كان (فراس) يعيش مع عائلته بعيداً عن البحر. لقد عرفت العائلة كلها البحر قبل أن تهاجر من وطنها، أما (فراس) فلم يره أبداً.
كانوا يتحدثون أمامه عن البحر، وكأنهم يتحدثون عن حبيب غائب، كانوا يصفون لونه الأزرق الذي يلتقي بلون السماء، ويحكون عن شاطئه الأبيض الناعم الذي تنطبع فوقه آثار الأقدام، حتى تأتي الأمواج فتموحها لتعيد الرمال صفحة بيضاء.
تمنى (فراس) أن يسمع ذلك الصوت الذي تهمس به الأمواج في النهار والليل وأن يحلم مع تلك السفن الكبيرة التي ترحل إلى بلاد بعيدة غامضة ومملوءة بالأسرار.
قال (فراس): أريد أن يكون لي بحر كالبحر الذي يتحدثون عنه!
جاء (فراس) بماء كثير، ووضعه في وعاء كبير مرة ومرة، وعشرات المرات.
لكن الماء الكثير لم يكن في نظر (فراس) بحراً!
جاء (فراس) بالملح من المطبخ، وأضافه إلى الماء وحرك الماء بيديه حتى ذاب الملح.
لكن الملح مع الماء، لم يصنعا (لفراس) بحراً!
(قد ينقص هذا البحر لون أزرق)!
جاء (فراس) بزجاجة من الحبر الأزرق، وصبها فوق الماء، ثم حركه بيديه ليصنع أمواجاً وعندما نظر (فراس) إلى الماء الأزرق، قال: (ليس هذا بحراً).
فرش (فراس) رملاً ناعماً حول وعاء الماء، وجاء أيضاً بأصداف وقواقع، ووضعها حول الوعاء ولكن الرمل، والأصداف، والقواقع، لم تصنع من وعاء الماء بحراً.
حتى السمكة التي وضعها (فراس) في الماء، لم تصدق أن ذلك الوعاء يمكن أن يكون بحراً.
عرف (فراس) أنه لا يستطيع أن يصنع من كل هذه الأشياء بحراً، وأن البحر الكبير الحقيقي سيظل يناديه وأنه سيعود إليه برغم كل الصعوبات.
