Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/01/2007 G Issue 12533
الرأي
الأحد 03 محرم 1428   العدد  12533
البطالة في الوطن العربي حقائق وأرقام
د. أحمد العثيم

البطالة تلك المشكلة التي دائماً تبحث عن حل في كل دول العالم؛ فلا تكاد تخلو دولة منها وإن تباينت بينها معدلات البطالة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية بلغت نسبة البطالة في 2003 نحو 5.9%، بينما سجل معدل البطالة في دول الاتحاد الأوروبي خلال 2004 نحو 9.8% واستقر معدل البطالة العالمية في 2005 عند 6.3%، حيث بلغت نحو 191.8 مليون عاطل، بزيادة قدرها 2.2 مليون شخص عن عام 2004، وسجلت أمريكا اللاتينية أكبر نسبة زيادة لتبلغ نحو 7.7%، وفي الدول المتقدمة تراجعت من 7.1% في عام 2004 إلى 6.7% في 2005، في حين لم يطرأ تغير يذكر على المعدل العام للبطالة في آسيا وفي دول الاتحاد السوفييتي حيث وصلت نسبتها إلى 9.7% عام 2005 مقابل 9.5% عام 2004، أما في الاتحاد الأوروبي والاقتصاديات المتقدمة، فتراجعت نسبة البطالة من 7.1% في عام 2004 إلى 6.7% في 2005، وسجلت منطقة الشرق الأوسط أعلى معدل للبطالة في العالم بنسبة 13.2%، واستمرت الفجوة بين بطالة الرجال وبطالة النساء في الانحسار لكن بشكل طفيف ففي 2005 كان 52.2% من النساء في سن العمل يعملن في وظائف مقارنة مع 51.7% في عام 2004، وبالنسبة للرجال بلغ الرقم 66.3% في 2005 مقارنة مع 66.8% في 2004، تلك كانت بعض الأرقام والمؤشرات عن البطالة في العالم بشكل عام, فماذا عن البطالة في العالم العربي على وجه التحديد؟.

تعتبر مشكلة البطالة هي أهم تحديات الدول العربية فالأرقام المعلنة عن انتشار ظاهرة البطالة في الدول العربية تثير المخاوف, وقد ناقشت العديد من المؤتمرات العربية المشتركة تلك المشكلة من أجل الوصول إلى حلول لها؛ ففي المؤتمر الثالث للإصلاح العربي ومؤتمر العمل العربي اللذين عقدا مؤخرًا في كل من القاهرة والرباط في فبراير 2006 تم مناقشة العديد من جوانب تلك المشكلة وطرق حلها.

فالأرقام والإحصائيات توضح حجم تلك المعضلة الاقتصادية حيث تجاوز عدد السكان في العالم العربي 307 ملايين نسمة في عام 2004 منها 115 مليون نسمة هي حجم القوى العاملة العربية منهم 25 مليون نسمة عاطل عن العمل أي ما يعادل نحو 21.7% من السكان.

وتتركز البطالة في الدول العربية بشكل أساسي في قطاع الشباب حيث بلغ متوسط معدل بطالة الشباب نحو 53% من إجمالي حجم البطالة بالنسبة إلى جميع الدول العربية وتتراوح معدلات البطالة بين 2% في الكويت و3% في كل من الإمارات والبحرين وقطر وتصل النسبة إلى 7% في السعودية وسلطنة عمان وتتجاوز النسبة 11% في كل من مصر وسوريا ولبنان وبلغت نحو 13% في الأردن و14% في تونس والمغرب و17% في كل من السودان والصومال واليمن ونجد في العراق وفلسطين والجزائر تجاوزت فيها نسبة البطالة 30% ويمكن القول إن لتلك النسب المرتفعة من معدلات البطالة في الدول العربية العديد من الأسباب ومن أهمها الآتي:

* ارتفاع معدل النمو السكاني في الوطن العربي فقد بلغ في عام 2004 نحو 2.3% وهو أعلى معدل زيادة في العالم، وتشير الإحصائيات السكانية إلى أن عدد سكان الدول العربية يتضاعف كل ثلاثة عقود تقريباً قياسًا بالدول المتقدمة حيث يتضاعف النمو السكاني كل 116 سنة, فقد كان عدد سكان الدول العربية نحو 122 مليون نسمة في عام 1970 وارتفع إلى 307 ملايين نسمة عام 2004؛ ومن المتوقع أن يبلغ نحو 484 مليونا في عام 2025 و851 مليونا في عام 2050، ويرجع هذا الارتفاع الكبير في معدل تضاعف عدد السكان بالدول العربية إلى قصور السياسات السكانية الخاصة بتنظيم النسل والأسرة.

* فشل برامج التنمية في العناية بالجانب الاجتماعي بالقدر المناسب، وتراجع الأداء الاقتصادي، وتراجع دور الدولة في إيجاد فرص عمل بالحكومة والمرافق العامة, وانسحابها تدريجيًا من ميدان الإنتاج.

* ارتفاع معدل نمو العمالة العربية مقابل انخفاض نمو الناتج القومي، ففي الوقت الذي يبلغ فيه نمو العمالة 2.5% سنوياً، فإن نمو الناتج القومي الإجمالي لا يسير بنفس الوتيرة نفسها، بل يصل في بعض الدول العربية إلى الركود، وأحياناً يكون سالباً.

* استمرار تدفق العمالة الأجنبية الوافدة، خاصة في دول الخليج، ففي أعقاب الأزمة العراقية الكويتية 1990- 1991، هيمنت العمالة الآسيوية على سوق العمل في الخليج وحلت محل العمالة العربية وكان من بين الآثار السلبية لهذه العمالة:- تفشي البطالة بين الشباب الخليجي في ظل تشبع القطاع الحكومي, والتباين في الأجور وشروط العمل بين العامل الوافد والوطني، مما أدى إلى عدم النجاح الكامل لسياسات توطين الوظائف, وتشير الإحصائيات إلى أن عدد الأجانب العاملين في الدول الخليجية يتزايد باستمرار فقد بلغ في عام 2005 نحو 9 ملايين عامل مقارنة مع نصف مليون عامل عام 1975، ومما لا شك فيه أن تلك الأعداد الكبيرة لها تأثيرات سلبية عديدة، ولكن الأثر الأكثر خطورة لها يتمثل في ارتفاع معدلات تحويلاتها سنوياً، فقد بلغ حجم المبالغ التي حولها الأجانب من دول الخليج عام 2005 نحو 30 مليار دولار مقارنة مع 10 مليارات دولار عام 1988 متفوقة بذلك على مجموع تحويلات العاملين الأجانب في الولايات المتحدة التي تعد أكبر دولة مستوردة لقوة العمل الأجنبية.

ولمواجهة تلك المشكلة قامت الدول العربية بالعديد من التجارب والجهود من أجل الحد من البطالة فيها وهي جهود اتسمت بالفردية بعيداً عن العمل العربي المشترك مما جعل تلك الجهود غير مجدية حتى الآن.

وتعتبر دول الخليج أكثر الدول العربية وضعًا للخطط الطموحة لمعالجة تلك المشكلة, فقد عملت دول الخليج علي إعادة تنظيم توظيف المواطنين، ووضع إجراءات لتحفيز القطاع الخاص على تشغيل المواطنين بدلاً من العمالة الأجنبية، التي تقدر بـ 9 ملايين عامل، والعمل بتوصيات منظمة العمل العربية، بأن يتم إعطاء الأولوية في التشغيل للعمالة الوطنية الخليجية ثم العمالة من الدول العربية الأخرى, فالكويت كمثال لدول الخليج قامت بتبني برامج حوافز للقطاع الخاص, وفي البحرين تم وضع خطة في عام 2003 من أجل القضاء نهائيًا على تلك المشكلة في غضون ثلاث سنوات, وفي الإمارات قامت الدولة بفتح المجال أمام القطاع الخاص من أجل توسيع دائرة الوظائف, وفي السعودية تبنت نظام السعودة وتشجيع القطاع الخاص على فتح فرص العمل أمام السعوديين, وقد أدت تلك السياسات إلى أن معدلات البطالة في كل من دولة الإمارات وقطر والبحرين والكويت أصبحت هي الأقل على مستوى الوطن العربي, فقد جاءت الكويت في المرتبة الأولى كأقل معدل للبطالة عام 2005 وبنسبة لا تزيد على 1.6 % حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 26 ألف عامل, وبلغت نسبة البطالة في دولة قطر عام 2005 نحو 2.3 % وعدد العاطلين عن العمل 8887 فيما بلغت هذه النسبة في دولة الإمارات 3% وفي مملكة البحرين 3.1% وعدد العاطلين عن العمل 9224 ألفا.

وعلى الرغم من تلك الجهود في أغلب الدول العربية إلا أن هناك العديد من السياسات التي أغفلت الدول العربية تنفيذها ومن أهمها الآتي:

- رسم وتنفيذ برامج تطوير القطاع الخاص مع الإسراع نحو تطوير أسواق العمل في المنطقة لتمكينها من استيعاب القوى العاملة الفائضة خاصة ً أن التوقعات تشير إلى إمكانية أن يصل عدد المنضمين الجدد لأسواق العمل العربية حوالي 3 ملايين سنوياً مع إمكانية ارتفاع تلك الأعداد إلى أكثر من 4 ملايين حتى عام 2010م.

- تطوير القطاع الخاص والعمل بشكل متواز نحو تفعيل الدور الذي يمكن أن يقوم به القطاع العام خلال المرحلة المقبلة للإسهام في انجاز خطط الإصلاح الاقتصادي وتهيئة المناخ العام المناسب لإنجاح تلك الخطط .

- يتطلب اقتصاد دول المنطقة العربية معدلات نمو تصل إلى 7% سنوياً لتجاوز معدلات البطالة الحالية التي تنمو بنسب تصل إلى 3% سنوياً, غير أن تحقيق تلك المستويات من النمو الاقتصادي لن يتحقق إلا من خلال إعادة تنشيط عمليات استثمار رؤوس الأموال العربية داخل دول المنطقة .

وهناك أيضًا العمل المشترك بين الدول العربية الذي سيكون له أثر كبير في القضاء على تلك المشكلة فهناك العديد من الخطوات التي يجب العمل بها مثل:

- ضرورة الإسراع بإنشاء السوق العربية المشتركة التي طال انتظارها, لأن إنشاءها يساعد في تشجيع تبادل الأيدي العاملة، وانتقال رؤوس الأموال بين الدول العربية، بما يؤدي إلى التقليل من حدة المشكلة.

- تعريب العمالة العربية، وهي مرحلة تالية للتوطين، ويتم ذلك من خلال إحلال العمالة العربية محل العمالة الأجنبية في الدول العربية التي تعاني من نقص في تخصصات ومهن معينة، مثل دول الخليج العربية.

- تحسين الأداء الاقتصادي العربي، وتحسين مناخ الاستثمار في الدول العربية، وإزالة القيود التنظيمية والقانونية التي تحول دون اجتذاب الأموال العربية في الخارج، والتي يقدرها بعض الخبراء بنحو 800 مليار دولار، ولا شك أن عودة هذه الأموال للاستثمار في الدول العربية سوف يساهم في كبح جماح مشكلة البطالة، ويساعد على توفير فرص عمل لا حصر لها للشباب العربي, وهناك تقديرات بأن الدول العربية عليها استثمار نحو 70 مليار دولار من أجل الحد من مشكلة البطالة والدول العربية مطالبة بتوفير نحو 100 مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر المقبلة فقط .

وأخيراً يمكن القول إن البطالة هي التحدي الأكبر للاقتصاديات العربية على وجه الخصوص, لأن مواطنًا بلا عمل هو طاقة مهدرة يجب استغلالها.

وعلى الحكومات العربية أن تعي أنه آن الأوان لكي يمارس المواطن العربي الحق في العمل، كما ينبغي أن يتمتع بكافة الحقوق الأخرى ولو من خلال القطاع الخاص وليدرك الجميع أن عالمًا بلا بطالة هو عالم المنافسة الحقيقية حيث كل عامل يبرز مواهبه وقدراته وإبداعاته في سوق تتصف بالعولمة والتحرر من قيود التبادل.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد