إن عناية الإسلام بالحوار كانت قديمة فمنذ أن بعث الله تعالى نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - والحوار بين المتخالفين مستمر إلى عصرنا الحاضر.. وقد أمر الله تبارك وتعالى بالمحاورة والمجادلة في كتابه الكريم فقال سبحانه وتعالى:
{ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} سورة النحل (125) والمجادلة هي عبارة عن حوار لكن تمتاز عن الحوار بأن فيها نوعا من القوة والغلبة، والمتأمل للآيات التي وردت في القرآن وفيها الأمر بالمجادلة يجد أن المجادلة لم يؤمر بها ولم تمدح في القرآن على الإطلاق، وإنما قيدت بالحسنى كما في قوله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } سورة العنكبوت (46)وبفضل الله تعالى اهتمت حكومة المملكة العربية السعودية بالحوار وشجعت عليه، وأمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - بإنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني, هذا لإيمانه بأهمية الحوار الوطني وعظم الحاجة إليه ولا سيما إذا أدى الحوار إلى التفاهم والتعاون والتناصح والمشاركة في البناء والبذل والعطاء للدين أولا ثم للمليك والوطن الغالي على نفوس الجميع، لكن يا ترى ما هي أهداف الحوار عموماً التي يمكن أن تجنى وأن يتحصل على نتائجها كل من المتحاورين ومن يهمه ما يصل إليه المتحاورون من نتائج وثمار طيبة يستفيد منها الجميع، هي باختصار ما سأبين أهمها في النقاط التالية:
1 - الوصول إلى الحق الذي يرضي الله تبارك وتعالى وهذا الهدف هو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه كل مسلم صادق مخلص لله تعالى، لأن الله تعالى قد أمر بالرجوع إلى كتابه وسنة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ.. } سورة الشورى (10)، قال الحافظ ابن كثير: (أي مهما اختلفتم فيه من الأمور وهذا عام في جميع الأشياء فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ أي هو الحاكم فيه بكتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - كقوله جل وعلا: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ... } سورة النساء (59).
2 - من أهداف الحوار تحقيق الاتفاق وعدم الاختلاف: سواء كان هذا الحوار بين شخصين فقط أو بين أكثر من شخصين وسواء كان حوارا مباشراً من خلال المقابلة المباشرة بين المتحاورين أو كان حواراً غير مباشر من خلال الردود الصحافية أو تأليف الكتب والرسائل، فإن لم يكن هدف ذلك الحوار هو الائتلاف والاتفاق فإنه لا يعتبر حواراً ناجحاً لمعارضته لهدف مهم لا يمكن نجاح الحوار بدونه، وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } سورة الأنفال( 46)، وقال سبحانه آمراً بالاجتماع والتكاتف { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ..} سورة آل عمران (103) ولا يكون الاجتماع والتكاتف إلا بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم وفيما أمر به من طاعة الله تعالى لقول الله سبحانه وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمر مِنكُمْ.. } سورة النساء 59).
3 - من أهداف الحوار إيضاح الحق لمن جهله: فقد يكون أحد المتحاورين أو بعضهم إذا كانوا مجموعة يجهل بعض الأمور فتبين له تلك الأمور وتوضح لقوله سبحانه وتعالى: { ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } سورة النحل (125)، قال العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي: (فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق أو كان داعية إلى الباطل فيجادل بالتي هي أحسن وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً.
4 - من أهداف الحوار تحقيق المصلحة العامة دون النظر إلى مصالح الأشخاص عندما تتعارض مع المصلحة العامة للوطن، فعندما يحاور محاور فلابد أن يسعى إلى تحقيق المصلحة العامة التي جاءت الشريعة الإسلامية بتحقيقها وكل مصلحة عامة فقد سعت الشريعة الى إيجادها وقد نص الفقهاء على ذلك بقولهم: (إن الشريعة جاءت بتكثير المصالح وتحقيقها وبدرء المفاسد وتقليلها) وقالوا أيضاً (يتحمل الضرر الخاص في دفع الضرر العام).
هذه بعض أهداف الحوار الناجح ويتبقى الحديث عن آداب الحوار وشروطه ولي معها وقفة في مقال قادم - إن شاء الله تعالى - وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
d-nhalotaibi@maktoob.com