Al Jazirah NewsPaper Monday  19/02/2007 G Issue 12562
مقـالات
الأثنين 1 صفر 1428   العدد  12562
قراءة في كتاب النبوءة والسياسة 1-3
د. عبدالله الصالح العثيمين

* تأليف جريس هالسل وترجمة محمد السمَّاك

لم تخلُ المجتمعات الغربية؛ أوروبية أو أمريكية، من أناس يملكون الشجاعة في قول ما يرونه حقاً مع إدراكهم لما قد ينالهم من ضرر يمليه نفوذ الصهاينة في أدوات التأثير على الرأي العام في تلك المجتمعات، وسيطرة المتصهينين المتَّفقين معهم؛ توجُّهاً وموقفاً، على مراكز القوة السياسية. وممن قالوا ما يرونه حقاً السيدة الأمريكية جريس هالسل؛ وذلك في كتابها الذي تتناوله هذه القراءة.

والسيدة هالسل - كما قال مترجم كتابها الأستاذ محمد السمَّاك - (من بيت مسيحي إنجيلي معروف. وقد تعرَّفت عن قرب إلى الحركة التدبيرية؛ أي المؤمنة مطلقاً بالنبوءات. حاورت قادتها وفلاسفتها، وزارت فلسطين المحتلة عدَّة مرات ضمن جولات دينية ومؤسسات كنسية تتفانى في العمل من أجل مصلحة إسرائيل؛ لا حباً لليهود بالضرورة، ولكن للمساعدة على تحقيق النبوءات التوراتية التي تمهّد لعودة المسيح). أما كتابها فيبيِّن كيف تعمل تلك المؤسسات والشخصيات داخل أمريكا..؟ كيف تجمع الأموال..؟ وكيف تثير الرأي العام..؟ وكيف تدافع عن مصالح الكيان الصهيوني..؟ وكيف تنسِّق معه؟

وأما مترجم الكتاب الأخ الكريم الأستاذ محمد السمَّاك، فقد عني عناية موفَّقة بصلة الدين بالسياسة في الغرب؛ وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت حكومتها تتحكَّم بمجريات الحوادث العالمية بدرجة كبيرة. ومما صدر له في هذا المجال كتابان؛ أحدهما الصهيونية المسيحية، وثانيهما الدين في القرار الأمريكي. وقد نشر كاتب هذه السطور عن كلٍّ منهما قراءة من ثلاث حلقات في صحيفة الجزيرة الغراء، ثم وضع القراءتين ضمن كتابه: (كتابات عن التصهين) الذي نشر في بيروت عام 1426هـ -2005م.

والكتاب الذي تتناوله هذه الدراسة، صدرت طبعته الثانية من دار الشروق في القاهرة عام 1424هـ-2003م. ويتكوَّن من 160 صفحة مشتملة على مقدَّمتين بقلم مترجمه الكريم الأستاذ السمَّاك، ثم مقدَّمة بقلم مؤلفته جريس هالسل، ثم خمسة عشر موضوعاً، فخاتمة.

وقد أشار الأستاذ السمَّاك في مقدَّمتيه إلى خطورة الأفكار التي تطرحها الحركة الصهيونية المسيحية في أمريكا، وأهمية كتاب هالسل الذي يوضح المنطلقات الفكرية لتلك الحركة، والمنظمات التي تعمل تحت ظلال الكنيسة للترويج لها، بحيث أصبحت ضميراً دينياً جماعياً يوجب دعم دولة الصهاينة المحتلَّة لفلسطين تحقيقاً لنبوءات مستخرجة من التوراة. وذكر أن من أشهر المروّجين الدينيين لتلك الأفكارهول لندسي، وجيري فولويل، وبات روبرتسون وأندرو لانج. وهم يقولون: إن الكتاب المقدس يتنبأ بالعودة الحتمية الثانية للمسيح بعد مرحلة من الحرب النووية العالمية، أو الكوارث الطبيعية والانهيار الاقتصادي والفوضى الاجتماعية؛ تمهيداً لخوض معركة هَرْمجدُّون، وتدمير أعداء الله الذين هم غير المسيحيين المولودين ثانية مع المسيح (هكذا).

وكان من أشد المتحمِّسين لتلك الأفكار الرئيس ريجان. وما زال المؤمنون بها يزدادون عدداً. وعندما زار الرئيس كارتر الكيان الصهيوني عام 1979م، قال في الكنيست: (جسَّد من سبق من الرؤساء الأمريكيين الإيمان بأن جعلوا علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل هي أكثر من علاقات خاصة. إنها علاقات فريدة لأنها متأصلة في ضمير الشعب الأمريكي نفسه وفي أخلاقه وفي دينه وفي معتقداته).ويقول كاتب هذه السطور: مع أن الرئيس كارتر قال ذلك القول، وقام بجهود تنصيرية مكثَّفة في القرن الإفريقي، فإنه كان من أقلِّ رؤساء أمريكا سوءاً بالنسبة إلى قضية فلسطين. ويشهد على ذلك ما ذكره في كتابه الأخير من أن ما يقوم به الكيان الصهيوني تجاه الفلسطينيين أفظع مما كان يقوم به نظام جنوب إفريقية العنصري السابق تجاه سكانها الأصليين، وأن مقاطعة حكومة حماس التي أتت إلى الحكم عن طريق انتخاب حر في فلسطين، موقف منافٍ للعدل.

على أن هناك من يرجح أنه لم يقل ما ذكره أخيراً، إلا بعد أن يئس من إمكانية قيامه بأيِّ دور سياسي مستقبلاً.

ولقد استهلت المؤلفة هالسل مقدمتها بذكر نشأتها الدينية المؤمنة بانتهاء تاريخ الإنسانية بمعركة هَرْمجدّون، وتطلُّعها إلى الإقامة في فلسطين.

ثم ذكرت بدايات عملها كاتبة، ثم مراسلة في فيتنام، وسؤالها - بعد رؤيتها ما يفعل قومها الأمريكيون من جرائم ضد الفيتناميين - لماذا نقتلهم؟ فعادت إلى وطنها. وبعد إدراكها ما يحدث في ذلك الوطن من تفرقة عنصرية ضد السود سوَّدت بشرتها، وسجلت تجاربها في كتاب. ثم عاشت في مخيم للهنود وكأنها منهم، ودونت تجاربها أيضاً. وفي عام 1979م كانت في فلسطين، فقابلت لأول مرة في حياتها - كما قالت - فلسطينياً أخبرها كيف أُجبِر من خلال التهديد بالبندقية، على مغادرة الأرض التي زرعها أجداده وأجداد أجداده، وذكرت ما قاله لها أمريكيان مقيمان في مستوطنة غير شرعية، وهو أنهما استعملا المسدسات وبنادق أوزي لمصادرة الأرض من الفلاحين الفلسطينيين.

وبعد ذلك أشارت المؤلفة إلى أن إيمان الرئيس ريجان بحتمية وقوع هَرْمجدّون نووية جعلها تفرد فصلاً خاصاً بذلك الرئيس وإيمانه. ثم ذكرت بداية انتشار النظرية التدبيرية في القرن التاسع عشر الميلادي على يد سايروس سكوفيلد، وأشارت إلى أن من مقتضيات تلك النظرية تدمير معظم الصروح الإسلامية المقدَّسة في القدس بما في ذلك قبة الصخرة، لإقامة الهيكل اليهودي على أنقاضها، كما أشارت إلى أن اليهود الإرهابيين الذين أمطروا المسجد الأقصى بالديناميت لإزالته كانوا في نظر معتنقي تلك النظرية أبطالاً، وأن هؤلاء أسسوا جمعية لمساعدة من يعملون لتدمير المسجد.وبعد أن أكملت المؤلفة حديثها في مقدمتها عن رموز مشهورين بترويجهم للنظرية التدبيرية، وعن وجود نشاطهم الإعلامي المكثف الفعال، أمثال هول لندسي، وبات روبرتسون، وجيمي سواجرت، وجيم بيكر، وجيري فولويل، انتقلت إلى الحديث عن الموضوع الأول تحت عنوان: (مع جيري فولويل في أرض المسيح (معركة هَرْمجدّون). وذكرت أنها سافرت إلى فلسطين المحتلة في رحلة نظَّمها ذلك الرجل إلى هناك سنة 1983م، لتتعلم أكثر من نظرية هَرْمجدّون. وهناك أُخِذت مع آخرين إلى منطقة قريبة من حيفا، وأخبروا بالموقع الذي سوف تكون فيه معركة هَرْمجدّون كما يزعمون. وبعد أن أوردت ما دار بينها وبين أحد المؤمنين بالنظرية المذكورة الذين كانوا معها في الرحلة، سألت: وماذا عن اليهود الموجودين في فلسطين الآن في تلك المعركة؛ فأجاب: إن ثلثيهم سوف يقتلون. فسألت: إذا كان الله قد اختار اليهود من بين الشعوب ليكونوا أصفياءه، فلماذا يريد أن يبيد معظمهم؟ فأجاب: لأنه يريدهم أن ينحنوا أمام ابنه الوحيد الذي هو الرب المسيح (هكذا). تعالى الله عما يزعمه الضالون.وفي الموضوع الثاني من الكتاب؛ وعنوان: (النهاية قريبة) أشارت المؤلفة إلى أن ما سمعته في فلسطين المحتلة خلال رحلتها إليها ينطبق مع ما يقوله فولويل ومعظم الإنجيليين التليفزيونيين من أننا نتحرك بسرعة نحو مأساة نووية. وذكرت أن ليندسي يرى أن (دولة إسرائيل هي الخط التاريخي لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل)، وأن الجيل الذي ولد منذ إنشائها عام 1948م، سوف يشهد العودة الثانية للمسيح، وأن المأساة سوف تبدأ هكذا: كل العرب بالتحالف مع السوفييت سوف يهاجمون إسرائيل، وأن من سيبقى من اليهود سينحنون أمام المسيح. وتوضح المؤلفة كيف يفسِّر فولويل التنبؤات الواردة في التوراة والإنجيل بحوادث الزمن الحاضر، ويطبِّق الأسماء الواردة فيهما على أسماء دول حاضرة كالسوفييت وإيران. ثم ذكرت المؤلفة عند نهاية كلامها في الموضوع الثاني من كتابها أن فولويل يعتقد - وحديثها عنه كان سنة 1986م - أنه لم يبق أمام العالم ليعيشوا أكثر من خمسين سنة! هكذا تكون الخرافات، لكن المأساة أن يوجد ملايين من البشر مع ما وصل إليه العلم من تقدُّم يؤمنون بما يروِّجه المخرِّفون.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5896» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد