ليست هذه التسمية من عندي، لكنها عنوان لكتاب يتضمن لقاءً مطولاً طرح فيه عمَّار البغدادي عدداً من الأسئلة المتعلِّقة بالعراق الجديد على الكاتب السياسي الشيعي العراقي حسن العلوي، أطلق فيه العلوي اسم (العراق الأمريكي) على هذه المرحلة التي يعيشها العراق، وقد سُئل عن سبب اختياره لهذا الاسم فقال: (لأن العراق في عصوره التاريخية مرَّ بأطوار، فهناك العراق السومري والعراق البابلي والعراق العباسي والعراق العثماني، والعراق البريطاني، وهناك ما سُمي بعراق عبد الكريم قاسم، وعراق صدَّام حسين، وعراق نوري السعيد، ونحن الآن في العراق الأمريكي، فما وجه الغرابة)، ومع أن الكاتب حسن العلوي يُوصف بأنه شيعي في كثيرٍ من آرائه، فهو ينتقد موقف الشيعة العدائي من أبي حنيفة، وله كتاب عن عمر والشيعة، واسم ابنه الذي يتجاوز عمره الآن أربعين سنة (عمر)، إلا أنه يتحدث عن الحكومة العراقية القائمة حديث الرِّضا، ويقول عن مجموعة من رجال الحكم في العراق الأمريكي: فأنا أكتب وأقترح وأعترض وأنصح وأرفض وأقبل أموراً تصل إلى أصدقائي كالرئيس مسعود البارزاني والرئيس جلال الطالباني والرئيس إياد علاوي والدكتور أحمد الجلبي وزعيم الأغلبية البرلمانية عبد العزيز الحكيم ونائب الرئيس عادل عبد المهدي، وأنا مثلاً أشرف على جريدة المؤتمر واسعة الانتشار في لندن أيام المعارضة إلى جانب إياد علاوي وأحمد الجلبي والشريف علي بن الحسين وممثلي الأحزاب الكردية والإسلامية، لكن صلتي بأصدقائي (الإسلاميين) العرب والعراقيين بقيت مستمرة ولم تنقطع، ومن أحب أصدقائي عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة القدس العربي ومنزلته عندي لا تقل عن منزلة صديقه اللَّدود فؤاد الهاشم الكويتي وأنا جزء من النظام الجديد الذي خاصم أصدقائي القدماء وما زالوا أمثال محمد المسفر وهارون محمد.
|
هكذا حدَّد مؤلف كتاب (العراق الأمريكي) ملامح شخصيته، وقد زاد ذلك وضوحاً قوله: نحن بناة النظام الجديد الذين أمضينا ربع قرن كاملاً في عملية تغيير ذاتي لتجديد أفكارنا ومشاعرنا.
|
وقد أشار العلوي في كتابه إلى الفرق بين العراق البريطاني والعراق الأمريكي قائلاً: العراق البريطاني سنِّي، والعراق الأمريكي شيعي، وإذا كان علماء الشيعة قد عارضوا العراق البريطاني سابقاً، فإن علماء السنَّة يعارضون العراق الأمريكي حالياً ويقول: فأغلبية الشيعة مرتاحة للعراق الأمريكي، فيما مشيخة الإسلام السنِّي هائجة مائجة، ثم يقول في عبارة واضحة: إن المعارضة الشيعية للحكم السني خلال ثمانين عاماً - خَلَتْ - كانت أرقى وأكثر تحضُّراً بما لا يقاس مع أعمالٍ تنسب حالياً للمعارضة السنية.
|
وفي الكتاب كلام كثير ذو أهمية في معرفة ما قد يكون غائباً عن كثير من المثقفين من شؤون العراق في المائة سنة الماضية، وفيه كلام مفصل عن القومية العربية والعروبة، وعن بداية نشأة العراق الأمريكي التي تعود عنده إلى عام 1963م، معتبراً كل الثورات والانقلابات والحروب والقيادات العامة والمنظمات السرية هي التي كوَّنت العراق الأمريكي، ويعدُّ أحمد الجلبي وإياد العلاوي والشريف والبارزاني والطالباني ومجلس الحكم ووزراء برايمر وما بعد برايمر والإسلاميون الذين ذهبوا إلى أمريكا هم رجال العراق الأمريكي الذين حصدوا نتائج المرحلة السابقة (ولا أدري لماذا لم يُشِرْ إلى المالكي هنا). والعلوي يقول: لا أتردَّد في القول هنا إنَّ الغزو الأمريكي للعراق هو لحظة عسكرية تشبه غزو الكويت تسبقها أربعون عاماً كشفت عن علاقة ما بين 9 شباط 1963م و9 نيسان 2003م.
|
كتاب (العراق الأمريكي) برغم حجمه المتوسط مليءٌ بمعلومات وأفكار لم يستطع انفتاح كاتبه حسن العلوي الفكري والسياسي أنْ يخفي مذهبيته، وشعوره الشيعي العميق، وتبقى له آراؤه الجيدة التي يخالف بها جوانب التعصُّب في مذهبه، كموقفه من أبي حنيفة، ومن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، عِلْماً بأنني سمعت منه مباشرة أنه يؤمن بأنَّ مذهب الشيعة خصوصاً (مذهب الاثني عشرية) يقوم على مغالطات ومخالفات شرعية كثيرة ينكرها ولا يؤمن بها مثل سبِّ الصَّحابة - رضي الله عنهم - والاعتقاد بأحقية عليِّ - رضي الله عنه - بالولاية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤكد أنه حنفي المذهب الفقهي، وأن لديه غلوَّاً في حبِّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مقابل غلوِّ الشيعة في بغضه، ولا شك أن هذه الآراء المضيئة تستحق الإشادة والتقدير، وإن كان الغلوُّ مذموماً في الحالات كلِّها.
|
|
فالوهم ذئبٌ والعقول فرائسٌ |
يصطادها لمَّا تتيهُ ويَرْتَعُ |
|
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5886» ثم أرسلها إلى الكود 82244
|
(*)www.awfaz.com |
|