قصائد النساء كقصائد الرجال ويجب أن تحظى بالاهتمام وتؤخذ في عين الاعتبار لكي تعم الفائدة للباحث والدارس.. كما أن أشعار النساء لا تقل عن أشعار الرجال من حيث القوة والابتكار إلا أن كثيراً من أشعار النساء ظل مهملاً لفترة من الزمن لأسباب اجتماعية لا تخفى على المختصين والشعر القديم هو الذي حفظ لهذه الأمة تاريخها وأمجادها وسيرة حياتها.. وكان بالزمان السابق كثيراً ما تقول المرأة الشعر وتخفيه لأمرين: إما من شدة الحياء، أو من عدم من يجيد الكتابة من أقاربها. وهذا مما يجعله يُنسى أو يُنسب لغير قائله أو يعدل ويبدل فيه لأنه عند بعضهن ليس ذات أهمية، كما أن حياة البادية كانت قاسية من حيث الترحال بحثاً عن منابت الكلأ وموارد المياه.. ومما يدل على سعة إدراك ولباقة المرأة ما صار للشاعرة مويضي البرازيه عندما كانت تتغنى بأبيات لها وكان صوتها مميزاً وسمعها رجل من المتمسكين وأرسل رجلا اسمه سلامه حبه وسمع نعومة صوتها تكلم عليها أو قيل ضربها وعندما سمعت حمامة تغني برأس نخلة قالت أبياتاً موضحة فيها سعادة هذه الحمامة التي ما يقدر عليها سلامة قالت:
|
يا سعد عينك بالطرب يالحمامه |
ياللي على خضر الجرايد تغنين |
عزيل حالك وان درى بك سلامه |
خلاك مثلي يالحمامه تونين |
كسر عظامي كسر الله عظامه |
شوفي مضارب شوحطة بالحجاجين |
جاني يقول مروحينه عمامه |
الله يخرب ديرة لا صفر العين |
وللنساء في ابتكار المعاني جانب كبير في قوة السبك وابتكار المعاني تقول مويضي البرازيه: إذا تاه الرجل طريقه بالليل فهو بإمكانه أن ينتطر الصباح وإذا ظهرت الشمس يعرف اتجاه طريقه، لكن إذا تاه طريقه وسط النهار فماذا ينتظر حتى يعرف طريقه. تقول من أبيات لها:
|
اللي يتيه الليل يرجي النهارا |
واللي يتيه القايله من يقديه |
أما الشاعرة (نورة الحوشان) فقالت أبياتاً عندما طلقها زوجها ابن دورج فكثر من يأتي يخطبها والرجل الذي ترغبه لم يأت إليها والشخص الذي لا تريده كل يوم يأتي إليها كما يأتيها مجموعة لما فيها من الجمال ومكارم الأخلاق. تقول من ضمن أبيات لها عندما تذكرت زوجها السابق والعشرة التي قضتها معه وشاهدت مزرعته وقليبه وبعض الأيام يقابلها بالشارع ولا يسلم بعضهم على بعض، فقالت أبياتاً صارت مثلاً عند الناس لما فيها من القوة حيث تقول:
|
يا عين هلي صافي الدمع هليه |
والى قضى صافيه هاتي سريبه |
ياعين شوفي زرع خلك وراعيه |
هذي معاويده وهذي قليبه |
يمرني بالدرب ما اقدر احاكيه |
مصيبةٍ ياكبرها من مصيبه |
واللي يبينا عيت النفس تبغيه |
واللي نبي عيا البخت لا يجيبه |
وللنساء نصيب كبير في قصائد الاجتماعيات والقصائد التي تنهج منهج الحكمة والسبب التربية الأصيلة التي تصوغ المرأة صياغة أصيلة والشاعرة (هيا بنت عياد) عاشت مع زوجها الفقير وقتاً من الزمن وهو كان ضعيف الحال والمال والناس في ذلك الزمن كانت عيشتهم قليلة إذ يمضون اليوم واليومين لم يأكلوا شيئاً تجدهم يصبرون وتجد العفة في وجوههم ولا يبينون حاجتهم لأحد وصار الكثير من الناس يشير عليها بفراق هذا الزوج الفقير لكن هي راضية ومقتنعة فيه لما تعرف عنه من كرم وأخلاق فاضلة وقالت أبياتاً توضح فيها أخلاق وخصال زوجها الحميدة وحين سمع والدها الأبيات سُرَّ من حسن تصرفها ورجاحة عقلها ومن ضمن الأبيات تقول:
|
يامل عين حاربت سوجة الميل |
على عشير بالحشا شب ضوه |
على عشير طبخته نصفها هيل |
اللي سعى بالطيب من غير قوه |
المال ما طيب عفون الرجاجيل |
والقل ما يقصر براع المروه |
اجواد عقب اجواد جيل بعد جيل |
والطيب فيهم من قديم وتوه |
ومن المعلوم اختلاف عقول النساء واختلاف آرائهن فتجد فيهن من ترغب الزوج الذي لا يعصي لها أمراً ولا يخالف رأيها وفيهن من ترغب الزوج كثير المغازي والأسفار لكسب المعيشة. فمثلاً الشاعرة (بنّا) وأختها (مويضي)، بنّا تفتخر بكرم زوجها وشجاعته من قولها تسند على أختها مويضي تقول:
|
شوقي غلب شوقك على هبة الريح |
ومحصل درب الكرم والشجاعه |
ركاب شوقي كل يومٍ مشاويح |
والى لفا صكوا عليه الجماعه |
أختها (مويضي) تقول: أنا أريد الزوج قليل الأسفار ودايم عندي ولا يخالف لي رأياً، تقول من أبيات لها بهذا الموضوع:
|
ما هوب خافيني رجال الشجاعة |
ودي بهم مير المناعير صلفين |
اريد مندسٍ بوسط الجماعه |
يرعى غنمهم والبهم والبعارين |
والى نزرته راح قلبه رعاعه |
يقول يا هاف الحشا ويش تبغين |
وان قلت له هات الحطب قال طاعه |
عجل يجيب القدر هو والمواعين |
ولو أضربه مشتدةٍ في ذراعه |
ماهوب شاكيني ولا الناس دارين |
وتخالف رأيها الشاعرة (فتاة الوشم) التي تنتقد الزوج الذي يجلس دون فائدة ودون عمل يتعيش منه، بل يعتاش فيما يأتيه من الصدقات والزكاة في شهر رمضان ويفتخر فيما يأتيه من صدقه وزكاة لا تحل له ولا لأمثاله بل تحل لشخصٍ غير قادر على العمل تقول من قصيدة طويلة:
|
يا بنت شوقك جاك معه الغنايم كاش |
الى جا من الديره مخابيه مشحونه |
الى حسب اللي حصله من نهاره شاش |
يحسب المراجل نفعة اللي يمدونه |
وانا حالفه لو هو عشيري عنه لا انحاش |
ما اريد الجبان اللي من الخير يعطونه |
ما اريد الجبان اللي معاشه يجي ببلاش |
ردي العزايم طايحٍ مع هل الشونه |
أما الشاعرة (دهيره) فقد رفض والدها زواجها من شخصٍ تحبه فاستعطفت والدتها كي تساعدها على والدها في زواجها من هذا الرجل لكن والدها لا يزال يرفض زواجها منه قالت أبياتاً من ضمنها:
|
خافي من النار يا يمه |
خافي من النار يا بعيدي |
تراي انا اليوم بالذمه |
مثل الوغد راضع الديدي |
ما الشاعرة (وضحى بنت عبدالله الدوسري) فهي قالت أبياتاً عندما طلقها زوجها ورفضت الزواج إلا من شخص جمع الخصال الحميدة حتى لو أنه كبير بالسن وفيه شيب تقول:
|
انا من يعاوني على حب راع الطيب |
أحب الشلي لو كان والله ما يبغين |
احب الشلي لو كان نصف العوارض شيب |
ولا اريد ولد اللاش حتيش لو به زين |
أما الشاعرة (مزنة بنت مكازي) فهي قالت أبياتاً عندما ذُبحت فرس زوجها في بعض المعارك تقول من ضمن أبيات لها توضح فيها محتبسها لزوجها:
|
يا حيف يا سابق الممرور |
اللي عن الموت ما سند |
قلبي بحبه فهو مصخور |
ولو ينصح القلب ما فند |
وإلى اللقاء مع الجزء الثاني قريباً بإذن الله.
|
إبراهيم بن عبدالله اليوسف |
|