Al Jazirah NewsPaper Friday  09/03/2007 G Issue 12580
الرأي
الجمعة 19 صفر 1428   العدد  12580

مع سلطان بن محمد
ماجد محمد المهنا

من منا لا يتذكر قول الإمام الشافعي إذا هيأ الله له صحبة فاضل من الفضلاء وماجد من الأماجد هذا القول الشهير:

تغرب عن الأوطان في طلب العلا

وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريج هم واكتساب معيشة

وعلم وآداب وصحبة ماجد

تذكرت هذين البيتين وأنا أسعد بمرافقة صاحب السمو الأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير وابنيه الأمير نايف والأمير محمد في رحلة (صيد) قبل أساببع إلى أرض السودان، وهيأ الله لي مرافقة سموه والاستئناس بأحاديثه عن قرب ولأيام عديدة، فعرفته أكثر مما كنت أعرفه، عرفت خصالا تضاف إلى تلك الخصال التي كنت أعرفها عنه.. عرفت تواضعه الجم.. عرفت رحمته حتى مع الحيوان.. عرفت قوة عزيمته وحزمه.. عرفت جده.. عرفت قوة علاقته مع ربه.. وعرفت وعرفت خصالا هي الفخار والشرف والسؤدد.. فهو جواد في كل حين:

ولو لم يكن في كفه غير روحه

لجاد بها فليتق الله سائله

يعرف عنه الناس شفاعاته لإنقاذ الرقاب التي قال عنها سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} ولا يعرفون هباته للمرضى والمعوزين والمحتاجين، وشفاعاته المتعددة والتي كلها رحمة وكرم للإنسان أياً كان هذا الإنسان، فلا الزمان ولا المكان يحد من أفضاله - حفظه الله -.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم

وتأتي على قدر الكرام المكارم

قد لا أجافي الحقيقة عندما أقول: إن - أبا نايف - أضحى البذل والإحسان ملازماً له كما شرابه وأكله.

تعوَّد بسط الكفّ حتى لو أنه

أراد انقباضاً لم تطعه أنامله

شاهدته عن قرب وعرفته عن معاشرة ومسامرة، فما زادني ذلك إلا افتخاراً بمعرفتي لسموه وحرصي على مزيد من القرب والاقتراب؛ فهو معين لا ينضب للكريم من السجايا والجميل من القول والفعل، مدرسة في التعامل وجامعة في الأخلاق يأسرك بتواضعه، ويخجلك بحرصه على كل فرد من أفراد رحلته وعنايته بالجميع، كما هي عنايته بأفراد أسرته، الجميع مشمول بعطفه كل فرد يرى أنه الأوحد بهذه الميزة، فاستأسروا وما أجمله من أسرٍ في كنف هذا الأمير الكبير بأفعاله وأقواله.

أضاءت لهم أخلاقهم ووجوههم

دجى الليل حتى نظَّم الجزع ثاقبه

أوجه الأجواد مضيئة حتى في عتمات الليالي الحالكة؛ لأنها تستضيء بنور أفعالها، وزكت سيرتهم فواحة لا بالعطر المصنوع ولكن بالفعل المطبوع.

تفوح أطياب نجد من ثيابهم

عند القدوم لقرب العهد بالدار

هذا الأمير الجليل يذكرني بسيرة الأمراء العلماء الذين جمعوا بين الدين والإمارة، فما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعت للإنسان، فكيف إذا كان هذا الإنسان ذا حسب ونسب!!

وإنما المرء حديث بعده

فكن حديثاً حسناً لمن وعى

إن هذه الأحرف المتواضعة الخجلى ما هي إلا إشارات عابرات أردت بها التعبير عما في فؤاد يكن كل الحب والتقدير لهذا الإنسان السامي بأفعاله وأقواله.

لما دخلتُ الحجاز بعد غيبة طويلة وأنا الذي كنت قد عشت به فترة من الزمن تقاطرت هذه الكلمات معبّرة عن شعور مَن فقد عزيزاً ثم عثر عليه أخيراً..

هشّ الفؤاد وبشّ في رؤياه

وسمت بألوان السنا ذكراه

وبدأت أشعر بالحنين لما مضى

أيام أن ضمّ الهناءَ رباه

وتبسم القلب العليل مردِّداً

حيّاك يا مَن ربُّه حيّاه

وهَبَ الإله ثراك مجداً راسخاً

قبس من الإيمان شعّ سناه

أكرم به من موطن نبضت به

مُهَجٌ على طول المدى تهواه

عاشت تمنّي النفسَ باللقيا به

لتنال من بعد الجفاء نداه

أقدام خير الخلق قد وطأت به

هذا الندى الفياض كان خطاه

أمست على أرجائه تزهو الرؤى

وهو الذي بقلوبنا نرعاه

فعلى ثراه تناغمت أحلامنا

بالحب عشنا والمنى نلناه

بعبيره فاح الأريج منادياً

يا راغبين الحسن هذا شذاه

طابت ليالي الود في أكنافه

والسعد في أيامه.. أصفاه

هذي أغاريد الجمال تقاطرت

شهداً، وأبدت للأنام بهاه

في أرضه كانت هناك نسائم

باتت لمعتلّ الفؤاد دواه

هذا الحجاز وهذه أضواؤه

لتنير من قلب العليل دجاه

كم تائب حطّ الرحال بقربه

والدمع في محرابه أجراه

كم آمل بالله يرجو رحمة

فاضت بقرب رحابه عيناه

يا موطناً أسر القلوب بحبّه

حييت من وطن سما بثراه

لا يكتوي من عاش في أفيائه

كلاّ، ولا تعدو الربا رجلاه

بارك لنا يا ربّ في أركانه

ربّاه واحفظ أرضه ربّاه


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد