهر هذا الوجه الجميل لهذه المدينة التاريخية، ودون أن يخالجني ما يخالف هذا الانطباع وأنا بين أوراق حلبية متنوعة تستحثني نحو المزيد من المتعة، وتشجعني على اكتساب الكثير من المعارف التي لا سابق لها في مدينة أخرى بحسب ما أجمع عليه المؤرخون القدامى منهم والمحدثون.
ومثلما قيل: فإن من يدخل المدينة القديمة في حلب، فكأنما يدخل متحفاً كبيراً، حيث سيجد كل الوظائف المعمارية من أبواب وقلاع وخانات وحمامات وجوامع وكنائس يحتفظ بها هذا المتحف داخل سور تبلغ مساحته حوالي 418 هكتاراً، وهي أكبر مساحة لمدينة إسلامية تاريخية تتمتع بكل هذا الثراء الذي أهلها لأن تكون عاصمةً للثقافة الإسلامية، أي أنه يمكن لنا أن ننظر إلى هذه المدينة من خلال بانوراما واسعة نطل من خلالها على كنوز حلب عبر كل العصور كما يصفها أحدهم، فهي عاصمة الموسيقى الشرقية من خلال الأزجال والموشحات الأندلسية مثلما أنها عاصمة الثقافة الإسلامية.
* * *
لقد عاشت حلب هذا التنوع والتعدد والتلاحم بين أبنائها من مسلمين ومسيحيين، فأفرز لنا هذا التنوع كل ما نراه الآن من تميز وريادة وغنىً وتفاعل في الثقافة والفكر والاقتصاد والتراث، بل إن احتضان المدينة لشتى الطوائف والمذاهب ولجميع الأديان قبل المسيحية والإسلامية ضمن الاعتراف بالآخر هو الذي جعل منها مدينةً نموذجيةً تتمتع بكل هذا التسامح بين أفرادها، حيث ساد حياتهم الهدوء والتعاون والعيش المشترك، فيما كان التنافس فيما بينهم محصوراً بالإبداع والتفوق في مختلف مناحي الحياة داخل مظلة العمل النافع الذي اتسمت به أجواء هذه المدينة الشهباء.
وهذه خاصية قد لا تتمتع بها سوى مدينة حلب، التي ساد حياة سكانها كل هذه المظاهر من التسامح الديني رغم تعدد العرقيات، مع أن مجتمعاتها ضمت كل الأديان السماوية، وهي الإسلام والمسيحية واليهودية، دون أن يترك هذا التباين آثاراً تصادمية، بحيث يقوض أو يسمح بتقويض هذه المعالم التي نراها شاهداً على وعي سكانها وتكيفهم فيما بينهم، وحرصهم على أن يتركوا للأجيال المتعاقبة هذا النموذج الذي يبلغ عمره أكثر من عشرة آلاف سنة.
ومن المؤكد أن التركيبة السكانية لمدينة حلب التي تضم قوميات عربيةً وأرمنيةً وشركسيةً وتركيةً ومن مختلف الديانات والمذاهب، فضلاً عن كثرة روادها وزائريها والمقيمين فيها من غير أهلها، هو ما جعلها بهذه الأهمية، وهو ما أعطاها كل هذا البعد التاريخي والحضاري، ومن ثم الريادة بعد مكة المكرمة باختيارها عاصمةً للثقافة الإسلامية عن المنطقة العربية، حيث وجد أنها الأكثر تأهيلاً لهذا الترشيح بفضل عمارتها الإسلامية التي تمثل كل العصور منذ العام السادس عشر الهجري وحتى الآن.
وقد يكون من المفيد التركيز على هذه الخاصية التي تتمتع بها حلب ونحن نحتفل باختيارها عاصمةً للثقافة الإسلامية، وأقصد بذلك ظاهرة التآخي بين الأديان، حيث أقيمت المساجد وإلى جانبها الكنائس، في مظهر يؤكد حجم التآلف وعمق العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، والتناغم بين أطياف السكان، وبالتالي اتساع رقعة التنوع الحضاري، بحيث مارست كل الطوائف والديانات والقوميات والمذاهب كل ما يستجيب لقناعاتها ويلبي خصوصياتها دون أن يثير ذلك حفيظة أي مواطن أو مقيم فيها، وذلك في إطار الحضارة الإسلامية التي تدعو إلى الحوار وتبادل وجهات النظر بالحكمة والموعظة الحسنة.
* * *
وإن هذا الإرث الحضاري، المتمثل في النقوش الأثرية والمعالم الحضارية التي تظهر بشكل متصل تاريخ العمارة والآثار القديمة في حلب منذ آلاف السنين وإلى اليوم، ما كان ليتم إنجازه لولا إرادة أبناء عاصمة سيف الدولة الحمداني، وتعاونهم فيما بينهم، وتميزهم بتنوع الثقافات والتوجهات، بما أعطى لهذه المدينة كل هذه الأهمية، وأهلها لأن تتبوأ مكانتها بوصفها عاصمةً للثقافة الإسلامية، ونموذجاً للمدن الإسلامية بعمارتها الإسلامية، وبالتالي ليتواصل الاحتفال والاحتفاء بهذا الحدث على مدى عام كامل.
ولا يمكن أن نتحدث عن المخزون التراثي والفني الذي تتميز به مدينة حلب بما لا منافس أو مماثل لها في ذلك، دون أن نتوقف طويلاً عند بلاط سيف الدولة الحمداني الذي أحسن ضيافة ووفادة كثير من الأعلام والمشاهير في مختلف مجالات المعرفة، وأنه حين اختار مدينة حلب لتكون مقراً وعاصمة له، فقد كان ذلك إيذاناً بازدهارها ورقيها واستعادة أمجادها في حقول العلم والطب والأدب والفن، حتى قيل عنه في عدد من المصادر التاريخية (إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة الحمداني من الشعراء والكتاب والعلماء والمثقفين) ولمثل هذا القول دلالات ومعان على أنها كانت منطقة جذب للعلماء عبر التاريخ، بدليل أن أول مطبعة عربية بالشرق في العصر الحديث كانت في حلب، وأن أكثر من مائة صحيفة كانت تصدر من حلب خلال القرن الماضي، وكل هذا يأتي امتداداً لتاريخ حلب حين اختارها سيف الدولة الحمداني لتكون مقراً وعاصمة له.
* * *
وإن مظهر النسيج العمراني المتميز الذي تتمتع به مدينة حلب وتتفوق به على ما عداها من المدن الإسلامية الأخرى التي كان لطابعها العمراني هي الأخرى الحق بدخولها في المنافسة مع حلب على حق الأسبقية في اختيارها عاصمةً للثقافة الإسلامية، غير أن ما بقي من هذا النسيج العمراني الحلبي عد بنظر المختصين شاهداً على حضارتها، وعلى أنها مدينة تاريخية ليست داثرةً، وبالتالي فإن اختيار مدينة حلب بكل إرثها الديني والثقافي والإنساني، وبأسوارها القديمة وقلعتها الأقدم على مستوى العالم، وبوصفها مدينةً مأهولةً تاريخياً وغير مندثرة عاصمةً للثقافة الإسلامية وفق المعايير التي حددتها منظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، بعد احتفائنا بمكة المكرمة العام الماضي كأول عاصمة للثقافة الإسلامية، له دلالته التي لا تخفى على أي أحد؛ ما يعني أهمية هذه المدينة ذات الطابع الأصيل من حيث البعد التاريخي والتنوع الحضاري، ومساهمتها في الإبداع والفكر والثقافة والعلوم بكل تنوعاتها وأطيافها وتخصصاتها بما لا مثيل له في مدن أخرى في العالم الإسلامي، فضلاً عما تتميز به من تعايش سلمي بين طوائفها وديانات أهلها في نسيج اجتماعي قد لا نجده في التركيبات والمجمعات السكنية بمدن أخرى كثيرة على امتداد العالم الإسلامي.
على أن الحديث عن نشأة هذه المدينة العريقة سوف يعيدنا إلى استحضار ما قاله الأقدمون واتفقوا عليه من أنها مدينة تضرب جذورها في عمق التاريخ، وأنها تمثل نموذجاً للمدن الإسلامية بعمارتها الإسلامية عبر العصور منذ العام السادس عشر الهجري وحتى اليوم، مروراً بالعصر الأموي والعصر العباسي، بما يحسن بنا ونحن نحتفل معاً في عام عرسها الجميل أن نجمع شتات هذا التاريخ ونقدمه سهلاً وميسراً وموجزاً ومنقحاً ومتاحاً لكل من يريد أن يطلع عليه، ضمن الخدمة التي ربما اتفق معي بعض من يعنيهم أمر تنظيم هذه الاحتفالات بضرورة الشروع بها ودون إبطاء؛ حتى تبقى مثلما بقيت حلب الشهباء بمبانيها ومعالم عمرانها شاهداً على حيوية أهلها المتعاقبين على حماية تراثها وإنجازاتها وما تتفرد به من شواهد حضارية.
* * *
فقد لفت نظري، وأنا أقرأ عن حلب شيئاً من تاريخها؛ استعداداً لكتابة ما تستمعون إليه، أن المواطن الحلبي يجهل - كما كتب عن ذلك - أسباب ومعنى اختيار حلب عاصمةً للثقافة الإسلامية، فيما هو يقيم في المدينة، بل يسكن بجوار معالمها وآثارها التاريخية، بينما كان عليه أن يلم بشيء كثير من المعلومات عن هذه الكنوز من الآثار التي تحتفظ بها مدينة حلب ولا يوجد لها مثيل في مدينة أخرى في العالم.
ولعل هذه المناسبة تكون فرصةً مواتيةً لأولئك الغيورين على حماية هذا التراث، بأن يبذلوا الجهد المناسب للتعريف به، بما لا يجعل أحداً يجهل أو لا يعرف حقيقة وتاريخ مدينة حلب، وذلك بأن يظهر الجميع استعدادهم للمساهمة في خدمة هذا الجانب من شخصية هذه المدينة، وعندئذ لن نخاف على أن تاريخاً كهذا يمكن أن يختفي بسبب الإهمال، أو بسبب عدم إعطاء هذه الثروة المهمة العنايةً التي تستحقها، وبخاصة حين نسعى إلى فتح قنوات لترغيب الناس في القراءة عنها، وتتبع تاريخها ضمن التوجه المطلوب لإبقاء شعلة الاهتمام بها متقدمة ومستمرة.
* * *
وحسبنا، ونحن نحتفل بحلب الشهباء عاصمةً للثقافة الإسلامية لهذا العام، أن نعيد الاهتمام - باستثمار هذه المناسبة - إلى العقل العربي الإسلامي مذكرين بأهمية صيانة هذا المنجز الحضاري التليد للأمة، والمحافظة على هوية مدننا العربية والإسلامية ذات الإشراقات والومضات والصور الجميلة، حيثما كانت هناك فرصة للتعبير عن مضامين تلك الأعمال الإنسانية، التي أبدعتها عقول بشرية رائدة بأمل أن تتواصل هذه الإنجازات وتتبلور بشكل أفضل لإظهار القدرة البشرية الخلاقة في خدمة المدينة الإسلامية على امتداد الوطن العربي وفي كل الأوطان الإسلامية.
وإنني إذ استشعر في داخلي هذه المسؤولية الملقاة علينا جميعاً، كل بحسب قدراته وإمكاناته وموقعه من المسؤولية، فإن فرحي جد كبير إذ أزور هذه المدينة الجميلة وأكتب وأقرأ عنها، وبالتالي لأستمتع بجزء من تاريخ أمتي، باستنشاق شيء من عطر هذا التاريخ، باعتبار مدينة حلب نموذجاً لهذا التاريخ البهي، الذي أغرى حتى غير العرب وغير المسلمين لزيارات متعددة لها، بل والكتابة عنها، فضلاً عن أولئك الذين زهدوا بكل دول الشرق والغرب، وهاجروا إلى حلب، حيث الهواء الصحي العليل، وما يقدمه المطبخ الحلبي من أصناف وأنواع لذيذة من المأكولات، إلى جانب صحبة أهالي حلب وبناء أوثق علاقات الصداقة والمحبة معهم، فحلب كما قيل:
(بلد يظل به الغريب كأنه
في أهله فاسمع جميل ثنائها)
* * *
ولا يمكن لمدينة كحلب التي حافظت على هويتها العمرانية إلى اليوم، إلا أن تكون مدينةً ولودةً للقاءات العلمية والأدبية والتاريخية وكل مناحي الثقافات والعلوم الأخرى، ولا يمكن للمرء وهو يلقي بنظره عند تجواله على هذه المعالم التاريخية في هذه المدينة الجميلة، إلا أن يقرر سريعاً بأن وراء هذه الورشة الكبيرة التي تولت بناء هذا الإبداع منذ القدم، عقولاً مبدعةً ومهارات كبيرةً، وحس إنساني عميق، وإلا لما كان كل هذا المخزون الهائل من التراث الحضاري الذي لا مثيل له في مدن إسلامية وعربية أخرى، وبخاصة إذا نظر إليه من حيث الأقدمية والصمود على مدى سنوات طويلة، والسعة وتعدد الوظائف التي تقدمها هذه الإنجازات.
وإن من يقرأ عن تاريخ هذه المدينة سوف يجد أن ما فاته الاطلاع عليه من معالمها حين تجواله راكباً أو راجلاً، قد وجده موثقاً وبكل التفاصيل من خلال أعداد كبيرة من الكتب والدواوين الشعرية القديمة التي أعيدت طباعة بعضها مع حلول هذه المناسبة، إلى جانب ما تم تأليفه من كتب جديدة استوحى مؤلفوها أفكارهم من خلال البحث والدراسة لكل ما شاهدوه أو قرؤوه عن تاريخ هذه المدينة، مع إضافات استخلصوها من تقصيهم لأحوال المدينة وأهلها في ظل هذا الزخم الكبير المتوفر من المعلومات المدونة بأقلام كتاب ومؤرخين كبار عاشوا فترات مهمة من مراحل نشأة هذه المدينة الإسلامية.
* * *
على أن الحديث عن بعض المشاهير الذين صادفتهم وصحبتهم على صفحات هذه الكتب أثناء قراءاتي عن مدينة حلب، لن يكون أكثر من إشارات سريعة إلى أسماء بعضهم، حيث إن من يرغب في التعرف على معلومات عن هؤلاء فسوف يجدها بكل التفاصيل الموثقة في المراجع والمصادر والكتب التي توجد لحسن الحظ في كثير من المكتبات العامة، بحيث وفر ذلك للراغبين فرصة التزود بمعلومات عن هذه الرموز التي ارتبطت أسماؤها بهذه المدينة، وشكل هذا الارتباط علاقة مضيئة بين هذه المدينة وهؤلاء، ضمن تزاوج بين الفكر الخلاق لديهم وهذه الشواهد والمعالم الكثيرة التي نراها في المدينة القديمة لحلب.
ومن بين هذه الأسماء الذين صنفوا كمفكرين أو فلكيين أو شعراء أو مؤرخين أو أطباء، أو فلاسفة أو علماء لغة ونحو أو رحالة أو فنانين أو غيرهم، تبرز أسماء: عبدالرحمن الكواكبي وأحمد الكاتب وعبدالقادر الجابري، ومصطفى الشهابي، ومحمد الرفاعي، والبحتري، وأبو فراس الحمداني، والمتنبي، وأبو العلاء المعري، وأبو تمام، وعمر أبو ريشة، وابن العديم، وابن شداد، والغزي، والطباخ، وابن جني، وابن خالويه، وأرسطو، وياقوت الحموي، وابن بطوطة، والرومي، والفارابي، والخوارزمي، والأصفهاني، وابن شحتة، وابن سلوم الحلبي، وأبو بكر الرازي، وابن سيناء، وابن مالك صاحب الألفية، ومصطفى العقاد، وغيرهم من الأعلام والمشاهير، إذ لا تعدو هذه الأسماء أن تكون نماذج لكثيرين أبدعوا أيما إبداع في إعطاء هذه القيمة الحضارية لحلب.
ومثلما قال الدكتور علاء الدين لولح فإن هؤلاء العلماء والأعلام قدموا عبر التاريخ الكثير من القفزات العلمية والثقافية للإنسانية وكان لهم نصيب كبير في اثراء المكتبة العربية بنتاج أبحاثهم المتميزة محققين بذلك سبقاً معرفياً أضاء الطريق لمن أتى بعدهم، ولا يمكن أن يستكثر مثل هذا الكلام المنصف حين يقال عن مدينة حلب، أو عن رموزها؛ فقد كانت مدينة حلب وجهة للشعراء والأدباء والمؤرخين والمبدعين الكبار الذين أشرنا إلى أسماء بعضهم.
................................................. غداً الحلقة الثالثة والأخيرة




نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved