Al Jazirah NewsPaper Sunday  11/02/2007 G Issue 12554
الاقتصادية
الأحد 23 محرم 1428   العدد  12554
جمع التبرعات وتسريبها للخارج... الجريمة المزدوجة
فضل بن سعد البوعينين

من المفارقات المؤلمة أن تعتقل السلطات الأمنية عدداً من المواطنين والأجانب بتهمة الاشتباه بجمع الأموال وتسريبها للخارج من أجل دعم النشاطات الإرهابية في وقت تُعلِن فيه إدارة الدفاع المدني بالرياض خبر انهيار منزل سكني مخلفاً قتيلين وخمسة مصابين، إصابات بعضهم خطيرة. سقوط المنزل حدث بسبب انتهاء عمره الافتراضي الذي لم يساعده على الصمود أمام كمية الأمطار المتوسطة التي هطلت على مدينة الرياض خلال الأيام القليلة التي سبقت انهيار المبنى.

آثرت أن أبدأ بهذا الربط الحزين لكي أوضح جانباً من جوانب ازدواجية الجريمة التي يرتكبها قلة من المواطنين الذين ينساقون خلف شعارات الأعمال الخيرية المضللة التي تقودهم إلى ممارسة أعمال تتنافى مع أبسط قواعد الخير، وتتعارض مع القوانين والأنظمة الداخلية والدولية، في الوقت الذي يغضون فيه أبصارهم عن فقراء الداخل الذين يعانون شظف العيش وقسوة الحياة.

أموال المحسنين السعوديين يفترض أن توزع على المحتاجين في الداخل لا أن توجه إلى مجموعات إرهابية خارجية تحت غطاء التبرعات الإنسانية. قد نتفق أو نختلف في تحديد الجماعات الإرهابية، كما هو الحال بين المقاومة والإرهاب على سبيل المثال، ولكن يفترض ألا نختلف أبداً حول الأنظمة والقوانين الصادرة عن وزارة الداخلية والتي تُجَرِم كل من يخالف ضوابط الوزارة الرسمية المنظمة للأعمال الخيرية، ومن أهمها الحصول على تصريح مسبق من الجهات الرسمية قبل مباشرة جمع التبرعات، وتحديد الغرض منها، وأسماء العاملين في جمعها بحيث يفترض أن يكونوا من السعوديين، واشتراط إيداعها في حسابات بنكية محددة سلفاً، والصرف منها وفق ترتيب معلن ومحدد في فترة زمنية محددة. إذا نحن أمام قوانين وأنظمة رسمية، لا يمكن تجاوزها أو الاجتهاد في تفسيرها، وأنظمة دولية أكثر تشدداً وتسلطاً على الدول الإسلامية التي أصبحت تحت ضغط عالمي كبير، واتهامات غير منصفة، في وقت تعاني فيه بعض الدول الإسلامية المُتَهمة، من هجمات الإرهابيين.

اللائحة التنظيمية الرسمية لجمع التبرعات، تهدف إلى وضع التبرعات المالية في إطارها الخيري بعيدا عن الأغراض الإرهابية، أو أية أعمال قد تقود مستقبلا، ولو من باب الخطأ، إلى دعم الجماعات الإرهابية. إذا كان الأفراد المخالفون للأنظمة مسؤولين عن تصرفاتهم الشخصية أمام القانون المحلي، فالدولة أيضا مسؤولة أمام القانون الدولي عن عمليات الدعم اللوجستية الخارجية التي تنطلق من أراضيها.

مشروع تنظيم الأعمال الخيرية داخل السعودية يهدف إلى الفصل الواضح بين الأعمال الخيرية الحقيقية، والأعمال الخيرية المستخدمة كغطاء لدعم الجماعات الإرهابية، وهو بذلك يحد من تسرب أموال المحسنين للخلايا الإرهابية الخارجية والداخلية في وقت يعاني فيه الفقراء والمحتاجون داخل المملكة ظروفا معيشية قاسية، كما أنه يسعى، في الوقت نفسه، إلى ضمان استمرارية الأعمال الخيرية ضمن إطارها القانوني، وعدم تأثرها بانعكاسات عمليات تمويل الإرهاب السلبية الواقعة تحت مظلة أعمال الخير الصورية.

عمليات جمع التبرعات وتسريبها للخارج يمكن أن تكون الجريمة المزدوجة على أساس حرمان فقراء الداخل من أموال المحسنين، ومن ثم توجيهها لتمويل عمليات الإرهاب التي يهدف من خلالها إلى قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، تدمير الممتلكات، ترويع الآمنين، وزعزعة الأمن الداخلي من خلال التفجيرات، أو من خلال الضغوطات الدولية القاسية التي تبنى عادة على تمويل العمليات الإرهابية، الدولية منها على وجه الخصوص.

أفراد أسرة (الشميسي) البائسون الذين طُمِروا تحت أنقاض منزلهم المتهالك، إضافة إلى فقراء الداخل، هم أكثر حاجة لتلك الأموال المسربة إلى الخارج، وأجزم أن في مساعدتهم وبرهم الأجر العظيم الذي يفوق في حجمه أجر الإحسان الخارجي، ف(الأقربون أولى بالمعروف) هذا في حالة تطابق الأهداف الإنسانية النبيلة، أما في حالة استخدام أموال المحسنين السعوديين في تمويل عمليات القتل والترويع والدمار الداخلية منها والخارجية فذاك الهلاك لا محالة، وهو الفساد الذي سيطال دماره الجميع، المحسنين منهم قبل المسيئين، نسأل الله السلامة والأمن والأمان لبلدنا خاصة ولبلاد المسلمين.

f.albuainain@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد