Al Jazirah NewsPaper Wednesday  24/01/2007 G Issue 12536
الرأي
الاربعاء 05 محرم 1428   العدد  12536
رحل عن دنيانا أطيب قلب
بسماء علي الجاهل / عنيزة

كم تفرحنا الدنيا وكم تحزننا ولكن أبداً تظل سائرة بكل ما فيها من أحزان وأفراح.. ويبقى النسيان أعظم جراح في هذه الحياة.

في عشر ذي الحجة حيث يلهث المسلمين بالتكبير وتمتلئ دنياهم بطاعة وصيام وصدقة وذكر، في السابع منه رحلت عن دنيانا (حصة الحبيب) ذات أكبر قلب وسع الجميع بحبه رحلت تاركة فراغا كبيرا في قلب أبنائها وأحفادها لن يملأه أحد بعدها فلقد كانت تدعو للصغير والكبير للحاضر والغائب للقريب والغريب.. وهذا كان ديدنها في هذه الحياة رطب لسانها بذكر الله والدعاء للجميع نهاراً أما ليلاً فمنذ عرفتها وهي تحافظ على قيام الليل تحييه صلاة وذكراً.

كشريط من الذكريات الجميلة ظللت ليلة رحيلها أتذكر كلماتها حكاياتها الجميلة وذكريات شبابها كم عددت لي أقاربها (وقد كانت رحمها الله حتى آخر لحظة من حياتها تتمتع بذاكرة قوية) وصلتها بهذا وذاك من يصلها منهم ومن يقطعها، فقد كانت تحكي لي آخر الأسبوع عندما تراني من زارها في هذا الأسبوع وحتى كانت آخر زيارة له.. كانت تفرح جداً بمن يزورها تستدنيه منها وتعطيه كل اهتمامها مقبلة عليه بوجه بشوش تسأل عن أحواله وتطمئن على أفراد عائلته حتى من يقطعها منهم.

كم مرة قابلت من أقاربها فأخبرني بصلة قرابته فكنت أرد عليهم نعم أعرف ذلك فلقد أخبرتني بقرابتكم لها كما أخبرتني بأنكم لا تزورونها لهذا هي عاتبة عليكم وإن كانت لا تنساكم من دعائها فيطرقون خجلاً ويحيرون جواباً.

كانت رحمها الله تحبني (أحبها الله وأسكنها في فردوسه الأعلى) وتخصني بمكان بجانبها لا يجلس فيه أحد سواي، جلست مرة بجانبها فلما تحسست ذراعي (وكان قد ضعف بصرها) ضحكت من كل قلبها وقالت لي: لقد جلس حمد بمكانك وقلت له قم عن مكان زوجتك عندها ضحكت وقلت لها: كل الأماكن مثل بعض حينها التفتت إلي بكامل جسمها ونظرت إلي نظرة لن أنساها (نظرة حب وعتاب) وقالت بصوت حازم هذا مكانك لا يجلس فيه أحد سواك يظل طوال الأسبوع فارغا حتى تأتين وتجلسين فيه فجزاك الله خيراً وأصلح لك أولادك.

كانت تضع مرفقها بجانب مرفقي وتعرف من خلال حركتي عندما أتحدث وعندما أحمت تسألني (بعد أن ثقل سمعها) ماذا قلتم ولماذا سكتم تتحسس يدي فتعرف هل شربت فنجان قهوتي هل حملت أحداً من أبنائي.. كنت لا أغادر مكاني حتى أخبرها إلى أين سأذهب.. الآن أصبح مكانها خاليا أنظر إليه أتحسس مكان ذراعها من يملؤه بعدها.. أذهب إلى غرفتها هنا كان فراشها وسجادة الصلاة التي لا تغادر فراشها أبداً، كأس مائها مذياعها، علبة الحلوى المليئة دائماً بانتظار قدوم الأطفال.. ذهبت وتركت أشياءها الصغيرة لكنها تركت أيضاً حباً كبيراً في قلب كل من عرفها.

كانت تحمل هم الجميع وتدعو للجميع، قالت لي ذات مرة: أتمنى أن يمد الله بعمري حتى أرى لك بنات، فقلت لها يا خالة الأولاد مثل البنات، فردت علي: لكنك تحبين البنات وأدعو الله أن يرزقك بنات، قبل وفاتها بأسبوعين حملت بنتاي (التوأم) تحسستهما وقالت الحمدلله تحسنت صحتهما وكثر شعرهما وطال فتعجبت من ذلك القلب الكبير الذي يحتوي الجميع ويهتم بأبسط الأشياء وأصغرها للأحفاد وأبناء الأحفاد.

وسبحان الله كما كانت عادتها في هذه الحياة الصلاة ظلت في كل وقت عندما يؤذن المؤذن ترفع إصبعها للتشهد وتتمتم بالصلاة ركوعاً وسجوداً بإصبعها رغم عدم إحساسها بمن حولها.

وكما أحبت الجميع حتى آخر لحظة من حياتها ظل أولادها وأحفادها يحيطون بها ويرعونها بكل حب واهتمام وألسنتهم لا تفتر عن الدعاء لها وأعينهم تفيض دمعاً رحمة بها.

هذا بعض من مواقفها وحبها لي وما أنا سوى زوجة حفيدها فكيف عنها لأبنائها وأحفادها!!

فإلى كل من عرفها لا تنسوها من صالح دعائكم فلقد كانت تدعو لكم في كل حين دعوة في ظهر الغيب رحمها الله رحمة واسعة وجمعنا بها وبموتانا في جناته.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد