Al Jazirah NewsPaper Friday  23/02/2007 G Issue 12566
أفاق اسلامية
الجمعة 5 صفر 1428   العدد  12566
وسائل الإبداع في القرآن الكريم
أ. د. مها بنت محمد العجمي*

يدعو الإسلام إلى الإبداع ويحث عليه، قال صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة). أي أن كل اختراع أو إبداع له أصل في الشرع، وإن لم يكن له أصل في الشرع وهو لا يخالفه ابتداع محمود ومحثوث عليه طالما فيه خير للبشرية.

وهناك آيات كثيرة تحث على الإبداع من خلال حث البشر على أن يسيروا في الأرض ويرتحلوا في أنحائها ويستخدموا قلوبهم وعقولهم وحواسهم ليصلوا إلى الحقائق ويدرسوا قوانين الطبيعة للاستفادة منها في المعايش، والدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ}، وكذلك التعرف على الخالق، وحقيقة خلق السماوات والأرض وبدايتها، بالإضافة إلى التعرف على العلوم المختلفة التي تفيد في الدنيا والآخرة، والدليل قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}، والله سبحانه وتعالى من صفاته أنه بديع، والإنسان خليفة الله في الأرض، فينبغي على الإنسان أن يكون مبدعاً، والدليل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، فالإنسان خليفة الله واستخلف في الأرض للعمل والإبداع لقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.

إن النظر هو وسيلة الإبداع في القرآن الكريم، فهو عملية عقلية تتم بكل كيان الإنسان والمنظور هو الكون بأسره: الأرض والجبال والبحار والسماء والحياة والموت والمحسوس والمعنوي والظاهر والباطن والمرئي وغير المرئي.. إلخ. قال تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ}، فالنظر عملية تشمل كل كيان الإنسان بداية من البصر وإعمال العقل والقلب، ثم إدراك حقيقة المنظور وعلاقته بنفسه وبالله وبالإنسان رغبة في الوصول إلى الحقائق والاستدلال عليها والتثبت من تلك الحقائق المرجوة لاستقامة الإنسان وصلاحه في عمارة هذا الكون والتعرف على رب هذا الكون وخالقه.

وهناك عدة آيات في القرآن تتضمن صراحة الحث على النظر منها قول الله عز وجل: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}، وقوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ}، وقوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ}.

أما الآيات التي تحث على النظر ضمناً قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ}، وقوله عز جلاله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ}، وقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}.

فهذه الآيات رغم أنها لم تتضمن الحث على النظر صراحة، إلا أنها حثت عليها ضمناً، فأولو الألباب ينظرون بالطبع، والآذان تسمع والقلوب والأنظار تبصر من خلال النظر الفكري، كما أن التفكر والتعقل عمليتان عقليتان تتمان من خلال النظر أيضاً.

ويشمل النظر أيضاً التفاعل والانسجام الواقع بين كل هذه الأشياء، والذي يدل على وجود صانع واحد بديع لكل هذه الأشياء، ويهدف الناظر الوصول إلى أسرار الكون بأسره والاستفادة المثلى من كل مقدرات هذا الكون في تحقيق النفع لجنس الإنسان الذي سخر الله له كل شيء، وأعطاه المقومات اللازمة لتسخير كل هذه الأشياء والاستفادة منها. وهذه المقومات محورها الإبداع كحركة تشتمل على كل كيان الإنسان في تفاعله مع كل مقومات الكون لكي تتحقق للإنسان فوائد الإبداع وأهدافه.

وإذا كان النظر وسيلة الإبداع والإسلام يحث على النظر، لذلك فإن كل ما ذكر يؤكد أن الإبداع من القيم التربوية في القرآن الكريم.

* أستاذ المناهج وطرق التدريس - كلية التربية للبنات بالرياض - الأقسام الأدبية


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد