حقاً لقد غاب عن سماء بلادنا ومدار مسيرة نهضتها التعليمية كوكب كانت له إضاءة متميزة في جوانب عديدة من أجواء تلك النهضة الشاملة التي عمت بلادنا الغالية من أقصاها إلى أقصاها وفق خطط وركائز بناءة بفضل الله ثم بفضل قيادتها السامية..
وكان ذلك الكوكب المعطاء ضياءً وتجدداً الأستاذ الدكتور حمد بن إبراهيم السلوم - رحمه الله- أحد روادها التربويين المتميزين نهجاً ومنهجاً وإخلاصاً في أداء رسالته التربوية والتعليمية منذ كان مدرساً بعد تخرجه من كلية الشريعة بمكة المكرمة ثم مديراً لثانوية اليمامة بالرياض، وصاحب بصمة إدارية تعليمية واضحة عندما أصبح مديراً عاماً للتعليم بمنطقة الرياض ثم وكيلاً لوزارة المعارف لشؤون الطلاب بعد إتمامه لدراسته العليا في أمريكا؛ وعندما أسندت إليه مهام الملحقية الثقافية السعودية في الولايات المتحدة الأمريكية كان بحق قدوة الإخلاص العملي والتعامل الأبوي، حيث جعل مكتبه ومنزله مشرعاً لأبنائه الطلاب لمعرفة آمالهم وآلامهم، وكان الأقرب من كل موظفي وموظفات الملحقية حضورياً وهاتفياً لسماع احتياجات واستشارات طلاب وطالبات المملكة المبتعثين على نفقة الدولة أو الدارسين على حسابهم الخاص.. نعم كان لا يتصيد التقصير أو الأخطاء ليضعها في ملفات الطلاب أو الطالبات بل يساعدهم على حل مشكلاتهم ويحثهم على عدم العودة إلى التقصير أو تكرار أخطائهم بمحبة الأخ الغيور وروح الأب الصبور وهو ما عرفته في تعاملي معه ومتابعتي لكثير من قضايا الطلاب والطالبات عندما تشرفت بالعمل (مشرفاً عاماً على مكتب معالي وزير التعليم العالي) إبان جزء من فترة عمله ملحقاً ثقافياً في أمريكا، ولعل أقل ما أقول بحقه -رحمه الله- عن تلك الفترة بأنه كان أستاذاً وقدوة لكثير من الملحقين الثقافيين السعوديين وصاحب مدرسة متميزة حقاً في القيام بهذه المهمة الإدارية الثقافية الدبلوماسية، وتلك الرسالة التعليمية التربوية الوطنية.. وبعد أن حظي بالتقدير السامي من القيادة الرشيدة وصدرت الموافقة الكريمة بتعيينه على المرتبة الممتازة مديراً عاماً لمعهد الإدارة كانت روحه التربوية التعليمية وخبرته الإدارية الإنسانية هي الأكثر تأثيراً وتطويراً وتميزاً في قيادته لمسيرة العمل التعليمي الإداري لمعهد الإدارة العامة الذي كان ولا يزال أهم مناهل التنظيم العلمي والإداري والقانوني لمسيرة الإنجازات في شتى المجالات الوظيفية السعودية، ولعل الأخ الأستاذ إبراهيم التركي أشار إلى شيء من هذه الجوانب الإدارية والإنسانية في رثائيته يوم أمس الاثنين لمعالي الدكتور حمد السلوم.
وبعد أن تقاعد -رحمه الله- عن مهامه الوظيفية الرسمية لم يتأخر عن مواصلة أداء أمانته التعليمية والتربوية والإفادة بخبراته الإدارية والعلمية فأنشأ (دار سماح للاستشارات) ومدارسها التي تحت الإنشاء التي ستستمر بإذن الله، ثم بفلسفته وأهدافه في إنشائها مصدر خبرة تعليمية وإدارية للمدارس والمعاهد الأهلية وسيكون لها بعد وفاته -رحمه الله- كما كان لها في حياته من اسمها نصيب في حسن الإدارة ونبل السماحة، وبخاصة أن له أنجالاً كراماً نهلوا من معين علمه وسماحته واستفادوا من نصحه وخبرته؛ أسأل الله أن يُحسن عزاءهم وعزاء أهلهم وأخواتهم وأن يعظِّم أجرهم ويجمع قلوبهم دائماً على الخير ليواصلوا مسيرة والدهم (تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته).. وإنّ ممّا يؤكد عميق التقدير والامتنان له -رحمه الله- أن أقاربه وأصدقاءه وطلابه وعارفي فضله كانوا من صادق محبتهم له وثقل فجيعتهم بوفاته يتبادلون العزاء في فقدانه بكلمات تخنقها العبرات وهم يوارونه الثرى ثم أثناء تقديم العزاء لإخوانه وأبنائه.. جزاه الله عن الجميع خير الجزاء وجعل قبره روضة من رياض الجنة.. والحمد لله على قضائه وقدره.