طالب عدد من ضحايا حوادث السيارات أو الحرائق أو الحوادث المختلفة وذويهم بضرورة قيام الجهات ذات الاختصاص بإنشاء دور خاصة بإعادة تأهيل وتهيئة ضحايا حوادث السيارات وذويهم من الأسرالتي تعاني من الأثر النفسي والاجتماعي بعد الإصابات المختلفة من جراء حوادث السير المرورية التي ارتفعت نسبتها حسب آخر إحصائيات أصدرتها مجلة السلامة المرورية لعام 1425هـ، حيث بلغت 292981حادثاً مروريا. على مستوى المملكة مما ينشأ عنها الكثير من الأضرار التي يتطلب معها العلاج المتكامل جسمياً ونفسياً واجتماعياً، وتقديم الدعم المعنوي لمثل هذه الحالات، حيث إن غالبية المستشفيات الحكومية والخاصة لا تهتم بالناحية النفسية للمصاب وتأهيلها لممارسة حياته الطبيعية في مرحلة ما بعد الحادث، وهي مرحلة لا تقل أهمية عن الصدمة الأولى، ولا يوجد في المستشفيات برامج علاجية سلوكية ونفسية للتعامل مع الآثار الجانبية والمشاكل المادية والاجتماعية التي تخلفها الحوادث مثل التكاليف المادية، وترك العمل أو الوظيفة، أو فقدان الروابط الأسرية كالطلاق في بعض الحالات، وعندها يجب توجيه المريض وخاصة من الأطفال والنساء والمراهقين، إلى أماكن ومراكز الرعاية الصحية النفسية التي تتابع معهم مرحلة العلاج النفسي والتقويم السلوكي للانخراط في مجالات حياتهم الدراسية والعملية والعادية، خاصة أن بعض المستشفيات الخاصة ترفض استقبال وإسعاف المصابين من حوادث المرور إلا بعد ضمان المقابل المادي.
ويتساءل المواطنون، ومن كانت لهم سابق تجربة في الموضوع عن سر عدم قيام مثل هذه الدور الإنسانية رغم بشاعة تبعات حوادث السيارات وما تسببه من آلام وخسائر بشرية فادحة كل يوم، حيث تشير الإحصائيات المرورية إلى أن عدد القتلى في حوادث الطريق في المملكة وصل إلى 5200 متوفى، إضافة إلى أن نحو 7% من المصابين ينتهي بهم الحال إلى إعاقة دائمة.
حيث بات وجود مثل هذه الدور في بلادنا الحبيبة أمراً ضرورياً سواءً لإعادة تأهيل الضحايا أنفسهم، أو أسرهم خاصة، وأن الإجراءات الحالية لإسعاف ضحايا الحوادث وعلاجهم غير كافية، ولابد من تتويجها بعلاج وتأهيل نفسي مكثف، ويطالب كذلك المواطنون بالعناية الخاصة لأصحاب العاهات والإعاقة من أثر الحوادث المرورية وحالات الشلل وفقدان الأطراف أو بعض أعضاء الجسم، باعتبار هذه الفئات العاجزة عزيزة على قلوبنا، ووجدت في المجتمع نتيجة طبيعية لارتفاع نسبة حوادث المرور وحقها أن تجد الرعاية والاهتمام.
(كارثة مستمرة)
وتقول ريما محمد الغامدي وهي ضحية لحادث مروري أدى إلى وفاة زوجها وشقيقها، بينما أصيبت هي بجروح وتم إنقاذها رغم مرور سبعة أعوام على هذا الحادث البشع الذي وقع في منطقة الطائف فإنها مازالت تعاني منه نفسياً وجسدياً مما دفعها إلى اللجوء إلى طبيب نفسي للعلاج ومازالت مستمرة في العلاج حتى الآن، وقالت ريما: إن العلاج بعد الحادث اقتصر على نقلها إلى مستشفى الملك فيصل بالطائف وتقديم الإسعافات والرعاية الطبية لها فقط، ثم خرجت من المستشفى دون تأهيل يذكر الأمر الذي جعلها تعاني من الآلام والإحباطات النفسية.
وتؤكد ضحية أخرى أنها خرجت من مستشفى حكومي بجدة وهي شابة في مقتبل العمر على كرسي متحرك، وتم تسليمها لزوجها على هذا الأساس فقدان الحركة وشلل نصفي وانتهى عنده العلاج دون متابعة لحالتها أو أدنى رعاية نفسية أو تقديرا لحالتها النفسية.
وقالت ضحية ثالثة وهي نفيسة فلسطينية الجنسية: إنها تعرضت لحادث مروري أودى بحياة زوجها السعودي الجنسية و أبنائها الثلاثة في طريق تبوك - المدينة المنورة، حين عودتهم إلى المملكة من الإجازة قبل أربع سنوات، وتم إسعافها من جروح بسيطة لكن تبقى المعاناة النفسية لا حد لها نتيجة عدم وجود تأهيل نفسي بعد الحادث.
وجهي يعذبني
وجهي احترق فجأة نتيجة حادث مروري ونسيت شكلي، ولكن رغم شفائي وإجراء بعض العمليات التجميلية داخل وخارج المملكة في محاولة لإعادة وجهي بصورة حسنة، لكن الآلام النفسية المبرحة مازالت تسيطر علي تماماً والنتيجة أنني أصبحت من مرتادي المصحات النفسية طلباً للعلاج النفسي.
هذه العبارات بدأت بها حديثها بألم الضحية فاتن ع س (28) عاما، وقالت: إن هذا هو أمر الله عز وجل ولا راد لقضائه، ولكن لو كان هناك تأهيل نفسي في أحد الدور المتخصصة لعلاج ضحايا الحوادث وأسرهم لكان أفضل لإعادة تأهيل الضحايا وبناء الثقة في أنفسهم.
تحسين خدمات الصحة النفسية
وتحدثت الدكتورة سميرة خالد الغامدي أخصائية نفسية رئيس مكتب الإعلام والتثقيف الصحي والعلاقات العامة بمستشفى الصحة النفسية بجدة عن تعرض الإنسان لمختلف الكوارث التي بدورها تعرضه لاضطرابات نفسية تصنف لاضطرابا ت ما بعد الكوارث التي تؤثر في المريض وتختلف من فرد لآخر باختلاف الشخصية وبنائها والاستعداد الوراثي لها والبيئة المحيطة بها.
وإن كان ينقصنا عيادات الكوارث وفرق الدعم النفسي، كما في الدول الأخرى التي توفر غير المؤونة الغذائية والطبية الدعم النفسي للأطفال وتأهيلهم، وللأسر التي تفقد عائلها وإعادة دمجهم في الحياة، وقد قامت لدينا محاولات شخصية وفرق نفسية ليست تحت مظلة رسمية، وهذه الفرق تعالج وتتعامل مع الأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية الناشئة من حوادث الطرق التي تحتاج توعية أكثر، وحوادث المعلمات بصفة خاصة والكوارث بصفة عامة كاحتراق منزل أو سقوط بناية وما تحتاجه هذه الأسر وبقاياها من الدعم النفسي لمواجهة الكارثة.
وأضافت الغامدي أن من ضمن الخطة لعام 1427- 1428هـ في مستشفى الصحة النفسية قد تم إنشاء عيادة: (الدعم النفسي للكوارث ) وقد باشرت عملها منذ بداية العام الجاري، على أساس جانبين للعمل، القسم الأول يستقبل كل الحالات الاستشارات النفسية السريعة التي لا يمكنها الذهاب للعيادة فقط يمكنها الاتصال على العيادة، ويتم إرسال فريق دعم لمساعدته في نفس الوقت، والقسم الثاني لفريق العمل خاص لحالات العنف الأسري التي لا تستطيع الوصول إلى المستشفى يمكن مساعدتها عن طريق الهاتف إلى أن يتم وصولها للعيادة. وتقدم العيادة خدمة خاصة بوجود فريق نفسي متخصص وعلى أتم استعداد في أي وقت للدعم في الحوادث والكوارث الكبيرة، يتواجد في مكان الحادث، ويحصل على بيانات وأرقام التواصل مع كل الأسر وبعد العلاج لهذه الحالات يتابع معهم جلسات العلاج النفسي في المستشفى أو في منازلهم، ثم يتم إدراجهم في جداول خاصة لمتابعتهم في العيادات الخارجية.
كما يوجد بالمستشفى عيادة ثابتة للتثقيف الصحي يحول إليها المريض بعد العيادة النفسية لتوفير المعلومات والمتابعة مع المريض كل 15 يوما، ومن ضمن الخدمات التي يوفرها مستشفى الصحة النفسية فرق الدعم النفسي التي تتوجه للأسر في منازلها ومتابعة علاجهم النفسي، وبرنامج التخفيف على الأهل والأسر باستقبال المرضى من ذويهم، في مقر المستشفى منذ الصباح وتقديم الخدمات العلاجية لهم حتى عودتهم مساءً إلى منازلهم.
وأكدت سميرة الغامدي أنه قريباً سيتم إصدار المجلة النفسية الخاصة بعيادة العامل النفسي لما بعد الكوارث التي تحتوي على كل أرقام الهواتف التي يمكن المصابين الاتصال بها لتقديم كافة الخدمات النفسية والاستشارية والتوعوية لهم.
أو يمكنهم الاتصال على مستشفى الصحة النفسية مباشرة، وسيتم تحويلهم على الجهة المساعدة لهم.
وطالبت سميرة الغامدي بالتعاون والتواصل بين مستشفى الصحة النفسية والجهات الرسمية في المجتمع كالأمن والبلدية والشؤون الاجتماعية يتم عن طريقها الإعلام عن حالات الحوادث لتقديم نوعية أفضل وأسرع في الخدمات للمواطن، وأن المسؤولين في العيادة على أتم استعداد للاجتماع مع أي جهة لديها احتياج ووضع الخطط الواضحة وتنظيم البرامج لخدمة المجتمع من ضمن تحسين الخدمات التي تقدمها مستشفى الصحة النفسية التي توفرها الدولة للمستشفيات الحكومية من خلال الأوضاع الراهنة التي دعت إلى استحداث مثل هذه العيادات، وتتمنى أن تكون العيادة تحت مظلة الإمارة، وأن يكون فريق العمل معتمداً من قبلها.