Al Jazirah NewsPaper Tuesday  07/01/2007 G Issue 12519
مقـالات
الثلاثاء 20 ذو الحجة 1427   العدد  12519
الحياة والإنسان (عقلٌ كاملٌ به يكتمل عقل الإنسان)
د. عبد المحسن بن عبدالله التويجري

عقل الحياة وبما هو عليه من سعة يضيق به عقل الإنسان وإن اختلف في تفاصيله بين إنسان وآخر. وإن وسعه أحياناً فإن ذلك لا يُغيبُ انفعالاً قد يحدث نتيجة لسلوك يرفضه عقل الحياة، أو لا يستجيبُ له لخلل في المعادلة التي بها سلك طريقاً تدفع به الرغبة ويتراجع معه الجهد أو هو خارج على قوانين عقل الحياة التي تفصل بين ما هو رغبة أو ضرورة.

والرغبة تأذن بها الحياة وإن حذَرت من النتائج، أما الضرورة فهي مجال تتفاعل معه قوانينها بمسؤولية والتزام. وشواهد هذا حينما يواجه أحدنا نتائج عملٍ أقدم عليه فإن المحصلة رهنٌ للدافع إن كان رغبة أو ضرورة. ومثال ذلك حين يُقدمُ أحدنا على إلقاء محاضرة أو ما شابه ذلك، فإن توجه لمستمعيه برغبة يأمل معها استحسانَ ما يقدمه فإن النتيجة بأثرها على نفسه لن تؤدي إلى إحباط أو ارتباك نفسي لأن من يرغب في الاستحسان يدرك الاستهجان، وكلاهما ردّ فعل لما يلقيه على مسامع من يقدّم محاضرته إليهم، وأن ذلك أمر محتمل ما بين الاستحسان والاستهجان.

والأمر مختلفَ تماماً بأثره ونتائجه متى اُعتبر الاستحسان ضرورة، وحين لا يحدث فقد يُصاب بإحباط وارتباك يصحبه حدة من انفعال يرتدّ على نفسه سلباً ويعطّل بعضاً من القدرة لديه أو محاولة تطويرها.

والفارق بين الرغبة والضرورة منهاج بالأثر والنتيجة تتأكد أهميته ما بين عقل الحياة وعقل الإنسان؛ حيث إن عقل الحياة له صفة من الثبات بقوانين ونواميس لا يحيد عنها أحدنا مهما كان الأمر، أما عقل الإنسان فلديه مرونة بها يقرر معادلته مع تلك النواميس بل حقائق يفرضها عقل الحياة. وما أراد الخالق عزَّ وجلَّ لا يملك عقل الإنسان معه من القدرة ما يغير ما أراد وشاء، وبرحمته منح عقل الإنسان قدرة ومرونة وذكاء وذاكرة تمكنه من الفهم الذي به يختار ويساير نواميس وحقائق عقل الحياة.

ومثال آخر وفق هذا السياق، المآكل والمشرب والتنفس ضرورة تُصّرُ الحياة على تفاعيل بمسؤولية فيما يحفظ حيوية وصحة الإنسان، ومكان الرغبة هنا وبالذات في المآكل تستجيب له الحياة من خيراتها الكثيرة، فالضرورة أن تأكل والرغبة في تنوع ما تأكل، وهنا تلاحم في الصميم بين الضرورة والرغبة، والقصد أن لا تخلط ما لا يُخلط أو لا يقبل الخلط بين الرغبة والضرورة، ومتى حدث هذا فنتائجه لها ردود من فعل؛ فمنا من يقوى بهذا كتجربة وخبرة، ومنا من يُصَرُ على هذا الخلط فتزداد معاناته النفسية ويرتبك عقله. ومسؤولية هذا كله على الإنسان في الأساس وما يترتب على ذلك من نتائج.

وعقل الحياة يُشجع الإنسان في عقله ونفسه على التجربة والمحاولة، والتجربة وسيلة للخبرة، وكلاهما معرفة قد يُحالف هذا الجهد بعض من الصواب أو الخطأ، وفي هذا ما يؤكد أنها لا تضيق بجهد أو سعي الإنسان لأنها تعلم أنه المكلف بعمار نفسه ومكانه، ولاختزال ما بين عقل الحياة وعقل الإنسان من الجفوة، أو ما هو صراع أو شبه صراع في المسؤولية في هذا بأن يفهم الإنسان ثوابت عقل الحياة، والحمد لله أن عقله ذو مرونة وذكاء وذاكرة. وإن قال أحدنا غير ذلك فليجرب تفعيل مكونات عقله وتنميتها، فسيجد أن له نصيباً من الذكاء بذاكرة ومرونة يتميز بها عقل الإنسان، ومظاهر ذلك قدرته على التكيف مع ظروف دائمة أو طارئة؛ فالإنسان وديعة عقله ونفسه أمام خالقه المالك والمتحكم في ذات الإنسان بل بكامله، وهو بجلاله من خلق الحياة وثَبت نواميسها في العقل منها إن جاز التعبير.

فالرغبة حافز مهم متى وافق لحظته بعيداً عن مسيرة بعكس الطريق، والضرورة جوهر للبقاء الذي به ينتفع الإنسان والمجتمع بل الإنسانية كلها. ومن المهم أن ندرك ما هو ضروري وما هو بدافع الرغبة، وأن نحافظ على موقع كل أمر يتعلق بهما، ونسير به حين نخاطب عقل الحياة، وهذا سببُ لاستقرار النفس، وبعض من صفاء العقل. ونتاج ذلك كل ما هو إيجابي مع وجود لا مكان للإنسان على هامشه وإن أسرعت خطاه خارج السرب فقد يتيه به الطريق فتقول الحياة له: بَعُدتَ عني فبعدتَ عن مقاصد النجاح والاستقرار المتاح في الوقت الذي أعددتُ لك معه أكثر من طريق وطريق، ولست بالرافضة لك بل أنا من أجلك اكتمل عقلي بأمر خالقي، فتذَكّر أن الإنسان الأول قد رحبتُ به حين جاء بكرمٍ من ربه حيث علّمه الأسماء كلها وتذكّرْ قبل مجيئه أن ربّ العالمين سبحانه أمرَ ملائكته بالسجود لمقامه تكريماً ذا مغزى ومعانٍ عدة.

وهذا الإنسان الأول تذكّرَ أن بدايته الخطيئة التي ارتكبها على الرغم من أنه نُهيَ عنها فكان له من رحمة ربه المغفرة والبلاء، وفي البلاء ما تُمتحنُ له عبادته وحده، وإيمانه وفق ما جاء به الرسل، وما نصّت عليه الكتب المقدسة، حيث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ختمُ لهم بما أوحى به من الحق عزَّ وجلَّ؛ حيث المنهاج والشريعة وما احتوت عليه سنة الرسول العظيم - صلى الله عليه وسلم - وهذا طريقٌ متى التزم به الإنسان عاد إلى مكانه حيث الخلود بنعيمٍ مقيم.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS

تبدأ برقم الكاتب«6383» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد