|
(ليس المبدع من أنبأ عن عمله انما المبدع من أنبأ عنه عمله) عبارة قالها من يدرك أن منتج الابداع ليس من مهمته إيصال ابداعه إلى المتلقي والاستماتة في سبيل حزمة ضوء هي أقرب ما تكون إلى جذوة متهالكة لو غفل عن رعايتها لحظة واحدة لانطفأت وتحولت إلى هباء لا يكاد يرى بالعين المجردة، فالمبدع الحقيقي من تخترق قصائده الحواجز والمتاريس والإشارات الضوئية لتصل إلى متلقيها رغما عنه وعن قائلها لأن الشمس أوضح من أن يدل عليها أو يسوق لضوئها.
|
والشاعر الكبير عبدالله بن عون أدرك بفطرته وصدقه مع نفسه ومع الشعر والناس أن القصيدة الحقيقية قادرة على الوصول بمفردها دون ولي أمرها ففيها من النضوج ما يؤهلها لمواجهة كافة الظروف والمناخات بمفردها فهي ظرف ربما استطاع أن يحدث التغيير وإحداث الجمال.
|
عسى السحاب اللي على (كان) يافهيد |
من غرب يجتاحه رياح بشده |
وأليا تقافا كنه الريم شريد |
ما يعترض ممشاه ريح تصده |
أبيه يطمن يم دار الأجاويد |
وأول هماليله على سيف جده |
ويمتد له من سيف جده تماديد |
ويركد هواه أليا قرب من مصده |
شمال من جده لحزم الجلاميد |
وجنوب من جده شروره تحده |
مدة كريم ما لجوده تحاديد |
واليا عطى ما يقدر أحدٍ يرده |
وابيه يسقي نجد من غير تفنيد |
ما كفته ريدا إلى المستجده |
واليا غدا لأرقاب نبته عناقيد |
مافيه ألذ من الرخا عقب شده |
يطيب كيف مخازرات المفاريد |
اللي لها بقلوب أهلها موده |
وعبدالله بن عون شاعر لا ينتظر النتائج لما يقوله، فمهمته الكبرى أن يتجدد وينتج أجمل مما أنتج لثقته أن محب الشعر حينما يثق بالشاعر المستحق للثقة سيقبل قصائده على أنها لوحات جمال عالية الجودة متقنة العمل أصيلة المواد زاهية الألوان قبل أن يقرأها.. لم لا ..؟ أوليست قصائد شاعر يعتني بقصيدته
|
قبل أن تواجه الجمهور |
يامل قلب يسج وفيه دولاجه |
من هاجس بالضماير قام يدرجها |
في معزلٍ عن جميع الخلق وازعاجه |
ما اسمع من الناس لو تكثر لجالجها |
ما غير اهوجس تقول مضيع حاجه |
واخذ واسند على روحي واهرجها |
وادوج لو كان ما رجلي بدوّاجه |
أدّلّه النفس لين الله يفرجها |
بالصدر ضيقة ونوم العين هملاجه |
عيني من العام والسهر متولّجها |
نوبٍ سهرها شديد ونوبٍ نهاجه |
مّرَ تكنّ الدموع ومر تزعجها |
عليك يا للي بقلبي كنّ وهَاجه |
وهاج نار هوا الغربي يسارجها |
أبو ثمانٍ تشادي اللولو لعّاجه |
كن البرد يوم يضحك في مفالجها |
قلبٍ يناجيك بسلوم الهوى ناجه |
يشكي لك الحال داخلها وخارجها |
إما التفت له وتم الوصل بأمواجه |
وإلا بلا عشرة هذي نتايجها |
وش ينفعك من حنين القلب وخلاجه |
وجروح اسبابها انت ولا تعالجها |
وقصيدة كهذه أخذت من الشهرة في وقتها ما تستحقه من تداول بين جمهور الشعر ومحبيه إلا أنني أذكر وقتها أن أحدهم وصلت إليه من أحد أصدقائه في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان يجهل لمن تكون حيث يتبادلها عدد من المبتعثين مع جهل بعضهم بصاحبها، وهنا يكمن التميز والجمال، ولا أدل على وصول الممتع والجميل من الشعر إلى الناس من بقاء قصائد العديد من الشعراء الذين لم يكن لديهم إعلام سوى الرواية والمشافهة.
|
والحديث عن الجميل من قصائد عبدالله بن عون حديث لا ينتهي؛ لأن الجمال لا ساحل له ولا مدى سوى نفس المتلقي التي تقبل الجميل وتختزن الثمين من الشعر والحكمة.
|
من عادة الناس محاولة إطالة الإجازة خاصة إذا كان الجو والطبيعة كما في مدينة (كان) حيث كان الشاعر إلا أنه كان على عكس غيره من الناس حيث الحنين إلى الوطن وصاحب المثل يقول (المربى قتّال)
|
واللي على بعده من البعد حنيت |
وينتابني عقب الحنين اشتياقي |
نجد وهواه وشوف هاك السباريت |
اللي لها في وسط قلبي رواقي |
ومنادمة روس الرجال المناعيت |
كل أبلجن له فالطويلة مراقي |
توجد الكثير من الشعراء مثلو أنفسهم ب(الخلوج) التي فقدت ولدها ومن عايش الإبل عن قرب يدرك ذلك جيدا والقصص حول ذلك الموضوع كثيرة ربما أوردنا بعضا منها مستقبلا، ولكن كيف توجد عبدالله بن عون؟؟
|
لجتي لجت خلوج تحنس بالمراح |
تندفع وتعود لا اتلا العهد بحوارها |
حنجةٍ في حروته ماتبي عنها مراح |
ولا لها من حيله إلا هميل اعبارها |
من غروب الشمس لين انبلج نور الصباح |
ما امرحت من ماهجدها ولا امرح جارها |
ويوم قال مؤذن الفجر حيا للفلاح |
هملجت عينه وهي ريّضٍ مشوارها |
وجدها بالمثل وجدي على ظبي البراح |
درةٍ وسط البحر مفلسٍ بحارها |
العشير اللي بعد راح معه القلب راح |
وافترق شمل الأحبه بدون اخيارها |
ياعذولي كف عذلك وكف الاقتراح |
مقدر اسكن في ديار ماهيب ديارها |
لو شوتني نارها لين تنجحني نجاح |
ابرك الحزات يوم احترق في نارها |
والنماذج الرائعة كثيرة لا تتسع المساحة هنا للتوسع حولها ولكنني تعودت أن ألمح إلى ما يدعو القارئ للبحث إذا أراد التوسع عن قصائد الشاعر الذي اتطرق إليه.. والحديث عن عبدالله بن عون حديث أجمل إن شاء الله وللجميع ألف تحية.
|
|