Al Jazirah NewsPaper Monday  08/01/2007 G Issue 12520
الرأي
الأثنين 19 ذو الحجة 1427   العدد  12520

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ
سلمان بن عبدالله القباع

الليل جزء من حياتنا، أوجده الله عز وجل للراحة والسكون، يخيم بظلامه فتستقر النفس، ويهدأ البال، وأودع فيه من الأسرار، والجمال، والروعة ما أعجز الشعراء عن وصفه، والأطباء عن دراسته، وقد ذكره الله عز وجل في كثير من الآيات للدلالة على آياته الكونية، وما يحمل في طياته من بديع خلقه، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً}سورة (النبأ-آية10)، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} سورة (غافر-آية61)، وقد أقسم الله عز وجل بالليل في عدة مواقع، وسبحانه وتعالى لا يقسم بشيء إلا للدلالة على أهميته وعظمته، ولفت الأنظار إليه، ولهذا فالليل نعمة عظيمة من نعم الله علينا التي لا تعد ولا تحصى، وقد لفت عز وجل الانتباه لذلك في قوله تعالى:{(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} سورة (القصص-آية72)، ففي الليل السكون والاستجمام من أعباء النهار ومعاناته، وفيه لقاء الأحبة لمسامرتهم والأنس بهم، وفيه يُرى بديع خلق الله في السماء من نجوم وكواكب، وفيه تصفو النفس وتهدأ، وفيه الأفراح والليالي الملاح، وفيه يحلو للبعض اللعب والمرح، وفيه يأخذ البدن والنفس قسطاً من الراحة، وفيه يجد المتعبد لذته بمناجاة ربه، وفيه ينزل عزّ وجلّ للسماء الدنيا ليخاطب عباده، فالليل يحمل معاني كثيرة لدى كل إنسان حسب ميوله وفكره، ومع كل هذا فقد جعل الله الليل ابتلاءً لفئة من الناس ممن لم ينعموا بسكون الليل، وجماله، وروعته، وصار الليل بالنسبة لهم فترة للآهات والأوجاع، وفترة للخوف والقلق، وفترة للمعاناة والتأمل في مجريات الأحداث، كما قال الشاعر:

لي فيك يا ليل آهات أرددها

أواه لو أجدت المحزون أواه

فأصحاب الهموم لسان حالهم يقول: الليل طويل علينا، فما أقسى الليل عليهم! وما أبعد النوم عن أعينهم! وما أثقل الحمل على كاهلهم.

فالليل طويل على المريض الذي لازم السرير فاشتكى كلٌّ من صاحبه لطول فترة البقاء...

طويل على من جنّ عليه الليل وهو لا يعلم أيصبح أم تكون إحدى الغارات الجوية هادمة له ولأحلامه...

طويل على من أثقلته الديون ولا مخرج منها لقلة موارده...

طويل على من خسر في تجارته وانكسرت أسهمه...

طويل على من قدّر عليه الانتظار لغد لسماع خبر يحدد مسار حياته...

طويل على من يخشى من طوارق الليل أن تداهمه...

طويل على من فارق الوطن والديار والأحباب والأصحاب يعد الأيام والليالي متى يأنس بالرجوع إليهم...

طويل على من ينتظر لقيا الحبيب فتقر عيناه بلقياه...

طويل على من فقد حبيبه وقرة عينه...

طويل على من حمل أمانة وسوف يُسأل عنها يوم القيامة...

طويل على من حمل همَّ الأمة كيف ينهض بها في هذه الأزمات...

وكل هؤلاء أصحاب الليل الطويل يصدق فيهم قول امرئ القيس:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لما تمطى بصلبه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلي

بصبح وما الإصْباح منك بأمثل

نعم... ألا أيّها الليل الطويل ألا انجلِ، فما طال ليل إلا ويعقبه نهار، فلن يغلب عسر يسرين:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى

ذرعاً وعند اللّه منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

فرجت وكنت أظنها لا تفرج


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد